دروس وعبر للأمن القومي العربي والإسلامي !
كتب / الدكتور بسام روبين
لا شك أن العمل الإستخباري الدفاعي من أهم مقومات الدول فهو يشير الى قوتها ومنعتها ويجنبها مخاطر الإستخبارات الهجومية المعادية سيما وأننا نعيش في منطقة ملتهبة ينشط فيها العمل الإستخباري المعادي وتحديدا إرهاب بعض الدول وما يدعم عمل الإستخبارات إزدحام العالم
العربي والإسلامي بمراكز المعلومات والدراسات الإستراتيجية التي تشكل رافدا معلوماتيا لأجهزة المخابرات فمن يمتلك المعلومة يمتلك القوة ولا قوة من غير معلومات ،وينبغي على هذه المراكز أن تهتم بنوعية الدروس المستفادة لتنتقي الأحداث الجارية الإستراتيجية وتحولها إلى مادة وطنية تعتمد كجزء من مناهجنا الدراسية في المدارس والجامعات بهدف تغذية أجيالنا العربية والإسلامية بما يخدم هذه الأمة بدلا من التغني بالمغنيين والممثلين الذين هدموا تاريخنا وحضارتنا.
وقد حملت الأيام الماضية فيضا من الدروس والعبر المفيدة للأمن القومي للدول وينبغي التركيز عليها والإستفادة منها ووضع سلسلة من الإجراءات القانونية والأمنية لتحصين أمننا القومي العربي والوطني من أي هبة ريح إرهابية لعدو محتمل فاقد للأخلاق ومتمرد على القانون وسأعرض لحضراتكم أهم هذه الدروس التي يمكن الإستفادة منها لجلب منافع لأمننا القومي الوطني والعربي والإسلامي ،وكما يلي:
الدرس الاول…سلاح الأنفاق وهو سلاح إستراتيجي تم إكتشافه وتطويره من قبل محور المقاومة حيث نجح في تحييد القوة الضاربة الجوية والصاروخية والمدرعة لقوات العدو وحلفائه ،فحرب 67 لم تصمد فيها الجيوش العربية سوى ستة أيام فقط ويعود ذلك كون القطعات والتجهيزات العسكرية بما فيها الطائرات والدبابات كانت مكشوفة فوق الأرض وإن توفرت التخفيه والتمويه فهي تقليديه ومحدودة التأثير ،لذلك كانت أهدافنا مرصوده للعدو وموضوعة على بنك أهدافه وجرى تحييدها كقوات وتجهيزات منذ الساعات الأولى للمعركة مع العدو إلى أن شرفنا طوفان الاقصى بحل يجنبنا التفوق الملموس للعدو الصهيوني مع إصرار أمريكا وبريطانيا وفرنسا على إستمرار هذا التفوق وحرمان هذه الأمة من إمتلاك السلاح اللازم ففرنسا هي من جهزت إسرائيل بالسلاح النووي بينما تمنع السعودية وإيران وتركيا ومصر من إمتلاك هذا السلاح علما بأنها دول محورية تمتلك القدرة والأحقية في إمتلاك هذا السلاح فطوفان الأقصى مشكورا كشف لنا هشاشة هذا العدو ،وأثبت لنا بأن سلاح الأنفاق بأنواعه الدفاعية والهجومية واللوجستية هو السلاح الإستراتيجي الأقوى في هذه المرحلة والكفيل بالتصدي لأعظم أنواع الأسلحة لذلك نرى إسرائيل مصابة بالجنون لعدم قدرتها من الوصول للمقاومين والأسرى الإسرائيليين فأخذت بقصف الشجر والحجر وقتل الأطفال والنساء لتأليب المجتمع الغزاوي المتماسك والملتف حول المقاومة وينبغي على جيوشنا العربية والإسلامية أن تلتقط هذا السلاح الحيوي الفعال و تبدأ ببنائه في المناطق الحدودية وحول الأهداف الحيوية وفي محيط المدن الإستراتيجية لإبطال مفعول قدرات العدو الهجومية وإستنزافه و الإنقضاض عليه لتكبيده خسائر فادحة تجبره على التقهقر والهزيمة.
