هل ستنتقل المواجهة مع إسرائيل من وحدة الساحات إلى وحدة المصير؟
كتب / السفير الدكتور جواد الهنداوي
نحنُ امام جرائم لم تعرفها البشرية، لا في الزمن الغابر، ولا في وقت النازية، ارتكبها ويرتكبها الكيان المحُتل كل يوم و دون تمييز بين مقاتل وغيره، بين امرأة وطفل ومُسن، وغيرهم.
جرائم تنقلُ المنطقة، بل العالم، من وهم او خدعة ” امن واستقرار المنطقة ” إلى واقع او حقيقة ” خطر قتل الانسان في المنطقة وفي العالم، وفي ايّة لحظة “، لأنَّ في المنطقة وفي العالم وحشٌ، اسمه اسرائيل، أدمنَ على القتل بأبشع الوسائل والصور ومنذ عقود، ومدعوم أمريكياً وغربياً، ضمنوا له الإفلات من الحساب والعقاب، وجمّلوا صورته ” بالمتحضّر والديمقراطي “!
ينفضحُ امره و خطر وجوده يوماً بعد يوم،ما يقوم به ليس فنون قتال وحرب، وانما جنون اسوء مخلوق عرفته البشرية، وتجليات نفسٍ لم و لن تفرز سوى الفجور.
بجرائمه، التي لا تتوقف ولن تنتهي كماً ونوعاً، هو يُعّرفنا اكثر، ليس عن قدراته القتالية، و انما قدراته في الإجرام والغدر، الأمر الذي يدعونا للتساءل، نحن ابناء المنطقة:
هل يمكن التعايش بأمان و بسلام مع هذا الكيان؟
هل ممكن تطبيع هذا الكيان على بصمات الانسانية، والتي افتقدتها مّلته ( واقصد مّلة الصهيونية ) على مّرْ العصور؟
وبعد سلسلة الجرائم التي شهدناه في غزّة وفي الضفة، وفي لبنان عبر تفخيخ وسائل اتصال و ترفيه وتفجيرها، هل اليوم تشعر شعوب المنطقة بثقة و بأمان وهي بجوار كيان متوحًش وفاقد للإنسانية ؟
تساؤلات تقودنا إلى التفكير بحل، لا سيما والكيان لا يرضى بحل الدولتيّن،و لا يريد السلام، ويسعى للتوسع و الإجرام . فما الحل ؟
قاومَ لبنان و حرّرَ الجنوب و حقّقَ انتصارات وثبّت معادلة الردع، و رفضت غزّة ، الالتحاق بركب اتفاقيات اوسلوا عام 1993، و اختارت نهج المقاومة وصمدت، و مضت السلطة الفلسطينية في مشوار السلام مع الكيان المتوحش،فماذا كانت النتيجة ؟
كيان لم يحترم مَنْ مّدَ له يد السلام ( السلطة الفلسطينية)،ويسعى اليوم إلى تفريغ الضفة الغربية وتهجير الفلسطينين،و الاستغناء عن السلطة الفلسطينية،بوجوه اخرى،وبالتعاون مع امريكا و الغرب !
كيان لم يقاتل من يقاومه،وانما يجرم بحق الأطفال و النساء و المدنيين،ويغتصب، ويغدر،و يدمّر مقومات الحياة في غزّة و في لبنان !
لم يسلمْ من بطش و غدر وهمجية الكيان المتوحش،لا اولئك الذين مّدوا له يد السلام،وتعاونوا معه امنياً، و لا من شَهَرَ بوجهه سلاح ويقاوم احتلاله !
اننا ( نحن ابناء المنطقة ) امام وضع يستحق ان نفكّر فعلاً ” بوحدة المصير ” وليس فقط ” وحدة الساحات ” .
اعتقدُ ” ان استراتيجية ” وحدة الساحات ” لم تعدْ،بعد اليوم، كافية في مواجهة الكيان المتوحش .
الجميع دولاً وشعوباً في المنطقة، اولئك الذين لهم علاقة مع الكيان،والذين يقاومون الكيان،والذين ينتظرون او يحاولون،الجميع يرى بأنَّ قدرات و اطماع هذا الكيان ليست لها حدود . الجميع يستنتج بأنَّ اطماع هذا الكيان تمضي،لا وفقاً لسياسة و دبلوماسية و اعتبارات دولية و جغرافية الخ …، وانما وفقاً لقدراته التكنولوجية و العسكرية وجيناته العدوانية،و نفسه التي أُتخِمتْ بالفجور !
