قيلٌ وقال عن مشروع قانون الاحوال
كتب / د . منال فنجان
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ان القوانين مهمتها الاساسية ضبط المعاملات البشرية وخلق الاستقرار للوصول الى مجتمع امن مستقر وبما ان القانون هو وليد الارادة البشرية وكما نعبر عنه بـ (القوانين الوضعية) فهذه الارادة لا تتصف بالكمال المطلق وبما ان فرضية المشرع ان يضمن انطباق القانون على الحالات الحالية الانية والمستقبلية في نفس الوقت فان النص يأتي جامعا مانعا شاملا بصيغة عامة.
ومع ذلك فان الحاجة لتعديل القوانين تبقى قائمة على اختلاف المجتمعات الانسانية المتقدمة والنامية وباختلاف ايديولوجياتها وذلك لان حاجات البشر غير متناهية وغير محصورة او معدودة وبما انه القانون تشريع لحل مشكلة قائمة او مستقبلية او لسد حاجة معينة، لذلك فانه ليس هناك قانون دائم بل يلحقه الكثير من التعديلات الجزئية او الكلية او ما نسميه بالنسخ، وقانون الاحوال الشخصية رقم ١٨٨ لعام ١٩٥٩ لا ينكر احد عاقل انه بحاجة الى تعديلات تنسجم مع التغيرات الزمانية والفكرية والذوق العام للمجتمع لسد حاجات استجدت في حياة العراقيين.
فضلا عن مشكلات عديدة تواجهها الاسرة العراقية والمجتمع العراقي في ظل القانون النافذ الحالي الذي لم يستطع حل ومواجهة هذه المشاكل والتي لا يختلف عليها احد منها العنف الاسري والتشرد والتسيب وكثرة الطلاقات باعداد كبيرة مقلقة وما تسببه من نزاعات عائلية وعشائرية تصل احيانا للقتل ناهيك عن القطيعة بين الاهل وتفكك نسيج المجتمع والكثير من المشاكل التي لسنا بمورد ذكرها هنا لذلك ان التعديل للقانون مطلوب وخاصة بمواضيع مهمة تتعلق بالجانب العقائدي للشخص لاسيما انها تتعلق باحكام تتعلق بالاسرة ونحن نتابع ردة فعل البعض على مشروع التعديل بين رافض ومؤيد كان لابد من رد على الملاحظات التي اوردها الرافضون والتي ركزت على نقاط محددة سنوردها تباعا ادناه:
١- ركز المعترضون على موضوع الزواج وان التعديل سيسمح بتزويج البنت بسن التاسعة، ونود ان نشير الى ان القانون الحالي النافذ قد قرن اهلية الزواج باهلية الاداء وجعل سن الزواج (بلا اذن) ابتداءا في سن ١٨ (كامل الاهلية) م ٧ فقرة ١، ثم حدد سن ١٦ (ناقص الاهلية) واعطى للقاض اذن تزويج صاحب طلب الزواج بناءا على موافقه وليه او عدم موافقته بعد اعطاءه مهلة الموافقة اذا اعتب (عدم الموافقة) بانها لا يعتد بها وفي غير محلها المادة ٨ وحدد سن ١٥ (ناقص الاهلية) باعطاء الاذن للقاضي بتزويج من هو بهذا العمر بناءا على موافقة وليه او بدون موافقته اذا كان هناك ضرورة المادة ٨، وحدد ما دون سن ال ١٥ باعطاء الاذن للقاضي لطالب الزواج اذا وجد ضرورة لذلك او لحل مشكلة اجتماعية لاسرة صاحب الطلب واذا تبين له ادراك وفهم لارادة صاحب الطلب وكفاءته البدنية مناسبة للطلب بعد ان يتيقن من مسالة تحقق (البلوغ الشرعي) المادة ٨، اي ان للقاضي صلاحية التزويج للقاصرين كما نسميهم قانونا ومن هم دون سن ١٥ سنة بشرط وحيد هو التحقق من البلوغ الشرعي مع مراعاة ما ذكرناه اعلاه.
والواقع العملي يغص بالاف الحالات المماثلة في محاكمنا الموقرة، وعليه فان القانون النافذ الحالي، يجيز لزواج من هو كامل الاهلية وناقص الاهلية الى حد سن البلوغ الشرعي سواء كان بسن التاسعة اللي هو الحد الادنى للبلوغ او لمن هي اكبر من ذلك وذلك لان سن البلوغ يختلف عن سن التكليف، بل ويجيز القانون النافذ الحالي زواج عديم الاهلية، حيث اعطى القانون صلاحية للقاضي بتزويج عديم الاهلية مثل ناقص العقل والمعتوه اذا كان في زواجه مصلحه له المادة ٧ فقرة ٢، ولم يكتفي القانون النافذ الحالي بما اورده وحدده من عمر صاحب طلب الزواج والشروط الواجب توافرها بل اوجد مخرجا صريحا وقانونيا لمن يريد ان يخرج عن النص والقانون والتحلل من كل الاحكام الواردة فيه حين اشار الى تصديق عقود الزواج خارج المحكمة (وهي العقود الشرعية التي تجري على يد رجل الدين) استنادا للمادة ١١ من القانون وتسجيله رسميا كعقد زواج صحيح منتج اكل اثاره استنادا للمادة ١٠، ومن خلال ما تبين اعلاه فان كل ما قيل عن مشروع تعديل القانون في سماحه لزواج القاصرات فهو مردود جملة وتفصيلا لما ورد اعلاه والمحاكم تشهد على ذلك وفي احصائية قراتها ان هناك ٢٤٪ من الدعاوى في محاكم الاحوال الشخصية هي دعاوى تصديق زواج وهذا معناه ان من تريد الزواج بين التاسعة او اذا اراد وليها تزويجها بهذا السن فهو لا يحتاج لقانون جديد لان القانون الحالي يسمح له من اوسع ابوابه سواء كان في المحكمة او خارج المحكمة، والشيء الاهم ان الزواج وما يتعلق به من عمر وغيره امور تحكمها الاعراف والتقاليد والتربية والبيئة فضلا عن الدين.
