بين عنجهية الاحتلال وتواطؤ المطبّعين
كتب / جاسم الحلفي
يلعب الفكر السياسي التطبيعي دورا مضللا خطيرا، بتحميله الشعب الفلسطيني مسؤولية الأحداث المتفجرة مثل “طوفان الأقصى”، متجاهلا بوضوح جذور الصراع وتعقيداته. ويغض هذا الفكر الطرف عن السياسات الإسرائيلية العنصرية والاحتلالية، التي أغرقت المنطقة في دوامة لا تنتهي من العنف والقمع. وهو لا يفعل سوى السعي لتبرير فاشية إسرائيل، وإلقاء اللوم على الضحية بدلا من المعتدي، غاظّا النظر عن حقيقة أن إسرائيل لم تترك أي مجال للحلول السياسية، بل وعمدت إلى إفراغها من مضامينها عبر الاستمرار في بناء المستوطنات وفرض الأمر الواقع بالقوة.
ولم يكن “طوفان الأقصى” سوى رد فعل شعبي فلسطيني على سياسات إسرائيل الاستيطانية الاحتلالية. بينما تجاوزت إسرائيل كل الحدود، مستغلةً صمت المجتمع الدولي وتواطؤ الأنظمة المطبّعة، التي وجدت نفسها في مأزق سياسي وأخلاقي.
وكان أحد أبرز أهداف “طوفان الأقصى” قطع الطريق على مشروع التطبيع مع السعودية الذي كان يُعَدّ له بدأب ومثابرة، بعد ان تبيّن ان هذا التطبيع لم يجلب سلاما للشعب الفلسطيني، بل زاد من محنته ومعاناته ومن تعقيد المشهد، وأضعف فرص التوصل إلى حلول سلمية.
فلم تلتزم إسرائيل باتفاقيات أوسلو التي شكلت محاولة لتحقيق تسوية سياسية، وأفرغت هذه الاتفاقيات من محتواها عبر الاستمرار في توسيع المستوطنات، وتحويل السلطة الفلسطينية إلى كيان فاقد الفاعلية. فيما السلطة التي كان مفترضا أن تكون نواة لدولة فلسطينية، أصبحت كيانا هامشيا أشبه بـ”خيال المآتة”، بلا دور ولا تأثير حقيقي على مسار القضية.
ويتجاهل المدافعون عن التطبيع الواقع القاسي على الأرض. فإسرائيل ليست جادة في إقامة سلام حقيقي، وقد أظهرت من خلال سياساتها الاستيطانية والعدوانية أنها لا تكترث للمبادرات الدولية أو للحلول الدبلوماسية. ولم يشكل التطبيع إلا غطاءً لاستمرار الاحتلال، عوض ان يكون خطوة نحو إنهاء النزاع أو لتحقيق العدالة.
من جهة أخرى ورغم التفوق العسكري الإسرائيلي والدعم التكنولوجي الأمريكي والغربي الهائل، فإن الشعب الفلسطيني يرفض الاستسلام. والإرادة الفلسطينية لم تنكسر أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية. بل إن المقاومة تزداد صلابة مع كل عدوان جديد. والتكنولوجيا مهما بلغ تقدمها، لا يمكنها أن تمحو حقوق الشعوب أو ان تفرض الاستسلام بالقوة. فالشعوب التي تناضل من أجل حقوقها وكرامتها لا يمكن هزيمتها بسهولة، حتى باستخدام أقوى وسائل القمع.
وعلى الرغم من كل تفوقها العسكري، لم تحقق إسرائيل أي انتصار سياسي حقيقي. لكن الحرب لم تضع أوزارها بعد، بل ان ساحة المعركة اتسعت وشملت جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لعاصمته.
وتستمر الاعتداءات الإسرائيلية فيما تتزايد الخسائر على الجانب الإسرائيلي، سواء البشرية أو الاقتصادية. ويعاني المجتمع الإسرائيلي من اضطرابات داخلية متزايدة، وبدأت الكلفة الاقتصادية للحرب التي تجاوزت 53 مليار دولار، تثقل كاهل الاقتصاد الإسرائيلي، ما يثبت أن التفوق العسكري لا يحقق دائمًا الأهداف السياسية.
المعركة لم تنتهِ بعد، وكلفها السياسية ستحسب بعد انجلاء دخان المعارك، والشعب الفلسطيني متمسك هو الآخر بحقوقه، يسانده الخيرون في العالم ويدعمه المقاومون اللبنانيون البواسل. ويبقى طريق النضال طريق الأحرار، والشعوب التي تناضل من أجل حقوقها وكرامتها لن تستسلم، مهما بلغت قوة آلة القمع ومهما كان العدو متفوقا عسكريا.