نتنياهو احترق ويحاول انقاذ نفسه
كتب / كمال خلف
عادت الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة الى واجهة الاحداث من جديد ، ما وضع جبهة لبنان على النار الساخنة عدة عوامل أولها الضغط الكبير الذي يمارسه سكان الشمال للعودة الى بيوتهم ، ورغم وعود نتنياهو وحكومته طول اشهر ، فان ما يحدث على الأرض معاكس تماما ، حزب الله وسع دائرة استهداف المستوطنات خلال هذا الشهر ما رفع عدد المهجرين في الشمال ، والعامل الاخر هو رغبة نتنياهو في تحويل الأنظار عن الإخفاق في غزة ، مهمة القضاء على حماس واستعادة الاسرى لم تتحقق ، وليس هناك إجابة واضحة حول اليوم التالي في غزة ، والصفقة تنتظر على الطاولة والإدارة الامريكية تستعد لطرح جديد سيضع نتنياهو امام مهمة افشاله من جديد ، مع ما يرافق ذلك عادة من مظاهرات لاهالي الاسرى في غزة باعداد باتت تقلق نتنياهو وحكومة اليمين من حوله ، التقديرات تقول قد تصل الى المليون متظاهر .
الأهم من كل هذه العوامل ان نتنياهو الذي حاول طول عام شراء الوقت والاستمرار في الحرب لأسباب شخصية باتت معروفة ، بالإضافة الى الحفاظ على حكومته من الانهيار ، اصبح الان امام لعبة بالوقت معاكسة ، امامه فقط شهر ونصف الشهر حتى موعد الانتخابات الامريكية ، وهو يعرف ان الاحداث في الشرق الأوسط تؤثر على الانتخابات وعلى المرشحين للرئاسة ( هاريس ، وترامب ) . وليس خافيا ان نتنياهو عمل على ان يكون جزءا من الماكينة الانتخابية لدونالد ترامب ، ((هذا ما قاله الكاتب الأمريكي المؤيد لإسرائيل توماس فريدمان )) .
يعلم نتنياهو ان دونالد ترامب سيكون حليفا مثاليا له ولليمين المتطرف من حوله وليس فقط حليفا لإسرائيل ، وانه سوف يستخدم أسلوب الابتزاز الفج تجاه السعودية واخرين من العرب من اجل التطبيع مع إسرائيل بغض النظر عن تحفظاتهم او حساباتهم الداخلية والإقليمية ، بينما يتوجس من ( كامالا هاريس ) فهذه الأخيرة لم تحضر خطابه الرديء بالكونغرس ، وهو يعلم جيدا الأسباب .
كما ان نتنياهو بدأ يستشعر ان الديمقراطيين قد رتبوا بعض الأمور لمرحلة ما بعد الفوز في الانتخابات الرئاسية ، ولا يبدو انه يستسيغ ومن حوله فكرة ان ايران احجمت عن الرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس في طهران إسماعيل هنية ، لان أمريكا وضعت حاملات طائرات في مياه الشرق الأوسط .
لديه وعصبة المتطرفين المجرمين من حوله مخاوف وهواجس تخصهم ولا تخص إسرائيل ككل ، لان أي إدارة أمريكية مقبلة من البديهي انها ستدعم إسرائيل وتلتزم بحمايتها .
من اجل هذا يعمد نتنياهو الى رفع مستوى الابتزاز للإدارة الامريكية ، هم يقولون لا نريد توسيع الحرب ، ولا نريد مواجهة شاملة مع لبنان ، هو يقول ان الحرب مع لبنان ضرورة وسنخوضها قريبا ، ليس هذا فحسب بل وضع قضية اقالة وزير الامن (يواف غالانت) بشكل متعمد بالتداول الساخن ، لانه يعلم ان غالانت ينسق مع الإدارة الامريكية ، صحيح ان غالانت متحمس للحرب مع لبنان ويوجه التهديدات بشكل مستمر ، لكنه مستمع جيد لما يقوله الامريكيون حول مخاطر ذلك على إسرائيل وعلى المنطقة وعلى المصالح الامريكية فيها ، كما انه مستمع جيد لجنرالات الجيش وقادة الامن .
