ليلى وسيمبسون والجامعة العربية والطوفان!
كتب / أحمد الحاج جود الخير
تمر علينا اليوم الذكرى السنوية الأولى لعملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر / 2023 حيث ارتكب العدو الصهيوني الغاشم بقيادة حكومة النتن ياهو اليمينية الفاشية المتطرفة خلالها مئات المجازر الوحشية،وعمليات الإبادة العرقية الجماعية علاوة على سياسة الإفقار والتعطيش والتجويع والترويع والتهجير المتعمد، وبحسب نادي الأسير الفلسطيني فقد تم خلال تلك الفترة اعتقال أكثر من 1000طفل فلسطيني و 450 امرأة بينهن طالبات وصحفيات توزعوا بين معتقلات عوفر ومجدو والدامون و هشارون ليعيشوا ظروفا غاية في الوحشية واللا إنسانية والقسوة .
بدوره أصدر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان تقريرا بالمناسبة بعنوان ” محو غزة ” كشف خلاله عن أن أكثر من 42 ألفا قد استشهدوا في قطاع غزة مقابل 100 ألف جريح معظمهم من النساء والاطفال والشيوخ والمدنيين العزل ، فيما لايزال 8 آلاف شخص على الأقل في عداد المفقودين تحت الأنقاض حتى الآن ولم يتم استخراجهم بعد ، في ذات الوقت الذي نزح فيه ما لا يقل عن مليوني شخص وبما يعادل 90% من سكان القطاع المحاصر !
وبحسب الامم المتحدة فإن ما يقرب من 577 مدرسة قد دمرت جزئيا أو كليا بالتزامن مع استشهاد 9217 طالبا وطالبة ،ونحو 397 معلما ومعلمة ، مقابل إصابة 14237 طالبا وطالبة و 2246 معلما ومعلمة ، مقابل حرمان 625 ألف تلميذ في سن الدراسة من عام دراسي كامل بحسب منظمة اليونيسف، بينما استشهد وللفترة ذاتها نحو 100أستاذ جامعي مشفوعا بتدمير العديد من الجامعات بحسب المكتب الإعلامي الحكومي الفلسطيني ، ولم يكتف الصهاينة الفاشيون الأنجاس باستهداف المدارس الفارغة وإنما سدروا في غيهم،وأمعنوا في إجرامهم ليقصفوا بالقنابل الامريكية الثقيلة والذخائر المحرمة دوليا حتى المدارس التي تحولت الى مراكز لإيواء النازحين لتكشف لنا الأمم المتحدة – التي تجعجع وتجتمع وتصدر بيانات تلو أخرى لا يلتزم بتطبيقها الكيان بوجود السلاح والدعم اللامتناهي والفيتو الامريكي – في تقريرها الأخير بأن 66 % من مباني غزة قد تضررت بما في ذلك أكثر من 227 ألف وحدة سكنية ، زيادة على تدمير ما يقرب من 70 % من البنى التحتية المتمثلة بشبكات الكهرباء وقنوات الصرف الصحي ومحطات المياه الصالحة للشرب في عامة القطاع ما أسفر عن انتشار الأمراض المعوية والجلدية والمُعدية في ذات الوقت الذي دمر فيه العدوان الآثم 23 مستشفى من أصل 38 في غزة ما أسفر عن استشهاد 986 من العاملين في القطاع الصحي وتدمير 130 سيارة اسعاف !
حتى دور العبادة لم تسلم من جرائم الصهاينة فبحسب وزارة الاوقاف الفلسطينية فقد سوى العدوان (814 ) مسجداً بالأرض فيما ألحق اضرارا جسيمة بـ 148 مسجدا بل و قصف عددا من المساجد والمصليات أثناء اقامة الصلاة داخلها تماما كما حدث في مصلى مدرسة التابعين في غزة ، زيادة على تدمير ثلاث كنائس واستهداف 19 مقبرة عمد الكيان الغاصب الى نبش العديد منها واخراج الاف الجثامين ونقلها الى أماكن مجهولة لترسل العشرات منها ولاسيما جثامين الشباب حديثة الوفاة الى المشارح ومراكز استخراج وبيع الأعضاء البشرية التي يشتهر بها الكيان اللقيط لتدفن – بعد تفصيخها –في ما يعرف بـ مقابر الأرقام !
