طلبة جامعات العراق بين صعوبة إختيار التخصّصات ومستقبل التوظيف
كتب / عقيل وساف
يبدو أن الكليّات والجامعات العراقية قد أصبحت متخمة بكثرة أعداد الطلبة وبشكل جنوني، وهذا ما انعكس سلباً على معيار الكمية والنوعية. وقد أصبحت التخصصات التقليدية تعاني من زخم وإقبال كبيرين، حيث أصبح الفرق بالتعليم واضحا وتفاوته بالآونة الأخيرة من حيث الدقة والصعوبة والتركيز.
وقد أخذ الطلبة على عاتقهم بتشجيع من أسرهم في كثير من الأحيان، العثور على التخصصات التي تؤهلهم لوظائف ذات رواتب جيدة ومستقبل واعد. لقد استمعوا إلى وسائل الإعلام، وتابعوا أسواق العمل، وشهدوا الانفجار في التكنولوجيا الحديثة حيث شكّلت دافعا للتفكير خارج الصندوق في اختيار التخصّصات المفيدة النادرة.
إن ما يحدث للعلوم الإنسانية والفنون في العديد من الكليات والجامعات ليس ظاهرة جديدة، بل بسبب اللامبالاة والإهمال والتراجع الكبير في المستوى العلمي للطلبة. ونتيجة لعقود من الإخفاقات في إعادة التأكيد، أو الإصلاح، أو على الأقل التحديث، بدأنا الآن نرى تقدما بسيطا في بعض العلوم الاجتماعية والتعليم.
يمكنني أن أطرح بعض الأسئلة الاستقصائية، وربما الاستفزازية، لأخذها بنظر الاعتبار، أين تتناسب مجالات الدراسة والتخصصات الكبيرة هذه،والحاجة إلى الخريجين لتوظيفهم مع الهيكل الأكاديمي التقليدي للبلد.
إن تخصصات كالأمن السيبراني، وأنظمة الطاقة، والذكاء الاصطناعي، وأمن التكنولوجيا، ذات أهمية كبيرة ومستقبلية واعدة.
دعونا نفكر في مثالين لمجالات الدراسة (التخصصات) “التقليدية جداً” التي ستحتاج نوعا ما إلى خريجين لكنها تخسر من حيث التنافس على الطلاب: النقل والزراعة.
لماذا يتراجع اهتمام الطلاب؟ لماذا تبدو الجامعات وكأنها تكافح من أجل التصحيح؟ لماذا لا يتمكنون من تحقيق النجاح في جذب الطلاب وربطهم بأسواق العمل القوية؟ في كلتا الحالتين، كان الجواب هو التحديث واتخاذ موقف أكثر اتساعاً. لقد تم تحديث المجالات، وربما تم تحديث التعليمات. لكن الجامعات لا تزال تحاول توظيف نفس النوع من الطلاب، أولئك الذين لديهم نفس الاهتمامات والتطلعات، باستخدام نفس رسائل التوظيف، والاعتماد على نفس أصحاب العمل وأنواع التوظيف للمساعدة في تعزيز حججهم. يحتاج كل من تخصصي النقل والزراعة إلى إثارة وإلهام الطلاب المهتمين بعلوم الحاسوب، والبرمجة، والروبوتات، والطائرات بدون طيار/أنظمة الطائرات بدون طيار، والواقع الافتراضي والمعزز، والذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، والألعاب، وعلم الوراثة، وغير ذلك الكثير. تتطور هذه المجالات (من بين مجالات أخرى) بسرعة، وقد حان الوقت لإدخال أنواع جديدة من الطلاب.
لم يعد الأمر يقتصر على هندسة النقل، أو أنظمة المرور، أو التخطيط الحضري أو الأرصفة. لم يعد يقتصر على مجرد الهندسة الزراعية، أو علوم النبات والتربة، أو علوم المحاصيل أو تصنيع المعدات الزراعية.
إن كنت ترغب في جذب الطلاب؟ أطلق العنان لخيالهم. استفد من مصالحهم. أشعل عواطفهم. قابلهم حيث يعيشون، وليس حيث تريدهم أن يهبطوا، حيث هبطت الأجيال التي سبقتهم. سيكون هؤلاء الخريجون الجدد هم من سيواصلون التحوّل والتطوّر في هذه المجالات التي كانت تقليدية في يوم من الأيام والتي تستعد للتطور السريع.
إذا كنا نريد طلاباً مفكرين نقديين، تكامليين، وفضوليين فكرياً على نطاق واسع، فلن نتمكن من تحقيق هذه الغاية من خلال إعادة تنشيط الفنون التقليدية أو إعادة صياغة العلوم الإنسانية بطريقة تجميلية. سنحقق ذلك عبر إنشاء برامج تتطلب تفكيراً مقارناً وتحليلاً نقدياً، تفرض التكامل بدلاً من عزل التخصصات، وتخلق الظروف الملائمة للاكتشاف الحقيقي وليس مجرد التعليم التلقيني.
لا يعتمد تجهيز خريجي الجامعات للمستقبل على ضمان تخرجهم دون ديون تعوقهم فحسب، بل على استعدادهم للتكيّف والتطوّر والخدمة في عالم سريع التغّير، فالواقع الحالي أصبح متخما بالاختصاصات التقليدية عديمة الفائدة ويتحتم على كل طالب أن يطوّر وينمي من قدراته في اختيار تخصصات علمية فريدة لتمثل وتعكس توجهه ومدى براعته وطموحه.