لماذا يطالب الموظفون بزيادة السن التقاعدي إلى 63 عام ؟!
كتب / بأسل عباس خضير …
إن القانون الذي ينظم أمور التقاعد الذي تعتمده البلاد هو قانون التقاعد الموحد رقم 9 لسنة 2014 المعدل الذي اوجد حالات متعددة للإحالة إلى التقاعد ، منها التقاعد الاختياري والذي يتيح لمن لديه خدمة 15 عام فأكثر الاحالة للتقاعد وتقاضي حقوقه التقاعدية عند بلوغ عمره 50 عام ، والنوع الآخر هو الاحالة الإجبارية التي تلزم الدائرة بإحالة الموظف للتقاعد عند إكماله 63 عام ، وبموجب قانون التعديل الأول لقانون التقاعد رقم 26 لسنة 2019 تم تخفيض سن إحالة الموظفين على التقاعد الإلزامي من 63 عام إلى 60 عام ، وجاء في الأسباب الموجبة لتشريعه ( لغرض تحسين الواقع المعيشي للمتقاعدين وتحقيق المساواة والعدالة في احتساب الحقوق التقاعدية وللاستفادة من الدرجات الناتجة عن حركة الملاك في استقطاب الملاكات الشبابية وتعديل السن القانونية الوجوبي للإحالة إلى التقاعد ) ، ورغم إن قانون التعديل عد نافذا اعتبارا من 31 / 12/ 2019 استنادا إلى المادة 18 منه ، إلا إن البعض يعتقد إن هذا القانون لم يكن موفقا لأنه لم يحسن الواقع ألمعاشي للموظفين وان الدرجات الشاغرة التي وفرها هي اقل بكثير من التعيينات التي تمت بعد عام 2020 بمختلف المسميات ، كما يسود اعتقاد بان التعديل يطرد الكفاءات العلمية والمهنية والحرفية في سن عطائهم العالي ويعدونه ( ظالما ) لأنه قلص سن الاحالة إلى التقاعد الوجوبي ، وللتعبير عن ذلك فإنهم طرقوا أبواب الحكومة والنقابات ومجلس النواب لتعديله كما لم ينفك البعض من التظاهر والتعبير السلمي للمطالبة بإرجاع السن الوجوبي إلى 63 او زيادته إلى 65 عام ، والبعض يسال عن أسباب الاعتراض على الاحالة إلى التقاعد رغم إن التقاعد يريح الموظف بدنيا ونفسيا بعد خدمة طويلة ربما امتدت لأكثر من 30 عام ؟! .
والجواب على هذا السؤال بسيط ، وهو إن قانون التقاعد رقم 9 لسنة 2014 ( النافذ ) حدد أسس احتساب الراتب التقاعدي ، حيث يعتمد معدل الرواتب الاسمية التي تقاضاها الموظف لآخر 36 شهرا أساسا في تحديد الراتب التقاعدي ويضرب المعدل ( بعدد سنوات الخدمة × 2,5% ) ، فإذا كان معدل راتب الموظف 800 ألف دينار ومقدار خدمته 30 عام فان راتبه التقاعدي سيكون 800 × 75% = 600 ألف دينار ، وتضاف له نسبة 1% عن كل سنة خدمة ( في هذا المثال 30% = 180 ألف لان الخدمة 30 عام ) كما تضاف له مخصصات الشهادة بواقع ( 5% للدبلوم الفني و10% للبكالوريوس و15 % للدبلوم العالي والماجستير و20% للدكتوراه ) ، فإذا كان صاحب المثال حاصل على البكالوريوس إثناء خدمته تضاف له 10% من ال600 أي 60 ألف دينار ، وبذلك يكون مجموع راتبه الشهري 840 ألف دينار( 600 + 180 + 60 ) وغالبا ما يكون الراتب التقاعد اقل عن الراتب الوظيفي ، والبعض يعتقد إن هذا الراتب التقاعدي غير عادل لأنه لا يمكنه لتغطية متطلبات الحياة التي كان يتمتع الموظف بها أثناء الوظيفة حيث استقطع منه :
. الفرق بين الراتب الاسمي والراتب التقاعدي لان الراتب التقاعدي يأخذ معدل 36 شهر وليس الراتب الأخير كما انه يتأثر بعدد سنوات الخدمة حيث إن الاحالة بسن 60 يقلل من عدد سنوات الخدمة الوظيفية .
. المخصصات العائلية بالكامل ( الزوجية والأولاد ) فهو يساوي الأعزب بالمتزوج .
. الفرق بين مخصصات الشهادة أثناء الوظيفة والتي هي بواقع 15% للمتوسطة فما دون و25 % للإعدادية و35% للدبلوم و45% للبكالوريوس و75% للماجستير و100 % للدكتوراه حيث أصبحت مخصصات الشهادة في التقاعد كما ذكرنا أعلاه .
