نحو تحقيق العدالة والأهلية للقبول في الجامعات
كتب / د. باسل عباس خضير …
التعليم العالي قطاع مهم في كل البلدان ويتم التعويل عليه في توفير ما يحتاجه المجتمع من موارد بشرية متخصصة ومهيأة للعمل والابتكار في كل القطاعات ، وفي التجارب العالمية هناك العديد من الطرق والأساليب والمعايير التي توضع لاختيار الطلبة للدراسة الجامعية الأولية ، ورغم إن جامعاتنا تقبل عشرات الآلاف في قنواتها المختلفة إلا أنها تسير على ذات ألتهج المعتمد منذ عقود ، فالمعدل هو المعيار لتوزيع الطلبة على المعاهد والكليات والأقسام عدا بعض الاستثناءات لبعض الكليات التي تعتمد الموهبة والانجاز وغيرها من العوامل ( التربية البدنية ، الفنون الجميلة والتطبيقية ) ، ورغم تغير الحكومات و الوزراء الذين تولوا مسؤولية وزارة التعليم في البلاد منذ الملكية لحد اليوم ، إلا إن الأسلوب ذاته يسري في القبول فالمعدل هو سيد الاختيار ، وكثيرون يعتقدون انه الأفضل لحماية حقوق أبنائهم في الانتساب للجامعات وهناك من يقولون إن تغييره سيكون قابلا للاختراق وتتدخل فيه الواسطات و الحزبية وغيرها من الاحتمالات ، ورغم إن ذلك التحفظ فيه نوع من المعقولية إلا إن المتمسكين به يتناسون حقيقة إن واحدة من أسرار ( عيوب ) بلدنا في التعليم هو قيام الجامعات بقبول وتخريج الطلبة على أساس المعدل لا غير ، فهناك نسبة كبيرة من المقبولين في كل عام لا يتحقق لهم الرضا ( Satisfaction ) عن القبول و انخفاض درجة الرضا او انعدامه ( لبعض الحالات ) لا تنعكس آثاره على نتائج دراسة الطالب في الدبلوم والبكالوريوس وإنما تمتد لما بعد التخرج من حيث ضعف الأداء او العزوف عن ممارسة الأعمال والاتجاه لأعمال تغاير ما حصلوا عليه من تعليم ، فالأداء هو عبارة عن محصلة او دالة ( Function ) لحاصل ضرب الرغبة ( Desire ) والمقدرة ( Ability ) وتلك ليست نظرية نكتشفها اليوم وإنما حقيقية متاحة للجميع منذ عشرات السنين ، ورغم إننا لا نمتلك إحصائية يمكن التعويل عليها في قياس درجة رضا المقبولين عن التخصص الذي تم القبول فيه في الجامعات ، إلا انه من الممكن القول إن هناك نسبة مهمة من عدم او ضعف الرضا او ( القناعة ) في نتائج القبول ، ولا يستثنى هذا ( الاعمار ) أي تخصص بما فيها التخصصات الطبية التي باتت الأمنية العليا للكثير ، فليس كل مقبول في التخصصات على قناعة بأنه سيكون في المكان او التخصص الذي يرغبه لان رغبة الأهل في كثير من الحالات تطغي على رغبة الطالب من باب إبداء الحرص او الإملاء عليهم تحت مسوغ ضمان مستقبل الأبناء وتلك الحالات موجودة منذ زمان ولا تزال سارية حتى اليوم وان انخفضت حدتها عن قبل ، والأجيال ( السابقة ) كانت أكثر مرونة للأبناء في الاختيار و لدينا شواهد وأمثلة عن توجه أصحاب المعدلات التي تقبل في الطبية نحو الهندسة او الرياضة او القانون او غيرها من التخصصات ، وليس سرا إذ نقول إن السبب الذي زاد الزحام على بعض التخصصات هو التعيين المركزي المضمون للطبيات والعمل المهني فيها في القطاعين والخاص الذي يضمن حدا ( مغريا ) من المدخولات .
