أمريكا بين “فيتو” السنوار والضّربة الوشيكة
كتب / عبد الباري عطوان
أنْ تُوقف العشرات من شركات الطّيران العالميّة، الصّغرى والكُبرى منها، رحلاتها إلى مطار اللد (بن غوريون) في تل أبيب، ويُحاول الآلاف من المُستوطنين الإسرائيليين التّدافع لاستقلال أي طائرة مُغادرة فِلسطين المُحتلّة، بحثًا عن الأمان، وأنْ تنخفض العُملة الإسرائيليّة (الشيكل) بمُعدّلاتٍ مُتسارعة، وأنْ تتدهور قيمة الأسهم في البُورصة المحليّة بأرقامٍ غير مسبوقة، تَحَسُّبًا للضّربة الانتقاميّة الوشيكة لمحور المُقاومة، فهذا يعني الرّعب والتوتّر، والانهيار المُتسارع للأمن والرّدع، والمشروع الصّهيوني، والأُسس التي قامَ عليها على أنقاض الشّعب الفِلسطيني.
هذا الرّعب وهذا التوتّر يتفاقمان دون أن تُطلق أذرع المُقاومة صاروخًا أو مُسيّرة انغماسيّة واحدة إلى تل أبيب أو حيفا أو عكّا أو أسدود، فكيف سيكون الحال لو بدأ القصف الانتقامي المُباشر من إيران وجنوب لبنان، واليمن، والعِراق ثأرًا للشّهيدين إسماعيل هنية وشقيقه اللبناني السيّد فؤاد شكر رئيس هيئة أركان قوّات المُقاومة الإسلاميّة اللبنانيّة؟
***
إرسال لويد أوستن وزير الدّفاع الأمريكي حاملة الطّائرات أبراهام لينكولن إلى شرق المتوسّط للانضمام إلى زميلتها آيزنهاور، ومعها غوّاصة صواريخ، استجابةً لاستغاثةِ غالانت نظيره الإسرائيلي، لن تُرهب محور المُقاومة وأذرعه الضّاربة، ولن، أو لا يجب، أن تتوقّف أو تُؤجّل الرّد الانتقامي المُنتظر، فهذه الحاملات لم تَحمِ السّفن الإسرائيليّة في البحار الأحمر والعربي والمتوسّط من صواريخ القوّات البحريّة اليمنيّة، ولم تمنع إفلاس وإغلاق ميناء أم الرّشراش (إيلات) في فمِ خليج العقبة.
نتمنّى على جِنرالات محور المُقاومة وأذرعه أنْ لا يُقيموا وزنًا لمِثل هذه الحركات الاستعراضيّة التهديديّة الجوفاء، وأنْ يتذكّروا أنْ توسيع الحرب الذي تُحذّر منه واشنطن هو الخطر الأكبر على “إسرائيل” وليس على دُولها (أي إيران واليمن ولبنان والعِراق)، فدمار هذه “الإسرائيل” لا يحتاج إلى 150 ألف صاروخ ثقيل ودقيق يربض في ترسانة حزب الله، وإنّما إلى بضعة آلاف فقط، بعد الفشل الذّريع لمنظومة القبب الحديديّة، وشقيقتها مِقلاع داوود، وأمّها غير الشّرعيّة منظومة صواريخ الباتريوت التي فقدت هيبتها وفاعليّتها على أيدي رجال المُقاومة الإسلاميّة في اليمن ولبنان وقطاع غزة، وبخسارةِ عشراتِ المِليارات التي دفعها بعض العرب لشِرائها.
عارٌ على الولايات المتحدة، وحُلفائها في أوروبا الذّهاب إلى الضحيّة، أي إيران وحزب الله، وتُطالب بضبط النّفس، وعدم التّصعيد، ولا تلوم، مُجرّد اللّوم للنّازي بنيامين نتنياهو الذي يقف خلف الاغتيالات والهجمات الاستفزازيّة ناهيكَ عن مجازر الأطفال والأبرياء في قطاع غزة.
جميلٌ جدًّا أنْ يبدأ المُجاهد يحيى السنوار عهده الجديد، بعد تتويجه بالإجماع زعيمًا لحركة “حماس” بإصدار بيان ذكي وشجاع “يَئِدُ” فيه استئناف الخديعة الكُبرى المُمثّلة في مُفاوضات القاهرة والدوحة قبل أنْ تبدأ، بإصراره على تطبيق ما جرى الاتّفاق عليه أوّلًا، ووضعِ حدٍّ لهذه المهزلة التي اسمُها مُفاوضات وقف إطلاق النّار.
***
نستغرب، بل نستهجن عدم صُدور أي موقف مُؤيّد أو داعم لبيان السنوار وحركة حماس التي يتزعّمها، من القاهرة أو الدوحة، الوسيطين المُكلّفين، باستِضافة هذه المُفاوضات المِصيَدة، بإملاءٍ أمريكيّ، ومُباركةٍ إسرائيليّة، فهذا الصّمت من وجهة نظرنا هو قمّة الهوان والتّواطُؤ، خاصَّةً أنه يأتي، أي الصّمت، بعد مجزرة مدرسة حي الدرج بغزة، التي أدّت إلى استشهاد أكثر من مئة مُصَلٍّ راكعٍ أعزل، نسبة كبيرة منهم من الأطفال.
أمريكا خسرت جميع حُروبها في الشّرق الأوسط، وخرجت مهزومة، مطرودة، مُهانة من العِراق وأفغانستان، ولا ننْسَ الصّومال ورجالها البواسل وعلى رأسِهم الشّهيد عيديد الذي قادَ المُقاومة ضدّ المُحتل الأمريكي بشجاعةٍ وبُطولة، ومن المُؤكّد أنّ أيّ حربٍ تخوضها أمريكا في الأيّام والأسابيع المُقبلة بتورّطٍ من نتنياهو ورهطه، لن تكون استِثناء.. والأيّام بيننا.