انهيار المفاوضات أم تأجيلها؟.
كتب / أسامة خليفة…
ماذا يعني أن تقوم سياسة أقوى دولة في العالم على مشاعر وأحاسيس غامضة؟. من تشاؤم مرة ومن تفاؤل مرات؟. أليس غريباً أن تؤجل الولايات المتحدة تقديم خطة جديدة لوقف إطلاق النار لعدة أيام أو إلى أجل غير مسمى، بسبب عدم التفاؤل بفرص نجاحها؟. هل السياسة علم الفحص والبحث في الحقائق أم فن الكذب والخداع والتضليل؟. أليس من مهام الوسيط النزيه الإشارة بوضوح إلى من يكمن وراء فشل التوصل إلى اتفاق لوقف النار في قطاع غزة؟. على الوسيطين المصري والقطري إصدار بيان يعلنان فيه الحقائق للعالم، أما المفاوض الأميركي في الأصل ليس وسيطاً بل حليفاً للتعنت الإسرائيلي، دعم بشكل منحاز سياسة التفاوض التي يمارسها رئيس حكومة اليمين المتطرف بنيامين نتنياهو، بإطالة أمد المفاوضات، وإعادتها في كل جولة إلى نقطة البدء، لا تدحرج التفاؤل الأميركي، إلى تفاؤل يوصف بأنه حذر، ثم إلى تشاؤم هذه المرة، وعلى غير العادة في جولات التفاوض السابقة، يسود تشاؤم أميركي حول مصير المقترح الجديد لعقد صفقة أُطلق عليها اسم «الفرصة الأخيرة».
أجواء تشاؤم إسرائيلية أيضاً ـــــــ تثير الشك ــــــ بشأن إمكانية التوصل إلى صفقة، رغم ذلك تتوقع مصادر اسرائيلية أن المقترح الأميركي سيُقدم على أي حال، لماذا يقدم إذا كان مصيره الفشل؟. تريد الولايات المتحدة أن تظهر أنها معنية بعملية السلام، تواصل جهودها « البناءة» في البحث عن حلول لوقف القتال، وإراقة الدماء، وهي من عرقل مشروع قرار جزائري في مجلس الأمن لوقف حرب الإبادة على شعب فلسطين، والاحتمال الآخر أنها تقدم مقترحاً لكي يفشل، لتحميل الفلسطينيين نتائج الفشل، فتبرر لإسرائيل التدمير الشامل وارتكاب المجازر.
أوضحت المصادر أن الصفقة التي تجري صياغتها قد تعرض خلال الأيام القليلة المقبلة، وتتضمن كل النقاط الخلافية، وعلى رأسها محور فيلادلفيا. وكشفت وسائل إعلام أميركية نهاية الشهر الماضي عن اعتزام واشنطن تقديم «صيغة نهائية»، محاولة إحداث حلحلة بملف المفاوضات، تشمل اقتراحات لجسر الهوة بين الطرفين في كل القضايا، لافتة إلى أن هذا المقترح سيكون على طريقة « Take it or leave it »، لكي يضع الطرفين في موقف جاد.
قال مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، ويليام بيرنز، في تصريحات له، يوم السبت 7/9: «إن بلاده تعمل على مقترح لوقف إطلاق النار في غزة»، مضيفاً: «نأمل أن يتم ذلك في الأيام المقبلة»، مؤكداً «مواصلة العمل بأقصى ما يمكن مع الوسطاء». وسيُقدّم مقترحٌ جديد أكثر تفصيلًا في الأيام المقبلة، وفيما لو قُدم المقترح الأميركي الجديد، فالمحللون يعتقدون أن المقترح لن يؤدي إلى أي شيء الآن، إلا إلى إعطاء فرصة جديدة لجيش الاحتلال لمتابعة جرائمه ومجازره.
ماذا يعني ربط التشاؤم بمقترح «الفرصة الأخيرة»؟. هل هو تحذير أم تهديد؟. المنطقة والمفاوضات أمام خيارين: تأجيل المفاوضات لما بعد الانتخابات الأميركية، أو انهيار المفاوضات، الفارق بينهما أن التأجيل له مبرراته في الانشغال بالانتخابات، يتردد في الاعلام عبارة الوقت ينفذ، ليس فقط على حال الأسرى تحت القصف الذي يصيب المقاومين وأسراهم معاً، والوقت ينفذ أمام التوصل لهدنة قريبة، وستنشغل واشنطن بالانتخابات، وقد تتأجل المفاوضات لما بعد انتهائها، وهذا ما يريده نتنياهو لأنه يعلق الأمل ويراهن على فوز ترامب. أما انهيار المفاوضات ستُحمّل حركة حماس مسؤوليته، وفي كلا الحالتين يستمر العدوان الإجرامي على شعبنا، إنما الانهيارــــــــ الغير مفاجئ للمراقبين والمتابعين ـــــــ يؤدي إلى احتمال كبير لتصعيد عسكري كبير، تفاءَل أو تشاءَم الأميركيون، ليعلموا أن إعلان انهيار المفاوضات، هو إعلان حرب أميركي إسرائيلي مشترك، يوم الخميس 5/9، عقد رئيس وزراء العدو اجتماعاً أمنياً بمشاركة فريق التفاوض وكبار مسؤولي الأمن، بهدف الاستعداد لسيناريو ما بعد انهيار المفاوضات، واستمرار الحرب على جميع الجبهات والساحات، إسرائيل من الآن تحتم فشل المفاوضات، ولا تعلق بعضاً من الأمل على اقتراح الوساطة الأميركية، وتستعد لمعركة مكثفة وطويلة على جميع الجبهات، والسيناريو القادم لما بعد فشل جولات التفاوض، هو جولات من القتال تؤدي إلى تصعيد غير مسبوق، واحتمال تحول الحرب إلى نزاع إقليمي، إن وراء التشاؤم استعداداً لحرب ستتضح مجراها بعد إعلان نهاية الوساطة الأميركية، وتحميل حركة حماس مسؤولية انهيار المفاوضات. وما بين ادعاء تفاؤل وادعاء تشاؤم، تقوم حقيقة الرؤية الأميركية التي تتمثل في إدارة الحرب تخفيضاً وتصعيداً.