الدرس الثاني… إن ما حصل من هجمات الحرب الإلكترونية الإرهابية التي شنها الموساد الإسرائيلي على الشعب اللبناني الشقيق وعلى مقاومته الباسلة ،وتسببت بآلاف الجرحى من المدنيين وإستشهاد العشرات منهم يؤكد لنا ان هذا العدو بإستهدافه للمدنيين إنه كيان فاقد لأبسط قواعد الأخلاق ولا يلتزم بالمواثيق والقوانين الدولية بل يتمرد عليها ويساعده ويقدم له الدعم السياسي والإستخباري والتسليحي مجموعه من الدول الغربيه فاقدة الأخلاق والإنسانية أيضا ،فلا أحد يعلم لحظة إصدار أمر تفجير البيجرات من كان يحمل هذه الأجهزة ومن يحيط بها من أطفال ونساء وأبرياء وقد كان لأمريكا دورا مباشرا في هذا الهجوم الإرهابي كما قيل رغم إنكارها كالعادة وعدم علمها بأي تفاصيل لهذه العملية الإستخبارية وفي الواقع ان عددا محتملا من أجهزة الإستخبارات الغربية قد تعاونوا لإنجاح الموساد في هذه العملية وإيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر بين صفوف قيادة المقاومة لردعهم وثنيهم عن مساندة المقاومة في غزة ولكن لطف الله وقدره خيب آمال الإرهابيين وخفف من المصاب رغم دقة العملية وعدم وجود مثيل إستخباري لها وكم تمنينا لأجهزة الإستخبارات العربية والإسلامية ان تستشعر بهذه العملية وتلتقطها قبل حدوثها لمنعها حفاظا على أرواح الشعب العربي والإسلامي ولتحصين الأمن القومي لهذه الدول . فالمكتب التجاري التابع لوزارة الخارجية الأمريكية وكما جاء في سياق الأخبار هو من منح موافقه لتايوان كي تعطي إمتياز التصنيع لشركة الموساد التي تم تأسيسها في هنغاريا وتسجيلها كشركة إستشارات عام ٢٠٢٢ حيث تم تصنيع الأجهزه داخل مصانع الموساد في إسرائيل وبمواصفات خاصه إرهابية مفخخة بالبرمجيات الإجرامية وبالمواد القابلة للإنفجار برسالة نصية مع تضليل وخداع الجهات التي تعاقدت لشراء هذه الأجهزه من خلال تعدد الشركات التابعة للموساد مما أوقع حزب الله في فخ إرهاب الموساد الصهيوني ضمن خطه إستخباراتية طويلة المدى شارك فيها ربما أكثر من جهاز إستخباري غربي كأمريكا وتايوان وهنغاريا وبعض الدول التي إستخدمت الضغط كما فعلت مع قضاة محكمة الجنايات وكان يفترض بالشركة التايوانيه ان تشرف على تصنيع هذه الأجهزة وأن تفحص عينات من تلك الأجهزة لأنها تحمل عنوان الشركة التايوانيه التي سهلت الخداع الإستراتيجي للطرف المشتري مما يفرض ويرتب على دولنا العربية والإسلامية واقعا جديدا للمحافظة على أمنها القومي وعلى حياة مواطنيها ويفضل أن تبدأ بسلسلة من الإجراءات القانونية والأمنية والتدابير الضروريه لتحصين أمنها القومي بمداخله ومخارجه وإغلاق الطريق على أي دولة معادية في المستقبل بحيث يتعذر على هذه الدول الإرهابية المساس بالأمن القومي الوطني والأمن القومي العربي والإسلامي وهنالك عدد من الإجراءات الواجب إتخاذها لتحصين الدول من الكوارث والهجمات المحتملة .