الحقيقة وفي خضم تلكم المأساة المفجعة التي سيخلدها التاريخ لم أجد وصفا يليق بالصمت المريب لآلاف المثقفين والمفكرين والأدباء والكتاب والإعلاميين العرب ممن لم يكتبوا حرفا واحدا ولم ينبسوا ببنت شفة طيلة 365 يوما من الحرب الفاشية على غزة والضفة الغربية ، فضلا على صمت جامعة الدول العربية المطبق على الحرب الدموية وما أعقبها من عدوان آثم على لبنان، برغم أن هذه الجامعة وهي مجرد حبر على ورق تضم 22 دولة،ربما لأنها قد تأسست رسميا عام 1945 بمقترح ودعوة كان قد أطلقها سياسي أجنبي وليس عربيا ألا وهو وزير الخارجية البريطاني الأسبق أنتونى إيدن ،عام 1941 بدعم من فرنسا لا حبا بالعرب قطعا ،وإنما لتفويت الفرصة على كل من دول المحور”ألمانيا وإيطاليا” للتوغل والتغول داخل المنطقة العربية التي يحلم بسرقة خيراتها ، و يخطط لنهب ثرواتها الحلفاء !
أقول لم أجد وصفا يليق بصمت جامعة الدول العربية العجيب والغريب في ظل ظروف انسانية كارثية معقدة ومتشابكة للغاية، وبكنف أحداث جسام مرعبة وغير تقليدية بالمرة كتلك التي يعيشها العالم عامة، والمنطقة العربية خاصة ، سوى المثل البغدادي الشهير”نايم يا شليف الصوف …نايم والبعورة تحوف” فهذه الجامعة والتي وعلى ما يبدو باتت تجد صعوبة بالغة حتى في عقد قمة طارئة ولو شكليا ، ولو للشخير الجماعي ، ولو لتبادل الأحضان والقبلات ، ولو لالتقاط السيلفيات والصور ، ولو لأكل المشوي والمحشي على هامشها، ولو لمناقشة آخر التطورات التي تهدد أمن وسلم المنطقة والعالم برمته، تصوروا بأن ايمانويل ماكرون ، زوج الشمطاء المعروف بمواقفه المعادية للعرب قد نطق أخيرا مطالبا بوقف مد الكيان بالسلاح، بينما الجامعة العربية لم تنبس ببنت شفة بعد ، وحقا ماقاله أبو المثل قديما ” لو كان بالبومة خير …ماعافها الصياد”!
قبل سنين خلت كانت الصحف ووكالات الانباء تحاول اثارة الرأي العام العالمي بزعم توقع الاحداث الكبرى من قبل المنجم الفرنسي نوستراداموس في كتابه ” النبوءات ” كذلك الحال مع العرافة البلغارية العمياء “بابا فانغا” ، علما بأن الأولى أكذوبة صنعتها المخابرات الفرنسية المعروفة بـ دي آر أم أما الثانية فخدعة من صناعة المخابرات السوفيتية المعروف بـ الكي جي بي وبامتياز، أما اليوم وبعد أن ملت البشرية من الأكذوبتين وبعد أن أخفق ابو علي الشيباني بطلته الكالحة ومعلمه المجهول والذي لايفتأ يذكره في كل شاردة وواردة ، وعلى خلفية لعبه باللغة العربية فضلا على عقول المشاهدين ” طوبة ” فقد صار لزاما ومع كل حدث عالمي أو اقليمي كبير على خلفية معاناة الجماهير العربية من الإحباط العام والاكتئاب الشديد والغضب العارم والقلق المستبد والخوف من المستقبل، أن تنتشر على مواقع التواصل شائعة تفيد بأن هذا الحدث سبق وأن تنبأت به العرافة اللبنانية ليلى عبد اللطيف، وذلك قلبل وقوع الحدث بشهور طويلة من خلال بوستاتها أو تغريداتها أو لقاءاتها التلفزيونية ليتبعها فورا مقطع مسلسل عائلة سيمبسون الكارتوني بزعم أن واحدة من حلقات هذا المسلسل الـ 500 المعروضة في 27 جزءا طيلة سنين منذ عام 1989 للرسام الاميركي مات غرينينغ ،بدورها قد تنبأت بالحادث وهكذا دواليك ولاسيما في الأربعة أعوام الماضية وتحديدا منذ ظهور وباء كورونا، ولكن وبنظرة فاحصة ومتأنية لإماطة اللثام عن الحقيقة الغائبة والمغيبة في آن سرعان ما تكتشف بأن لا ليلى عبد اللطيف ولا مسلسل سيمبسون قد تناولا تلكم الحادثة لا من بعيد ولا من قريب بقدر ما هي جملة من التوقعات المعتادة المبنية إما على تشابه أحداث ووقائع تارة ، وإما على