٢-ركز الرافضون على مواضيع فقهية بغض النظر عن تقسيماتها (شائعة، مشهورة، متفق عليها وشاذة) منها زواج الرضيعة او غيرها من مواضيع تتعلق بذلك اترفع عن ذكره فنقول ردا على ذلك ان ما نتحدث عنه هو قانون وليس فقها يستلزم ان تجتمع فيه مقومات النص القانوني من كونه جامع (جامع لشروط صحة نفاذه) شامل (شامل لكل ما يريده المشرع حاضرا ومستقبلا بشكل عام دون الخوض في التفاصيل) مانع (مانع للتأويل والتفسير لأكثر من معنى) اي بمعنى ان يكون النص مانع للجهالة، وان هذا القانون مصدره الشريعة الاسلامية وهذا ليس غريبا ولا هجينا فقد عمد المشرعون على اختلاف عصورهم الاعتماد على الشريعة بأحكامها واراءها الفقهية ومثاله القانون النافذ الحالي، لذلك النقاش القانوني ليس نقاشا فقهيا وليس محله ذلك فالساحة القانونية اكثر محدودية من الساحة الفقهية، لذلك فان تناول المواضيع الفقهية بالشكل الذي ظهرت في الاعلام كان معيبا وليس محله هذا الموضوع الذي هو مشروع قانون تعديل قانون الاحوال الشخصية، وان ما اورده الرافضون بهذا الصدد مرفوض عقلا ومنطقا وواقعا.
٣- الحضانة وما يتعلق بها حيث ركز المعترضون على ان الحضانة لن تكون للام، وهذا الكلام غير صحيح اطلاقا فالتعديل اعتمد الراي الفقهي القائل بمدة الحضانة سبع سنوات للذكر والانثى اكون للام (بالرغم من اختلاف الآراء الفقهية حول مده الحضانة والتمييز بين الذكر والانثى) وهذا ما تحدثنا عنه اعلاه من ان النص القانوني هو ليس درسا فقهيا يتناول فيه الآراء الفقهية، هذا من ناحية ومن ناحية اخرى فان اعطاء الحضانة بعد السابعة للزوج، لا يعني معاقبة الزوجة بمنعها من طفلها بل ان الحضانة تعني الرعاية والاخيرة تعني ان لا يحرم الطفل من امه ويجب على الحاضن ان يدع المحضون يرى ويبيت مع امه للحفاظ على المحضون نفسيا وجسديا وتنشئته بشكل سوي، باعتبار ان الغاية من الحضانة هي مصلحة المحضون شرعا وقانونا.
وهذا بخلاف ما يحصل في الفانون النافذ الحالي الذي حرم الاب من طفله بشكل تعسفي لمدة ١٥ ولا يسمح له برؤيته الا ساعات قليلة بالشهر الواحد وبدائرة رسمية المادة ٥٧ وكأنها اشبه بالعقوبة للطفل ابتداءا بانه ينشا يتيم بوجود ابيه الصلبي مقطع العلاقة تماما مع ارحامه من ابيه وهذا الا ساعات قليلة بالشهر وبدائرة رسمية المادة ٧٥ حيث اعتمد القانون نظام المشاهدة فقط وكأنها عقوبة ضد المحضون ان ينشا يتيم بوجود ابيه الصلبي منقطع العلاقة مع ارحامه من ابيه وبشكل لا مثيل له في قوانين حتى الدول غير الاسلامية ومنها الاوربية وامريكا، التي تعتمد الحضانة المشتركة حيث يوجب القانون على الحاضن ان يقضي المحضون ايام الاعياد والعطل مع الاب او الامعري الحاضنين، وهذا انتج مشاكل كبيرة ومعقدة اثرت على النسيج الاجتماعي بأكمله والواقع يشهد على ذلك، لذلك ان الراي المعارض بهذه الفقرة راي غير مقبول انسانيا واخلاقيا اذا كان المعارضون غير متدينين قبل ان يكون مرفوض شرعيا.
٤- الارث وما قيل عن ان مشروع القانون يحرم المرأة من الارث وهذا كلام مردود وباطل بطلانا مطلقا لان المرأة شرعًا ترث بشكل طبيعي ( ام، اخت، بنت، جدة، عمة، خالة …) حالها حال الرجل وفق التقسيم الشرعي، الا في حالة الزوجة من زوجها فقط ويشمل ملكية الارض فقط (مختلف عليها فقهيا بين الارض الزراعية او السكنية) ولكنها ترث ما فوق الارض من عروش سواء كان بناء او زروع اننا لا نختلف بأهمية التعديل وما يتعلق بذلك من محل خطير ومهم الا وهي الحياة الشخصية والاسرة وما يترتب على ذلك التعديل من ضبط لواقع الاسرة ومتعلقيها والزواج واثاره بغية الجد من المشاكل الحالية وتقليلها كحد ادني ومعالجتها، ان التعديل بتقديم مشروع قانوني جاهز ومترب يتناول المواد المراد تعديلها او اعتماد التعديل الكلي اي نسخ القديم بكله اعتقد كان بالإمكان ان يكون افضل (وان كان موضوع المدونة غير مرفوض) لضبط حدود المتحاورين خاصة من المعارضين جهلا او عمدا.