هل أنتَ ممن يؤيدون المقاومة على حرف؟!
كتب / د. كمال ميرزا
الناس من حيث مواقفهم من “المقاومة” واتجاها أنواع:
هناك مَن يكرهون المقاومة ويبغضونها حدّ العما، ويعضّون عليها أسنانهم من الغيظ، ولا يدّخرون فرصة أو مقاماً أو وسيلةً إلّا واستغلّوها للتعبير عن كرههم وبغضهم وغيظهم هذا، ويودّون لو أنّهم يغمضون أعينهم ويفتحونها فيجدوا أنّ المقاومة قد مُحقت ومُحيت عن بكرة أبيها..
هؤلاء للمفارقة هم أفضل فئة من الناس؛ فهولاء واضحون صريحون مكشوفون تعرف مكنونات صدورهم، وتعرف شرّهم فتتفاداه، وتعرف نواياهم فتحترز منها!
وفي مقابل هؤلاء، هناك الفئات الأسوأ من الناس، والذين يتدرّجون من الأقل سوءاً إلى الأكثر سوءاً من حيث موقفهم من المقاومة!
فهناك مَن يناصرون “المقاومة” على عماها، أو على طريقة “معاهم معاهم عليهم عليهم”، أو على طريقة “عنزة ولو طارت”، من دون أن يكون لديهم أي موقف عقليّ أو أدنى حسّ نقديّ تجاه تصرّفات المقاومة وقرارتها وخياراتها ولو من قبيل النقد البنّاء وإسداء النصح والمشورة.
علاقة هؤلاء بالمقاومة لا تختلف عن علاقة أي مخبر أو مطبّل أو مزمّر أو سحّيج عربيّ (وإسلاميّ) بحاكمه ونظامه الحاكم!
والأسوأ من هؤلاء مؤيدو المقاومة من “الموضوعيّين الأوغاد”، أي أولئك الذين يحاولون تمويه نقدهم الهدّام وتثبيطهم للنفوس وتهبيطهم للمعنويات بهالة كاذبة من العقلانيّة والإتزان والحرص الكاذب.. في حين أنّ ما يحرصون عليه فعليّاً هو “برستيجهم” والصورة التي يحاولون نسجها لأنفسهم حتى لو أدّى ذلك بهم للسقوط في الحياد أو المساواة بين الضحيّة والجلّاد أو حتى لوم الضحيّة!
أمثال هؤلاء يدّعون أنّ الإنسان المُنصف ينبغي أن يفكر برأس باردة.. في حين أنّ قلوبهم هي الباردة ووجوههم هي المسقعة!
أمّا أسوأ أنواع الناس على الإطلاق وأخطرهم فهم أولئك الذين يؤيّدون المقاومة على حرف؛ إنْ أحسنت وأصابت ظفراً هلّلوا وقالوا “ألم نكن معكم”، وإن اخفقت أو انتكست نكصوا على أعقابهم وسلقوها بألسنة حِداد!
هؤلاء هم المنافقون..
وهؤلاء هم المُوضِعون الذين لا يزيدون المؤمنين والمقاومين إلّا خبالاً..
وهؤلاء من الذين قال عنهم الله تعالى لرسوله: “هم العدو فاحذرهم”..
وهؤلاء من الذين تسري عليهم الآيتان (72) و(73) من “سورة النساء”:
((وإنّ منكم لمَن ليُبطّئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيداً. ولئن أصابكم فضل من الله ليقولنّ كأنّ لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنتُ معهم فأفوز فوزاً عظيماً))!
نعم، عملية تفجير أجهزة الاتصالات “البيجر” و”اللاسلكيّة” التي اقترفها العدو الصهيونيّ (وأي تبعات وامتدادات لها) هي قطعاً عملية مُفجعة وكارثيّة بجميع المقاييس..
كارثيّة بسبب أعداد الشهداء والجرحى من أشقائنا الذين قضوا وأصيبوا جرّاء هذه الجريمة..
وكارثيّة في ضوء الخرق الأمنيّ الكبير الذي تمثّله..
وكارثيّة من حيث الدفع المعنويّ الذي أعطته للعدو وعصابة حربه وقطعان مستوطنيه ومجرميه ليتمادوا أكثر في غيّهم وغطرستهم وعنجعيتهم..
ولكن كما يقول الله عزّ وجلّ: ((..فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً))!
فمن ناحيةٍ أولى اضطرار العدو الصهيونيّ لحرق هذه الورقة واستخدامها مبكّراً حال دون استخدامه لها في ظرف أشدّ حرجاً وحساسيةً ووطأةً، كأن يقوم بتفجير البيجرات بينما تدور رحى مواجهة مفتوحة وواسعة ومباشرة على الأرض..
ومن ناحيةٍ ثانيةٍ هذه العملية أعادت بناء التضامن الوطنيّ في الداخل اللبنانيّ (ولو اضطراراً) حول المقاومة ضدّ العدو الصهيونيّ الجبان باعتباره خطراً وتهديداً مشتركاً..
ومن ناحيةٍ ثالثةٍ فقد كشفت العملية للمقاومة عن ثغرة كبيرة ووجه قصور بالغ لكي تقوم بالتعامل معه وتداركه وسدّه وتلافيه في المستقبل..
ومن ناحيةٍ رابعةٍ فقد أعطت الجريمةُ المقاومةَ ذريعةً لزيادة وطأة عملياتها العسكريّة كمّاً ونوعاً دون أن يستطيع أحد اتهامها بالتصعيد أو جرّ المنطقة لحرب شاملة (ما لم تكن هذه العملية أساساً توطئة لعدوان صهيونيّ على لبنان)..
ومن ناحيةٍ خامسةٍ عزّزت هذه الجريمة من صورة الكيان الصهيونيّ وعصابة حربه كمذعورين ويائسين ومستفلسين برغم هالة التفوّق الكاذبة وامتلاك تقنيّات فائقة و”إيد طايلة”..
وأهم من ذلك كلّه، فقد كشفت العملية عن معادن الناس وحقيقة مكنوناتهم، وبالأخص تلك الفئة الأحقر التي سبق الإشارة إليها، والتي لا يمكن اكتشافها وفضح أمرها إلّا بمثل هذه المواقف: الذين يؤيدون المقاومة على حرف!