. المخصصات كافة التي كان يتمتع بها الموظف ( المنصب ، النقل ، الخطورة ، المهنية او الحرفية ، الموقع ، الخاصة ، غيرها ) حيث تحجب عن المتقاعدين الاعتياديين كافة عدا ممن لديهم استثناءات .
وبسب الحجب او التخفيض على وفق لما يطبق في القانون فان الفرق بين الراتب التقاعدي يكون اقل بكثير من الراتب الوظيفي وفي بعض الحالات يعادل 50% منه او أكثر او اقل ، ولان المتقاعد الذي يحال بعمر 60 سنة تقل فرصه للحصول على عمل في القطاع الخاص بعد التقاعد لإسناد راتبه التقاعدي بسبب العمر او ضعف خبرته في القطاع الخاص ومحدودية الفرص التي يعاني منها الشباب فكيف بالنسبة لمثل عمره ، فان مطالبهم الحالية تحاول الضغط باتجاه إعادة العمل بسن الاحالة للتقاعد للتمتع بعدد من المزايا : أولها زيادة عدد سنوات الخدمة ليستفاد من معادلة احتساب الراتب ، وثانيها زيادة معدل الراتب الاسمي الوظيفي من خلال العلاوات او الترفيع ، وثالثها تمتع البعض بامتياز مكافأة الخدمة التي تصرف للمتقاعد بواقع 12 × مجموع آخر راتب فعلي استحقه أثناء الخدمة أي قبل الاحالة للتقاعد ، وهذا الامتياز يمنح لمن لديهم خدمة وظيفية قدرها 25 عام فأكثر ويحرم منها من لديه خدمة 22 او 23 او 24 ولم يبلغوا خدمة 25 عام بسبب تقليص السن الوجوبي ، ومن تتم إحالتهم للتقاعد يشعرون بظلم إضافي وهو إنهم أثناء الخدمة يحصلون على علاوات وترقيات وربما حوافز و مكافآت في حين إن الراتب التقاعدي ثابت ولا يتغير ، فالمادة 36 من قانون التقاعد الموحد 9 لسنة 2014 والتي فيها إنصاف للمتقاعدين عند تطبيق نصها ( تزداد بقرار من مجلس الوزراء الرواتب التقاعدية كلما زادت نسبة التضخم السنوي على أن لا تكون الزيادة أكثر من نسبة التضخم ) من المواد المعطلة و لم يعمل بها منذ 2014 لغاية اليوم رغم زيادة التضخم بالنسب والمعدلات التي تعلنها وزارة التخطيط كل عام ، وان ما حصل عليه المتقاعدون من علاوات هي جعل الحد الأدنى للراتب التقاعدي 500 ألف دينار بدلا من 400 ألف ومنح مخصصات للمتقاعد والخلف بواقع 100 ألف دينار شهريا لمن تقل رواتبهم عن مليون دينار حصرا .
ومن وجهة نظر المنصفين ، فان المطالبة بخصوص إعادة السن الإجباري إلى 63 تعد ناقصة لان من المفروض أن تتم المطالبة بتعديل أسس احتساب الرواتب التقاعدية وجعل زيادتها سنويا ملزما كما هو الحال للعلاوة والترفيع ، فأعمار المتقاعدين تكبر عاما بعد عاما لذا فان حاجاتهم من الأدوية وغيرها من متطلبات المعيشة من حيث تبدل أنماط المأكل والملبس والتزامات الاجتماعية تتغير وتحتاج إلى تمويل ، وقليلا من هؤلاء يمكنهم الحصول على فرص العمل لسد الثغرة بين الراتب التقاعدي والوظيفي وبين الراتب التقاعدي ومتطلبات التكيف مع الوضع الجديد ، وان ذلك يفترض إن يكون من ضمن تخصيصات صندوق التقاعد الذي لم نشهد له شفافية خلال هذه السنين عن ما له وما عليه باعتباره الصندوق الضامن لتقاعدهم من مساهمات الموظفين ، وقد يروج البعض إن ليس كل المطالبات هي بهذا الاتجاه وان هدف ( نفر) من الموظفين بزيادة السن التقاعدي غرضه الاستفادة من الفساد و( الخمط ) أثناء الوظيفة ، ولهم نقول إن مثل هؤلاء من الظلم والعار إن يبقوا بوظائفهم وأحرار من دون أن تقع عليهم عقوبات نصت عليها مواد قانون انضباط موظفي الدولة رقم 14 لسنة 1991 او قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 والموظفون الشرفاء والافياء لوظيفتهم ووطنهم براء من هؤلاء ، وفي كل الأحوال فان من الواجب والضرورة الاهتمام بمطالب الموظفين والمتقاعدين بتطبيق المادة 36 من قانون التقاعد الموحد وإعادة النظر ببعض مواد القانون 26 لسنة 2019 ليسود الرضا في نفوسهم ، وهم في الأول والأخير مواطنون لهم حقوق وأدوا ما عليهم من واجبات .