مرّةٌ اخرى، اطرحُ السؤال ما العمل؟
وحدة الساحات ام وحدة المصير؟
بصراحة،لم يكْ لنا ( نحن العرب ) ماضي سعيد او منتج مع شعار “وحدة المصير”، والذي سادَ في خمسينيات القرن الماضي وبتعريفه القومي . بقي شعار ولم يتحّول إلى استراتيجية عمل و مشروع،وحتى شعار هو في مسار الاندثار . وتتحمّل بعض الدول،وليس شعوبها،مسؤولية سوء توظيفه،و من ثّمَ سباته.
ولكن استراتيجية “وحدة الساحات” والتي ولدت حديثاً ومن رحم حركات المقاومة في المنطقة، و بمظّلة ايرانية، عربية، اسلامية،علمانيّة، لم تكْ شعار، و انما تُرجمت إلى مشروع عمل، بعد طوفان الأقصى و ما تلاها من معارك و حرب ابادة، وما جبهة الإسناد في لبنان واليمن و العراق سواء بالقتال او بالدعم الشعبي الاّ ترجمة لاستراتيجية ” وحدة الساحات ” .
ولكن،بعد جرائم ابادة و ضد الإنسانية أُخرى ارتكبها الكيان المُحتل في لبان في اليوميّن الماضيين، وما لها من ابعاد،في شتى المجالات و الابعاد،هل وجبَ على دول وشعوب المنطقة ( وليس فقط قوى و فصائل المقاومة ) الانتقال من وحدة الساحات إلى وحدة المصير ؟
وحدة المصير، وليس في البعد القومي فقط،و انما في البعد المناطقي ( كل دول المنطقة )، وفي البعد الإسلامي .
وهنا أعودُ إلى خطاب الرئيس اوردغان، و الذي القاه في 2024/9/7، بُعيد مفادرة الرئيس السيسي لتركيا عقب زيارته، والذي دعا إلى محور يضم مصر وسوريا و دول المنطقة لمواجهة الأطماع التوسعية للصهيونية المتمثلة بأسرائيل . ما قاله الرئيس التركي هو تعبير عن اداركه بضرورة مواجهة اسرائيل انطلاقاً من شعور و مسؤولية ” وحدة المصير ” . و اقتبس هنا مِنْ بعض ما وردَ في خطابه .
⁃ “يحدث في غزة ليس حرباً بين اسرائيل و فلسطين، بل صراع بين الصهيونية التوسعية و المسلمين الذين يدافعون عن بلادهم .
⁃ إسرائيل لن تتوقف في غزّة،بل ستحتل رام الله إذا استمرت بهذا الشكل،وستضع مناطق اخرى نصب عينيها إلى ان ي يأتي الدور إلى دول اخرى في المنطقة مثل لبنان و سورية .
⁃ سيطمعون في اراضي وطننا بين نهري دجلة و الفرات،ويعلنون صراحة من خلال الخرائط انهم لن يكتفوا في غزّة .
⁃ هذا ما يدفعني للقول ان حماس تقاوم باسم المسلمين،وتدافع ليس فقط عن غزة وانما عن بلاد المسلمين وعن تركيا ايضاً .
⁃ الخطوات التي سوف نتخذها في علاقاتنا مع مصر و سورية تهدف لتأسيس محور تضامن ضد التهديد التوسعي المتزايد .
⁃ الخطوة الوحيدة التي توقف الغطرسة و البلطجةو ارهاب الدولة الاسرائيلي هي تحالف الدول الإسلامية .، المنطقة دولاً وشعوباً،وليس فقط فصائل مقاومة، تشترك امام هذا الكيان المتوحش بمصير واحد،قومياً و ثقافياً و اسلامياً .لبنان الأغر يواجه،من شماله إلى جنوبه،مصير واحد،في استقلاله و كرامته و أمنه . حان الوقت لنتحدث ونعمل،نحن ابناء وشعوب و دول المنطقة وفقاً لاستراتيجية وحدة المصير، في إطارها الوطني و القومي و المناطقي و الإسلامي .خطر الكيان المتوحش و أساليبه الشيطانية تهدّد الجميع،تهدّد العالم بأمنه،بأقتصاده،بقيمه،بوجوده .