لذلك امام نتنياهو فرصة حوالي أسبوعين من شهر أيلول الحالي وشهر أكتوبر المقبل لعمل شيء يقلب المعادلة الانتخابية في الولايات المتحدة ، او يحقق من خلال عمر الإدارة الحالية القصير ما لا يمكن ان يحققه بعد فوزهم . الحشود العسكرية بدأت على حدود لبنان والاستعداد لايام قتالية بدأ ، لا نتوقع حربا شاملة ، وربما اقصى ما يذهبون اليه هو محاولة التوغل البري لانشاء شريط بعمق الأراضي اللبنانية ، محاولة جربوها في حرب تموز ٢٠٠٦ وفشلت ولم يثبتوا على ارض لبنان لايام . فما الذي سيجعلها ناجحة الان ؟
العملية الإرهابية الإسرائيلية الكبيرة في لبنان ، والتي فجرت بها إسرائيل اكثر من ٣٠٠٠ آلالف شخص وقتلت ٩ بذات الدقيقة ، من خلال تفجير أجهزة اتصالات شخصية ، وجرت بالأسواق والمحلات التجارية وعيادات الأطباء والمنازل والسيارات والاحياء وهي تماثل تماما العمليات الإرهابية التي يقوم بها تنظيم داعش دون تفرقه بين عنصر من حزب الله او مدني او طفل او امراة . هو عمل عصابات اجرام مستمر في غزة ويتمدد الى لبنان وباقي المنطقة ، لكنه أيضا عمل يأتي بنفس السياق الذي اشرنا اليه في السطور السابقة . نتنياهو يجر حزب الله الى الرد العنيف ، ومن خلال الرد يفتح الحرب ويقول لمعارضيه في إسرائيل والولايات المتحدة هم من بدأوا الحرب ونحن اضطررنا للدفاع عن انفسنا . اعتقد ان حزب الله يعي ذلك ، ويعرف ان نتنياهو يلعب بالوقت بدل الضائع وان صفحة في إسرائيل توشك على ان تطوى . التقديرات في طهران تصب في نفس هذا السياق ، نتنياهو احترق ويحاول انقاذ نفسه .
المقاومة في لبنان وحفاؤها في المنطقة ، يجب ان يتعاملوا بذكاء مع هذا المستجدات ، العملية الإرهابية الإسرائيلية لا يجب ان تمر ، ويجب ان يدفعوا الثمن ، ولكن يجب التفكير مليا بطريقة الرد ، ويجب ان يتم قراءة أي تحرك عسكري في سياق البيئة السياسية والعسكرية والظروف المعقدة المحيطة . الهدف ليس الانتقام لمجرد الانتقام ، فالمشروع اكبر واوسع والاهداف يجب ان تكون استراتيجية في سياق الصراع ككل .
لدينا مكاسب هامة على كل الصعد العسكرية والسياسية والشعبية وعلـى مستوى وعي الامة وعلى صعيد مكانة ومصير إسرائيل في المنطقة والعالم يمكن البناء عليها في هذه المعركة ، والمستقبل اصبح واعدا والنصر صبر ساعة ، المعركة قاسية ليس في جانبها العسكري فقط ، فقد استخدموا فيها كل اوراقهم القذرة من اعلام .. وصهاينة عرب .. وتشويه وتثبيط ، وقدمنا ضحايا وشهداء ودماء وارزاق ، معركة قاسية
لكنها تبشر بولادة جديدة ، بعد عقود من التدمير الممنهج للقضية الفلسطينية وتمدد إسرائيل براحة تامة في بلادنا العربية ، وتهويد صامت ، واستيطان و تطبيع ، وبلطجة . المقاومة مستمرة والرهان عليها ، وطالما في هذه الامة نبض لن نهزم ابدا .