شئنا أم أبينا.. فعدونا إسرائيل
كتب / د. فايز أبو شمالة..
قد يرى كل العالم هزيمة إسرائيل في شوارع غزة، وعجزها عن تحقيق انتصار في قلب المدن والمخيمات، وقد يعترف الجيش الإسرائيلي بأنه لن يحقق أي هدف من تلك الأهداف التي حددتها الحكومة، وقد تعترف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن تحرير الأسرى الإسرائيليين من داخل غزة مستحيل، دون صفقة تبادل أسرى، وقد تعترف المعارضة الإسرائيلية وكل حاخامات إسرائيل السياسيين أن غزة عصية على الكسر، وأن الانتصار المطلق عليها من المستحيلات السبعة، وقد تبصر كل شعوب العالم الإرهاب الإسرائيلي، والتخبط في اتخاذ القرارات، إلا أهل غزة أنفسهم، فهم لا يرون كل ما سبق، فأهل غزة لا يرون إلا الموت الذي يطوف على خيامهم، ولا يسمعون إلا صوت القصف، ولا يشاهدون إلا الدمار والخراب وافتقار حياتهم لمقومات البقاء.
وسط هذه اللجة وغبار القذائف، ومن بين ركام البيوت المدمرة، يعلو صمت المشككين بجدوى معركة طوفان الأقصى، ويصب بعض التائهين عن الحقيقة، والكثير من المنفلتين سياسياً جام تشككهم وحقدهم على رجال المقاومة، على افتراض أن كل هذا الخراب الذي حط على أرض غزة مرجعه قرار حركة حماس البدء بمعركة طوفان الأقصى، دون قراءة العواقب، ولولا مبادرة حركة حماس لهذه المعركة، لظلت غزة آمنة هادئة هانئة واعدة، تعيش أجمل أيام حياتها وازدهارها وتطورها.
أولئك الذين يعيبون على حماس مبادرتها، ويتهمونها بالتسبب في خراب البيوت العامرة، هم أولئك الصبية أنفسهم الذين طالت ألسنتهم، وهاجموا حياة أهل غزة قبل العدوان الإسرائيلي، واتهموا غزة بانها طاردة للشباب، وأن غزة فقيرة وبائسة وجائعة بسبب حركة حماس، هؤلاء هم أنفسهم الذين انقلبوا اليوم على ما كان منهم، وراحوا يشيدون بأيام غزة الحلوة والجميلة والمزدهرة قبل معركة طوفان الأقصى.
وكما رفض هؤلاء المراهقون سياسياً تحميل مسؤولية حصار غزة وجوعها قبل معركة طوفان الأقصى للعدو الإسرائيلي، يرفضون اليوم تحميل العدو مسؤولية تدمير غزة على راس أهلها، ويرفضون اتهام الجيش الإسرائيلي بحرب الإبادة، رغم أنهم يرون الصواريخ الإسرائيلية وهي تتساقط فوق رأس النازحين في الخيام، ويرون الجيش الإسرائيلي وهو يطارد سكان غزة من مكان إلى آخر، رغم كل تلك المشاهد، إلا أن البعض من هؤلاء المراهقين يصر على اتهام حركة حماس بأنها السبب، ويبرئون العدو الإسرائيلي من جرائمه وفظائعه.
ad
هؤلاء الصبية المراهقون سياسياً، يمثلون نهجاً سياسياً يؤمن بالتنسيق والتعاون الأمني مع المحتلين، ويمثلون تياراً سياسياً يرى بالهزائم قدر الفلسطينيين، هؤلاء الصبية لا يتمنون انتصار غزة، فكل انتصار للمقاومة يعني هزيمة لمشروعهم السياسي القائم على الزفزفة تحت أقدام المحتلين، والذي تستّر بالمفاوضات الكاذبة لعشرات السنين، ومن هذا المنطلق السياسي يأتي الهجوم على حركة حماس، وعلى المقاومة الفلسطينية، وتحميلهم المسؤولية، بهدف تبرئة نهج التنسيق والتعاون الأمني مع المخابرات الإسرائيلية.
ولعل أغرب ما في الأمر أن هؤلاء الطاعنين في ظهر المقاومة، هم أبعد ما يكونوا عن التضحية، أو دفع الأثمان، وهم أبعد ما يكونوا عن تقديم أي شكل من أشكال المساعدة للناس، وهم يعيشون لأهوائهم، بعضهم يقيم خارج حدود غزة، وآخرون يقيمون في أماكن آمنة داخل غزة، لا تستهدفهم الطائرات الإسرائيلية، ولا تلتفت إليهم العين.
الهجوم المتعمد والمركز على مقاومة أهل غزة عمل تنظيمي، تشرف عليه مخابرات دول كثيرة معادية لفلسطين، هدفهم نصرة إسرائيل، وتبرئتها من جرائم حرب الإبادة ضد أهل غزة، وهؤلاء المندسون ينسقون مع العدو الإسرائيلي لحظة الانقضاض على غزة، لإعادتها إلى حظيرة التنسيق والتعاون الأمني، ولكن أنى لهم ذلك، ورجال غزة الأوفياء يملؤون الشوارع والحارات بإرادتهم، وينبضون عشقاً في كل القلوب.