1.دراسة وتقييم كافة الاجهزه والمعدات الإلكترونيه والأسلحة التي تستخدم أي نوع من البرمجيات ومتصله بالعالم الخارجي لضمان خلوها من أية فيروسات أو إعتلالات أو متفجرات محتملة قد تمنح الأعداء عند اللزوم فرصة لتفعيل هذه الألغام الإرهابية المزروعة داخل الأجهزه والمعدات ،وكما فعلت تركيا وبعض الدول حيث قررت إلقاء هذه المنتجات الإسرائيلية في القمامة وإتلافها وبذلك تكون الحكومة الإسرائيليه وبهذه العملية الإرهابية وبنتائجها قد أطلقت النار على نفسها لأن العالم سيعزف عن التعامل مع إسرائيل بعد أن ظهرت حقيقته ككيان متخصص في قتل الأطفال والنساء والأبرياء ويتمرد على القانون الدولي وأؤكد على ضرورة قيام الدول بفحص الجدران النارية المتوفرة لدى قطاعاتها المختلفة مع وجوب التأكد من سلامة أنظمة الكوارث وعملها أثناء الطوارئ وتشكيل لجان أمنية للتأكد من هذا السياق.
2.مراقبة أعمال لجان الإستلام المنبثقة عن العطاءات ليكون الإستلام على الكتالوجات والواقع والإستعانة بلجان فنية لفحص محتوى هذه الأجهزة بإرسالها للمختبرات المختصة وتسمية شخص مؤهل من الأجهزة الأمنية ليكون عضوا إضافيا في هذه اللجان الكبرى كمندوب ديوان المحاسبة بحيث يجلس على طاولة هذه اللجان ويهتم بمسح الشركات المتقدمة للعطاء مسحا أمنيا دقيقا ويدرس الشركة الفائزة بالعطاء دراسة أمنية مستفيضه على أن يكون الأشخاص الأمنيين المعينيين لهذه الغاية مؤهلين وعلى قدر كبير من الوطنية والنزاهه بحيث يصعب إختراقهم أو إستدارجهم على ان يتم مسحهم أمنيا مرة كل ستة أشهر ووضعهم تحت المراقبة الالكترونية المناسبة فهنالك أجهزه إلكترونية لكشف المتفجرات والمخدرات عن بعد ويمكن تأسيس مختبرات ثابته لهذه الغايه وتجهيزها بهذه المعدات لفحص أي أجهزه وبرمجيات دقيقه قبل إستخدامها وتوريدها للمستودعات .
3.الإشراف الأمني على لجان المشتريات في العطاءات الكبرى مع مسح أمني لجميع الشركات المتقدمة للعطاءات وتأكيد المسح الأمني على الشركات الفائزه بالعطاءات ووضع الشركات المشبوهة ضمن القائمة الأمنية السوداء وتعميمها على لجان الشراء والتعاون مع أجهزة الإستخبارات العربية والإسلامية بإعطائهم هذه المعلومات وأخذ ما هو مفيد منهم
مع ضرورة البدء بتقنين كافة أشكال الإقتصاد الحر او المفتوح وبعض إتفاقات التجارة العالمية التي ضربت بعض القيود الأمنية وبعض الإقتصادات ومنحت أجهزة الإستخبارات العالمية مرونة في التحرك والإستحواذ على العطاءات الدولية بسجل تجاري يكلفهم قليلا من الدولارات اي اننا يجب ان نشهد نشاطا استخباريا موازيا لأعمال لجان المشتريات بحيث يتدخل في الوقت المناسب وبحسب تدفق المعلومات في مراحل العطاء المراقب مع ضرورة تضمين قرارات الإحالة الدولية نصوصا قانونية يصوغها محامون متخصصون في القانون الدولي لتحميل الشركه الفائزه بالعطاء كامل المسؤولية عن أي عيوب تصدر عن مواد العطاء في المستقبل .
4.عدم الوثوق بالشركات الغربية تحت أي مسمى بعد اليوم والنظر إليهم بعين الشك في كل ما يصدر عنهم ويبدو أن مخابرات العيون الخمس قد توسعت لتشمل إسرائيل ودولا غربيه أخرى وهذا أمر خطير يؤثر على الأمن القومي للدول العربية والإسلامية ويجب التعاطي معه على أعلى المستويات لإبطال مفعوله ومخططاته فالحرب القادمة قد تكون حرب إلكترونية وحرب إستخبارات .