تؤكد حركة حماس باستمرار أنها تعاملت بإيجابية ومرونة للوصول إلى اتفاق، وتشدد على أن الأمر يتعلق بقرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هذا نصف الحقيقة ونصفها الآخر يتعلق بسياسة الإدارة الأميركية التي تعتمد المطالب والشروط الإسرائيلية التي قدمها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في تموز الماضي، وقام بتعديل الاقتراح الذي أعلنه الرئيس الأميركي جو بايدن في مايو/أيار الماضي، المفاوضون الإسرائيليون أضافوا تغييرات إلى قضايا خلافية كثيرة، حول إنهاء الحرب، والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، وتفاصيل صفقة تبادل الأسرى، والفيتو الإسرائيلي على أسرى الأحكام طويلة، وقائمة إبعاد أسرى إلى خارج فلسطين بعد الإفراج عنهم.
تقول حركة حماس أن لا داعي لمقترحات جديدة، بل لتطبيق ورقة بايدن، وإلزام إسرائيل بتنفيذ بنودها. وخلال جميع مراحل التفاوض، أكدت حركة حماس أنّ مطالبها ثابتة وتتعلّق بوقف الحرب، وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، وعودة النازحين وصفقة تبادل عادلة للأسرى.
كشريك في حرب الإبادة الإسرائيلية، منحاز بشكل كامل إلى جانب إسرائيل، يتبنى المفاوض الأميركي شروط إسرائيل لعقد صفقة، وتطرحها على طاولة المفاوضات كمقترح أمريكي، مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي زعم: أن حماس هي العقبة الرئيسية أمام التوصل لوقف إطلاق النار، في تماه فاضح مع الموقف الإسرائيلي، واتهم كيربي حركة حماس بأنها غيرت بعض شروطها بشأن وقف إطلاق النار، رد القيادي في حركة حماس عزت الرشق عليه: أن لا أساس من الصحة لاتهامه، وأن ما يروّجه الاحتلال وبعض المصادر الأميركية عن مطالب جديدة لحركة حماس، كذب ومحاولة للتهرب من مسؤوليتهم عن تعطيل المفاوضات، ووقف العدوان على شعبنا الفلسطيني. وشدد على أن الجميع يعلم أن نتنياهو وحكومته النازية هم الطرف المعطل للاتفاق، مؤكداً أن مطالب الحركة المتمثلة في وقف العدوان بشكل دائم، والانسحاب الكامل من قطاع غزة، واضحة، ومتمسكون بها.
لا تعترف الإدارة الأميركية أن تعثّر الجولات السابقة من المفاوضات بسبب المطالب التي قدّمها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يضع شروطاً جديدة لإعادة المفاوضات إلى المربع الأول. هذا الموقف يأتي في إطار سعي الإدارة الأميركية إلى تحميل حماس فشل المفاوضات، تشارك وسائل إعلام أميركية في هذا، وتتحدّث عن مطالب جديدة لـ«حماس»، طرحتها لعرقلة المضي قدماً في المفاوضات بدلاً من تقديم تنازلات مطلوبة للتوصل إلى حل، مرجعة سبب التشاؤم إلى عدم رغبة «حماس» في التوصل إلى اتفاق.
لا صفقة تبادل أسرى دون الضغط على نتنياهو، وهناك نوعان من الضغط : الضغط الخارجي من قبل الولايات المتحدة هو الوحيد القادر على ممارسة الضغط على نتنياهو للذهاب إلى صفقة، وهي غير راغبة في ذلك، وتسعى إلى الضغط على الطرف الذي تظن أنه الأضعف، ويأمل المسؤولون الأمريكيون أن تتمكن قطر من إقناع «حماس» بالتخلي عن ثوابتها، والتراجع غن مطالبها. ونحن نطالب قطر بكشف حقائق المفاوضات أمام العالم وهذا مسؤوليتها ومسؤولية المفاوض المصري كوسيطين نزيهين في التفاوض، وقد قال مسؤولون أميركيون: أن «حماس» أضافت في الأيام الأخيرة مطالب جديدة تتعلق بالإفراج عن الرهائن، وطالبت بمضاعفة عدد السجناء الفلسطينيين الذين سيجري إطلاق سراحهم في المرحلة الأولى من الاتفاق، وكـأن هذا ما يعرقل نجاح المفاوضات في ظل استمرار اعتقال العشرات من الفلسطينيين بشكل يومي، والأحكام القاسية التي تصدرها المحاكم الإسرائيلية على مناضلين من أجل حرية وطنهم.
أما الضغط الداخلي فمساء السبت 7/9، قامت مظاهرات حاشدة، قال منظموها إنها ضمت أكثر من نصف مليون شخص متخوفين من انهيار المفاوضات، وأثر ذلك على حياة أبنائهم، متحسبين للوقت الذي ينفذ وحكومتهم التي تكذب، تصاعدت أصوات المتظاهرين للمطالبة بهدنة قريبة، وإطلاق سراح المحتجزين، لكن نتنياهو والمتطرفين من أمثال سموترتش وبن غفير غير مهتمين بحياة الأسرى، فقد قال سموترتش: إن إسرائيل لن تنتحر من أجل عدد من المحتجزين.