جواسيس إسرائيل في العراق أطفال!
كتب / إيهاب مقبل...
أعدم العراق في السابع والعشرين من يناير كانون الثاني العام 1969 أربعة عشر جاسوسًا للموساد الإسرائيلي، أحد عشر منهم أعدموا في ساحة التحرير بقلب العاصمة بغداد، بينما أعدم ثلاثة أخرين في ساحة أم البروم بقلب مدينة البصرة.
كان زعيم شبكة التجسس والتخريب والإغتيالات اليهودي العراقي “عزرا ناجي صهيون حزقيل زلخا، 51 عامًا”، والذي أعدم مع ثمانية جواسيس يهود أخرين، وهم: (تشارلز رافائيل حوريش 45 عامًا، فؤاد كابي 35 عامًا، يعقوب كرجي نامردي 32 عامًا، صباح حاييم ديان 25 عامًا، داود إيلي يادغار 23 عامًا، نعيم خضوري هلالي 21 عامًا، حزقيل صالح حزقيل 20 عامًا، داود حزقيل باروخ دلال 20 عامًا).
واعدم في نفس الحدث كذلك مسيحيين أثنين وثلاثة من أصول مسلمة، وهم كل من: (زكي أندراوس زيتو، البير حبيب توماس، عبد المحسن جار الله، محمد عبد الحسين نور جيتا “باكستاني الأصل”، وجمال صبيح الحكيم والذي كان والده يهوديًا وزعم اعتناقه الإسلام وأمه مسلمة لكن بحسب اليهودية فإنه ليس يهوديًا “اليهودية تورث من الأم فقط”).
بجانب الأربعة عشر جاسوسًا أعلاه، اعدم العراق أيضًا الجاسوسة اليهودية روان بوشاط، زوجة عزرا زلخا، وشريكته في الشبكة، لكن كان اعدامها منفردًا في زنزانة بسجن بغداد المركزي.
يتلاعب اليوم قسم الحرب النفسية والمعلومات المضللة في الموساد الإسرائيلي عبر صحفيه واعلامه، بأعمار جواسيسه اليهود، ويحاول إظهارهم كالأطفال، فتارة يزعم أن داود إيلي يادغار يبلغ عمره 17 عامًا لحظة إعدامه، وأن حزقيل صالح حزقيل يبلغ عمره 17 عامًا، وتارة أخرى يزعم أن داود حزقيل باروخ دلال يبلغ عمره 16 عامًا فقط لحظة إعدامه.
يرجع سبب تلاعب الموساد بأعمار جواسيسه، ومحاولته إظهارهم كالأطفال، إلى أن القانون العراقي في ذلك الوقت لا يسمح بتنفيذ الإعدام على من تقل أعمارهم 20 عامًا، وبالتالي يفند الرواية العراقية بعملهم معه، ويتهم العراقيين بالتلاعب بالأعمار، ويخفي فضيحة إنكشاف الشبكة برمتها للمخابرات العراقية آنذاك، وذلك دعمًا للمعنويات النفسية لشبكات جواسيسه النشطة اليوم في العراق إنطلاقًا من شماله والقواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في البلاد.
إما السبب الآخر لإنكار الموساد لعمل هذه الشبكة معه هو أن عزرا زلخا قدْ تورط ليس فقط بالتجسس، بل كذلك بارتكاب جرائم قتل في العراق، منها اغتيال النقيب الطيار العراقي شاكر محمود يوسف في شقة بمنطقة الكرادة، وعثرت الشرطة العراقية لاحقًا على جثته تحت السرير، واغتيال النقيب الطبيب العراقي حسين علي عبد الله في منزل عزرا بمنطقة الكاظمية، وعثرت الشرطة العراقية لاحقًا على جثته في حديقة المنزل الخلفية ذات الأشجار الكثيفة. نفذ عزرا بنفسه هذه الاغتيالات باستخدام مسدس كاتم صوت بسبب رفضهما العمل لصالح الموساد، وذلك بعد الايقاع بهما من قبل زوجته روان.