5 . يجب ان نكون على يقين بأننا كعرب ومسلمين مستهدفين من القوى الغربيه مجتمعه لا لشيء إلا لأننا عرب ومسلمين وعلينا إعادة النظر ببناء علاقاتنا بهذه الدول المتطرفه والداعمة لإسرائيل رغم ما ترتكب من جرائم والإنتقال تدريجيا للمعسكر المضاد فكما ان تنويع الإقتصاد مفيد للدول ،فإن تنويع التكنولوجيا والغذاء والماء والخبرات مفيد ايضا ويخفف من مخاطر الأعمال الإستخبارية المعادية ولا يجوز وضع كامل بيض الدولة في سلة واحدة فالخيارات الدولية متعددة والآفاق مفتوحة وينبغي أن نضع الخطط اللازمة لحماية أمننا القومي والهرولة خلف مصالحنا القومية دون تردد ولا إستحياء من أحد ولا مجاملة لأي دولة مهما عظمت وبعيدا عن أية حسابات او إملاءات
6.إن ما قامت به إسرائيل من عملية إستخبارية إرهابية كان دقيقا وسهل من ذلك ضعف الإجراءات والتدابير الأمنية المتخذه لدى حزب الله ،مما يوجب على الأمة العربية والإسلامية طرح هذا الموضوع من أوسع أبوابه في أول قمة قادمة للزعماء العرب والمسلمين لإتخاذ قرارات إستراتيجيه تكفل تحصين الأمن القومي العربي والإسلامي وتنشيط التعاون الإستخباري بين هذه الدول على مبدأ الأعين الخمس فالإستخبارات الباكستانية كانت من أقوى الإستخبارات في العالم وأتمنى على هذه القمة إن عقدت وتم تداول هذا الموضوع ان تبعث برسالة تهديد لأي دولة يثبت تورطها في هذا النوع من الجرائم مستقبلا وأن تكون الدول العربية والإسلامية كوحدة واحدة في تبني ودعم هذه القرارات .
7.النقطة الأخيرة والملحة دراسة منظومات الدفاع الجوي والطائرات بأنواعها المقاتلة والمدنية للتأكد من صحة برمجياتها و خلوها من العيوب ومن عملها بشكل سليم وفقا لما هو مخطط لها وتنظيم شهادات خطيه من اللجان المختصه موقعه منهم حسب الأصول بحيث تتحمل اللجان المسؤوليات الكاملة عن أي عيب أو خلل يظهر مستقبلا فالمهددات وإرهاب الدول يتوسع وينبغي ان نكون له بالمرصاد بسلسلة من الإجراءات والتدابير الإحترازية والمهمة .
وأخيرا أطلب وأتمنى من الحكومات المختلفه الإطلاع ودراسة أفكار الحكومات المتطرفة وعلى رأسها حكومة نتنياهو لأن فهمها على حقيقتها يساعدنا في وضع الخطط لحجر وحجب هذه الحكومات وإذا كان لا بد فالتعامل معها ضمن نطاق ضيق وغير مؤثر على الأمن القومي وعلى حياة المواطنيين فمن فخخ أجهزة الإتصالات ليقتل الآلاف مرة واحدة لديه القدرة على تسميم المياه والغذاء وأي منتجات أخرى سيما وأن هنالك سموم لدى أجهزة الإستخبارات تعطي مفعولها بعد ثلاثة أشهر أو ستة أشهر من إستعمالها وبالتالي يتم إخفاء الجريمة ويصعب ربطها بالسبب الحقيقي للجريمة.
وأتمنى على الحكومات العربية والإسلامية بدء حصر المتصهينين داخل دولهم وتجميدهم ووضعهم تحت المراقبة فمعظمهم مشاريع جواسيس للغرب بلباس وطني مزيف وبذلك تنتهي نصف مشاكلنا ويبقى حل النصف الآخر مرتبط بحسن وسلامة وأمن الإجراءات المستقبلية.