استقراء الماضي و استجلاء الحاضر واستشرف المستقبل تارة أخرى وتقديمها كمادة دسمة مطبوخة ومسلفنة وجاهزة الى البوق المسمى ” ليلى” من قبل أجهزة المخابرات التي تتعامل معها لتذيعها وتنشرها وتسوقها بين الناس على أنها تنجيم وتنبؤات وما هي في حقيقتها سوى توقعات ومعلومات أو استشرافات وبما يشبه ملخصات معاهد الدراسات الستراتيجية وتوصياتها في ختام مؤتمراتها واجتمعاتها ومعلوم بأن هذه المعاهد لا تتنبأ وإنما تتوقع وتستشرف وشتان ما بين تنبؤ واستشراف، وإما بناء على سيناريوهات سبق وأن طرحها كتاب أفلام الخيال العلمي والأفلام البوليسية والرعب والأكشن والمخابرات والجواسيس وأشهرها قصة العميل 007 المعروف بجيمس بوند ،علاوة على الخيال الخصب لمعد وكاتب حلقات أفلام كارتون سيمبسون وهو شخص معروف بماسونيته ، وبأنه أحد الأعضاء البارزين في ما يسمى بمنظمة “البنائين الأحرار” ليتلقفها الساسة من بعده فيقتبسوا ما يناسبهم من حلقاتها تماما كما فعل الجم ..هوري ترامب ، ومن ثم منافسته الدم ..قراطية أم ضحكة هستيرية جنان كامالا هاريس ، حيث ارتدت خلال مناظرتها الأولى والأخيرة أمام غريمها ترامب نفس الفستان البنفسجي ، وذات القرط اللؤلؤي الأبيض وسبق وأن ظهرا في واحدة من حلقات المسلسل السالفة لتدويخ جماجم الناخبين والمهتمين والمنافسين على سواء ولكن من دون- جق اصبعتين للصبح ، ولا شرب حليب سباع – فيما يطبل غيرهم من الساسة والفنانين والمشاهير لحلقاته طويلا أو يحولونها الى وقائع معاشة بعد انتقاء ما يرونه مناسبا من حلقاته طمعا بمزيد من الإثارة والإعجاب والمتابعة بعد أن كانت مجرد أوهام وخيالات خصبة لكاتب أفلام كارتون فقط لا غير !
وختاما على جامعة الدول العربية أن تتحرك فورا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ،واستدراك ما يمكن تداركه قبل فوات الأوان،فما لا يُدرك كله ،لا يترك جله وما بعد الإدراك سوى الاستدراك كما يقول علماء الأصول ،وعلى الكتاب والمثقفين والإعلاميين والأكاديميين والأدباء والفنانين العرب نظم القصائد وكتابة المقالات والأعمدة الصحفية والقصص القصيرة والروايات والمسرحيات والمسلسلات والمدونات واصدار الكتب والمؤلفات وانتاج البرامج الدرامية ، واعداد التقارير الوثائقية وتلحين وأداء الأناشيد الحماسية والوطنية لرص الصفوف ورفع الهمم من جهة، ولفضح الكيان الصهيوني وجرائمه النكراء الغاشمة من جهة أخرى ،
إذ لم نسمع حتى الأن أنشودة واحدة بمستوى أنشودة”الله أكبر فوق كيد المعتدي” للشاعر عبد الله شمس الدين، كتبها عام 1956 أثناء العدوان الثلاثي على مصر ولحنها محمود الشريف ..لم نسمع وبعد عام من العدوان الغاشم أنشودة حماسية نحو”دع سمائي فسمائي محرقـة، دع قنالي فمياهي مغرقة”من كلمات الشاعر محمد كمال،وألحان الموسيقار على إسماعيل،وأداء فايدة كامل..لم نسمع بأنشودة تناظر أنشودة”سيف فليشهر الآن الآن وليس غداً” من كلمات الشاعر سعيد عقل ،وألحان الأخوين رحباني ،وأداء فيروز عام 1967..لم نسمع بأنشودة تنافس أنشودة”فدائي يا أرضي يا أرض الجدود”من كلمات الشاعر الفلسطيني سعيد المزين ،وألحان علي إسماعيل عام 1965، ما بالنا ، ماذا دهانا،ألهذا الحد عقمت مواهبنا، وجدبت قريحة شعرائنا،وخبت نيران حماستنا،وخمد لهيب عزتنا،وانطفت شعلة كرامتنا ؟!
وعلى الجميع الكف عن التسويق والترويح لأكاذيب البوق المخابراتي المزعج والمشبوه جدا ليلى عبد اللطيف،كذلك للكارتون الأسخف”عائلة سيمبسون” وكفاكم تسطيحا لمآسينا، ورقصا على جراحاتنا ولاتكونوا كبني صهيون وأميركا صفا واحدا ،وعونا علينا .