من انهزم في غزة لن ينتصر في لبنان
كتب / عبد الباري عطوان
لا نجادل مطلقا بأن الاختراق السيبراني الإسرائيلي الذي استهدف منظومة الاتصال التابعة للمقاومة الإسلامية في لبنان (حزب الله)، وأدى الى ما يسمى بمجزرة “البيجر” التي راح ضحيتها 13 شهيدا، وأكثر من 2800 مصاب، كانت ضربة مؤلمة، عسكريا ومعنويا، ولكن النتائج الكارثية التي ستترتب عليها بالنسبة لدولة الاحتلال الإسرائيلي في جبهات القتال السبعة المفتوحة عليها قد تكون أكثر إيلاما وكارثية.
نتنياهو الذي اتخذ هذا القرار في محاولة يائسة من جانبه لترميم الردع الإسرائيلي المنهار، وإنجاز “انتصار” عسكري يرفع الروح المعنوية لجيشه ورأيه العام من شدة الهزائم التي لحقت بهم في قطاع غزة والضفة الغربية والجليل، وأخيرا بالضربة اليمنية الشجاعة القاصمة التي تمثلت في صاروخ “فلسطين 2” الفرط صوتي الذي وصل قبل أيام الى هدفه في قلب تل بيب، وقبلها المسيّرة الانقضاضية التي قطعت 2040 كيلومترا وانفجرت على بعد أمتار من السفارة الامريكية في قلب تل ابيب.
***
من فشل على مدى 11 شهرا في هزيمة حركة “حماس” وفصائل المقاومة الاخرى المحاصرة في قطاع غزة، وتكبد جيشه خسائر بشرية فادحة، وفقد هيبته، لا يمكن ان ينتصر على “حزب الله” الذي يملك ترسانة صواريخ دقيقة يزيد تعدادها عن 150 الفا، وشبكة أنفاق مساحتها أكبر من نصف حجم لبنان، وأكثر من مئة الف مقاتل لم يخوضوا حربا على جبهات المساندة الا وانتصروا فيها من جنوب لبنان، مرورا بالعراق المحتل، وانتهاء بسورية.
نتنياهو يعيش حالة من اليأس والانكسار، ويقامر على توسيع نطاق الحرب، وتوريط أمريكا فيها للخروج من أزماته وكيانه المتفاقمة، ولهذا لجأ الى هذا الهجوم السيبراني الاستعراضي كطوق نجاة، ربما تمهيدا لهجوم بري لإعادة احتلال لبنان، او جنوبه على الأقل، والقضاء على المقاومة على غرار مرحلة ما قبل هزيمة عام 2000 والانسحاب هروبا لتقليص الخسائر من شدة ضربات المقاومة بزعامة “حزب الله”، فقد راهن نتنياهو على ان “حزب الله” لا يريد توسيع الحرب، ولهذا لن تكون ردوده على استفزازات جيشه ضخمة ومدمرة، يستخدم فيها بعض، او كل، ما في حوزته من صواريخ دقيقة تستهدف المدن الكبرى مثل حيفا وعكا تل ابيب والقدس، علاوة على البنى التحتية الإسرائيلية مثل مراكز الماء والكهرباء والمطارات والموانئ.
بعد هذه المجزرة السيبرانية المؤلمة نعتقد ان معادلة ضبط النفس هذه التي يتسمك بها “حزب الله”، والاكتفاء باللجوء الى حرب الاستنزاف في الشمال الفلسطيني المحتل، ربما تبخرت، او تراجعت، بعد ان اتضح للحزب وقيادته ان استراتيجية ضبط النفس، والصبر الاستراتيجي أعطت نتائج عكسية، ودفعت نتنياهو الى التصعيد، والمزيد من الهجمات والاغتيالات الابتزازية.
الشيء نفسه نقوله عن التزام “حزب الله” وأذرع المقاومة الأخرى في غزة والضفة واليمن والعراق وسورية بقواعد الاشتباك الأخلاقية التي تحرم قتل المدنيين، والتركيز على الأهداف العسكرية فقط، فهذه الاخلاقيات العالية التي لم يلتزم بها العدو الإسرائيلي بالنظر الى حرب الإبادة التي يشنها في قطاع غزة، وانتقلت الآن الى لبنان، هذه الاخلاقيات وهذا الالتزام، لم يعد من المنطق الاستمرار في احترامهما من قبل المقاومة وأذرعها، وخاصة في غزة وجنوب لبنان، مثلما يقول الكثيرون.
نتنياهو أشعل فتيل الحرب الموسعة بمجازره في جنوب لبنان وبتنسيق كامل مع أمريكا التي توفر له الحماية، وعليهما تحمل تبعاتها كاملة، فقد طفح الكيل، وبات من الصعب التمسك بأخلاقيات وقواعد لا يحترمها الطرف الآخر.
***
أي هجوم بري او جوي موسع اسرائيلي على لبنان سيكون بداية النهاية لدولة الاحتلال، لأن الحرب الاقليمية التي ستترتب عليه ستطول، ولن تؤدي الى إعادة مستوطني الشمال الذين هربوا الى ملاذات آمنة في الوسط والجنوب، بل الى هروب اكثر من سبعة ملايين إسرائيلي الى أوروبا وامريكا وكندا وأستراليا، وعبر البحر لانه لن تكون هناك مطارات او طائرات يلجأون اليها للنجاة بجلدهم، تماما مثلما حدث لعملاء أمريكا في فيتنام وأفغانستان.
البيان الأول الصادر عن قيادة “حزب الله” بعد المجزرة السيبرانية، توعد بالقصاص من العدو الإسرائيلي، والانتقام لضحاياها ومعظمهم من المدنيين من انصار الحزب، وهناك توقعات حتى داخل “إسرائيل” نفسها بأنه لن يكون قصاصا مدروسا مثلما حدث كرد فعل انتقامي على هجمات سابقة، وما علينا الا انتظار خطاب سماحة السيد حسن نصر الله عصر الغد (الخميس) لنتعرف على طبيعة هذا الرد المتوقع والحتمي، فهو حامل كلمة السر وصاحب الكلمة النهائية، والمسألة مسألة ساعات، ولا نريد استباق الاحداث، والغرق في دوامة التكهنات، ولكن الأمر المؤكد اننا بتنا على أبواب انتصار كبير جدا، وتغيير جذري في منطقة الشرق الأوسط، وربما العالم.. والأيام بيننا.