ومسؤولية ما ذكرناه يقع عاتق عدة جهات : أولها المدرسة بمراحلها المختلفة لأنها لا تهتم بشكل مطلوب التوجيه المهني Carrere guidance الذي يقوم على أساس اكتشاف المواهب والقدرات وتنميتها بشكل تدريجي وتعريف الطلبة بالمهن الموجودة في المجتمع من حيث ما تتضمنه من محتويات وما تقدمه من خدمات لكي تنمو عنده رغبة الاختيار عاما بعد عام ، كما يتحمل المجتمع جزءا مهما من المسؤولية لان بعض العوائل تصر على أن تملي على أبنائهم ما يريدونه هم وليس ما يريده الابن ( البنت ) بما يشعرون به من رغبات ، كما تتحمل الحكومات مسؤولية تفضيل مهن محددة على غيرها في التعيين المركزي وكأن التخصصات الأخرى ليست لها أسبقية في تلبية حاجة المجتمع بالعموم ، ويأتي قطاع التعليم العالي ليضيف الزيت على تلك الأخطاء فيجبر الطالب على القبول في الجامعة او الكلية او المعهد الذي تظهره نتائج القبول المركزي على أساس المعدلات وتتبعها طامة أخرى عندما تكون أسس الاختيار للقسم في الكلية والمعهد على ذات المعيار ( المعدلات ) ، وان تصحيح الوضع الحالي للقبول ليكون على أساس العوامل التي ذكرت أعلاه يحتاج إلى تغيير في المناهج والمقررات بالمراحل الدراسية في التربية كما يحتاج لتوعية المجتمع بضرورة وأهمية تشجيع أبنائهم لاختيار القناة التي تناسبهم ويرغبون بها ليكونوا سعداء فيما سيدرسون وما سيعملون به بعد التخرج من معارف ومهارات ، وتصحيح وضع القبول صعبا ويحتاج إلى منهجية وإستراتيجية وطنية بهذا الخصوص ، ولحين بلوغ ما هو مطلوب فان وزارة التعليم العالي بإمكانها أن تصحح ( تغير ) جزءا مما هو موجود ، وذلك بإدخال الامتحان التنافسي للقبول في التخصصات للكليات والمعاهد في مرحلتي الدبلوم والبكالوريوس ، ويقوم هذا الاختبار على تخصيص نسبة من الدرجة التي حصل عليها الطالب في الامتحانات العامة للدراسية والنسبة الأخرى لنتيجة الطالب في الامتحان التنافسي ثم الجمع بين الاثنين ودخول المنافسة في القبول ، وهي ممارسة معمول بها منذ عدة سنين في الكثير من دول العالم والمنطقة ، و بلدنا حاول ولوجها في فترة وزير التعليم العالي الاسبق الدكتور حسين الشهرستاني حيث تم طرحها كأسلوب ولكن لم يتم الاستمرار بها لأنها أعدت على عجالة وواجهت ممانعة ونقد البعض ، علما إن هذه الطريقة تعمل بها وزارة التربية في قبول الطلبة المتميزين والمتفوقين في مدارسها ، كما إنها طريقة مستخدمة في التعليم العالي عند القبول في الدراسات العليا وهي طريقة أثبتت في اختيار المقبولين عندما تم وضع شرط النجاح في الامتحان التنافسي كأساس لاعتماد درجات المفاضلة والتنافس ، كما إن التعليم العالي تمارس تطبيق الامتحان التقويمي لعينة من الدروس والتخصصات وهي طريقة هدفها تحديد من يستحق الانتقال للمرحلة التالية ، ويتوقع أن تكون هناك نتائج ايجابية مهمة عند العمل بالاختبارات التنافسية للقبول في الجامعات حتى وان واجهت تحديات متوقعة من مقاومة التغيير ، أولها إثبات أهلية واستحقاق الطالب فيما حصل عليه من معدل في البكالوريا بما يزيل كل الظنون ، وثانيها الحد من حالات الغش وتسريب الأسئلة وغيرها مما يشاع وجوده هنا او هناك ، وثالثها أن الجامعة ستقبل من تريد على وفق مقاساتها ومعاييرها وليس ما يفرض عليها من القبول المركزي ، ورابعها إن الطالب سيضمن دعم العائلة ليكون هو من يختار لأنه سينافس على ما يناسبه ويمتلك إجابات عن لماذا وكيف ، وخامسها إلغاء تقليل الفجوة بين التعليم الحكومي والأهلي فالاختبار يجب أن يشمل الكل والجامعات هي من تحدد المتطلبات وعلى ضوء النتائج يتم إشغال المقاعد الدراسية المتاحة في كل عام ، وليس بالضرورة قبول كل من يتخرج من الإعدادية في الجامعات فالدراسة بالجامعة لمن يستحق من حيث حسن الاختيار وعدالة التنافس بما يحقق رضاه والمنفعة للمجتمع فيما بعد ، ويمكن لمن يعنيهم الأمر وممن لهم تجارب خارجية أن يثروا بما ورد في هذه السطور ليرى النور فهو وان كان صعبا بعض الشيء إلا انه ليس مستحيل التطبيق ، ونشير لملاحظة مهمة وهي إن توجه البعض لدراسة عكس ما يتمناه هو من ينشا ويضاعف حجم البطالة في العراق ، فالبعض منها من ( البطارة ) والدليل إن هناك أكثر من مليونين من العاملين الوافدين يعملون في العراق لأنهم يقبلون بما يسند إليهم من أعمال ، وبالعدد نفسه او أكثر او اقل يكون البعض من العاطلين بانتظار الفرص والتعيينات ، ومن المؤكد إن الدولة بوضعها الحالي ( او القادم ) سوف لا تكون قادرة على استيعاب مزيدا من الموظفين ( العسكريين والمدنيين ) لأسباب عديدة ليست غائبة عن الكثير وليس المجال لذكرها الآن .