ومع ذلك، فقدْ نجحت روان، إبنة بوشاط التاجر اليهودي والعميل للموساد، وزوجة عزرا، بتجنيد تسعة موظفين عراقيين يعملون في مواقع حساسة، وأربعة ضباط عسكريين برتب مختلفة في الجيش العراقي، وضابط بأمن المطار، وستة آخرين يشغلون مناصب إدارية مختلفة بالوزارات العراقية. سقط جميعهم للاسف على سرير النوم بوسائل اشبه بـ”القوادة والدعارة”، وتدفقت بواسطتهم أسرار العراق أولًا بأول إلى الكيان الصهيوني.
وعزرا زلخا، يهودي عراقي، وصفه الكاتب المصري فريد الفالوجي، في كتابه “العملية 007 اغتيال الطيارين العراقيين الثلاثة”، بـ “ماكر كالثعلب، وديع كالأرنب، شرس كالنمر ذو ألف مخلب، سهل جدًا أن يتلون كالحرباء وفقًا للظروف والمواقف، لكنه على كل حال ثعباني الخطر، قلما يفلت مخلوق من لدغته”.
ولد عزرا زلخا في الموصل، وبحسب المصادر العراقية تولد 1918، وبحسب المصادر العبرية تولد 1925 أو 1927، وهو أبن أسرة يهودية جذورها في البصرة، وكان لديه شقيقان وثلاث شقيقات، وعملَ كموظف في وزارة الصناعة والتجارة العراقية.
هاجرت أسرته إلى “إسرائيل” في خمسينيات القرن الماضي، وبقى في العراق لتهريب أكثر من 400 أسرة يهودية إلى الكيان الصهيوني عبر إيران الشاه جوًا، وذلك بمساعدة ميليشيات مصطفى بارزاني على الحدود العراقية الإيرانية.
يزعم الكيان الصهيوني إن سبب إعدام عزرا واليهود الثمانية معه هو “مهاجمة الجيش الإسرائيلي موقعًا للجيش العراقي في شمال الأردن في ديسمبر كانون الأول العام 1968، ردًا على قصف المستوطنات اليهودية في الجليل، مما أسفر عن شن حملة اعتقالات ضد اليهود في العراق”.
لكن في الحقيقة أكد العقيد الركن علي هادي وتوت، والذي شغلَ في تلك الفترة منصب رئيس المحكمة الخاصة لمحاكمة شبكات التجسس في العراق، إن “المحكمة توصلت إلى هذا القرار بصرف النظر عن ديانة المتهمين، وذلك لأنها برأت ساحة سبعة من اليهود”.
وبجانب ذلك، أفرجَ صدام حسين شخصيًا، والذي كان الزعيم الأوحد للأمن الداخلي في العراق ونائب الرئيس العراقي الراحل أحمد حسن البكر عند تنفيذ حكم الإعدام بشبكة عزرا للتجسس، عن اليهودي العراقي مئير عبدة شاشون، وذلك لثبوت عدم تورطه في التجسس بحسب صحيفة معاريف الإسرائيلية في عددها الصادر في الحادي والثلاثين من يناير كانون الثاني العام 2019.
بل ما يؤكد صحة المحاكمة والرواية العراقية بـ”صهيونية” الشبكة وانتمائها للموساد هو إقامة ذكرى لاعدامهم في مركز التراث اليهودي البابلي في أور يهودا بتل أبيب في كل عام.
كما يوجد نصب تذكاري باسمائهم في أور يهودا، ونصب تذكاري آخر في رمات غان وهي مدينة مركزية في تل أبيب.
وزيادةً على ذلك، سمي حي “ياد هاتيشا” في هرتسليا على أسماء اليهود التسعة المعدومين في العراق.