أزمة الدينار العراقي والعلاقة الجدلية مع الدولار الأمريكي..!
كتب / ضياء رحيم محسن
باحث في الشأن المالي والإقتصادي/ تدريسي في جامعة أوروك
مما لا شك فيه أن الدول تعمل على تعظيم قوة عملتها المحلية أمام بقية العملات، من خلال إجراءات كثيرة قد يكون أهمها هو التنويع، والتنويع الذي نقصده هنا هو تنشيط القطاعات الإقتصادية المتوافرة، أضف الى ذلك العمل على جلب الإستثمارات الأجنبية للداخل والتي تضيف هي الأخرى قوة الى الإقتصاد الوطني بما ينعكس على قوة العملة الوطنية لهذا البلد، بالتالي فإن السلطة النقدية تترك أمر تحديد سعر الصرف لآيات العرض والطلب هي من تحدد سعر صرف العملة الوطنية قبال العملات الأجنبية، وهنا فإن السلطة النقدية لا تتدخل إلا عندما تجد أن هناك ما قد يؤدي الى إنخفاض سعر العملة المحلية دون مبرر اقتصادي.
بعد عام 2003 ورثت إدارة البنك المركزي العراقي تركة ثقيلة خلفتها إدارة البنك السابقة، تمثلت في حجم المديونية على العراق، كما أن سعر صرف الدولار الأمريكي (وهو العملة الأولى المتداولة في السوق العراقي) وصل مستويات عالية جدا، حيث كان سعر الدولار 1750 دينار/ دولار، وهذا ما نتج عنه إرتفاع معدلات التضخم الى مستوى 50%، وهو ما يضغط على أسعار السلع المتداولة في السوق المحلية، فكان لابد من حلول وإجراءات سريعة تحد من هذه الأسعار، تعمل على تخفيضها بما ينسحب على معدلات التضخم أيضا، فكان إقتراح السيد سنان الشبيبي (رحمه الله) أيامها أن يقوم البنك المركزي بإستحداث نافذة لبيع العملة الأجنبية تعمل على توفير الدولار للتجار بالسعر الرسمي، وهو الأمر الذي ساهم بصورة كبيرة في إنخفاض سعر الصرف الى 1189 دينار/ دولار، وانسحب هذا الأمر على معدلات التضخم التي انخفضت هي الأخرى الى مرتبة عشرية واحدة، بملاحظة أن السيد الشبيبي كان قد ضَمْنَ إقتراحه بضرورة أن تعمل هذه النافذة لمدة محدودة حتى يتم تجاوز هذا الأمر.
لا شيء يعمل كاملا:
بالتأكيد لكل تجربة أخطاؤها، من أخطاء هذه التجربة هو ظهور الصكوك الطيارة، والتي حصد من وراءها البعض أموال طائلة، وآلية الصكوك الطيارة تكون بأن من يقوم بالدخول الى نافذة العملة الأجنبية بجلب صك مصدق من قبل أحد المصارف، على أن يقوم البنك المركزي بسحب هذا المبلغ وبسبب إجراءات المقاصة خلال ثلاثة أيام على أقل تقدير، الأمر الذي منح صاحب الصك (طبعا بدون رصيد، فهناك عمولة يدفعها لمن يسهل له هذا الأمر) أريحية ببيع الدولار الذي اشتراه من البنك المركزي وتسديد أصل المبلغ الى المصرف الذي هو عميل لديه، وهكذا يحصل على أرباح بدون رأس مال حقيقي، بعدها حاول السيد الشبيبي أن يلغي هذه النافذة لإنتفاء الحاجة إليها بعد إستقرار الدينار العراقي، الأمر الذي لم يعجب الكثيرين، فحصل ما حصل من خروجه من إدارة البنك المركزي وتولى خلفه هذه الإدارة.
لا نريد الدخول في تفصيلات كثيرة حول من هو السبب، ولماذا، لأننا اليوم نواجه مشكاة حقيقية، تتمثل في إرتفاع سعر صرف الدولار بدون وجود مبرر اقتصادي لهذا الإرتفاع، وتعود قصة الإرتفاع لأيام السيد مصطفى الكاظمي عندما قام برفع سعر صرف الدولار في الموازنة الى 1470 دينار/ دولار، في محاولة من الحكومة للتغطية على العجز الحاصل في تمويل الموازنة، وحتى هذا لم يحصل، لأن الفارق الذي حصلت عليه الحكومة من هذا الإرتفاع، منحته للمقاولين والتجار بحسب الإتفاق مع رئيس اللجنة المالية في وقتها، في أيامها قلنا أنه لا مبرر لهذا الأمر حقا، وعادت الحكومة في العام 2023 لتخفيض سعر صرف الدولار الى 1320/ دولار بسبب ضغط الكتل السياسية.