أمريكا تَصنَع والكيان يَبلَع والشعوب تموت وتُفجَع
كتب / احمد الحاج جود الخير
إذا كان بيتك من زجاج فلا ترم الناس بالحجارة، حكمة تعلمناها وحفظناها عن ظهر قلب منذ الصغر، وللسيد المسيح عليه السلام موعظة رائعة بهذا المضمون يقول فيها”من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر” فما بال أم – الشر – ريكا وهي تزبد وترعد،تهدد وتتوعد،منذ أن تناقلت وسائل الإعلام أخبارا غير مؤكدة تفيد بأن موسكو تستثمر حرية”تاجر الموت”الروسي فيكتور بوت،حاليا لتوريد أسلحة الى اليمن، ومعلوم بأن بوت الذي أطلق سراحه من السجون الامريكية مؤخرا بصفقة تبادل مع الروس مقابل اطلاق سراح نجمة كرة السلة الأميركية بريتني غرينر ،المعتقلة في روسيا ليسَ أولَ تُجارِ السلاحِ ولن يكونَ آخرهم، وقد تناول سيرةَ تاجرِ السلاحٍ الدولي الذي شغل العالم طويلا فيلم شهير من بطولة نيكولاس كيدج ، بعنوان Lord of War انتاج عام 2005 ، فيما استعرض سيرته كتاب ذائع الصيت بعنوان” بائع الموت” .
نعم لو كانت أمريكا راعية الوئام والسلام أو محط الثقة والاحترام حول العالم فيحق لها حينئذ أن تستنكر تجارة السلاح دوليا ولاسيما على يد شخص سبق وأن حكمت عليه بـالسجن 25 عاما في ولاية إلينوي بتهمة بيع أسلحة الى ثوار كولومبيا وتهديد أمن وسلامة مواطنين امريكيين، مع أن بوت متهم بالاستيلاء على مخازن أسلحةِ الاتحاد السوفيتي السابق وحلفِ وارسو والعمل على بيعها ونقلها عبر أسطوله الجوي إلى مناطقِ النزاعٍ في أفغانستان وليبيريا وسيراليون وقد عمل مع الجيش الأميركي عام 2004 لينقل لهم أسلحة أعقبت الغزو الامريكي الغاشم للعراق عام 2003 !
ولكن أن تشحن الولايات المتحدة الى الكيان اللقيط ما يزيد على 50 ألف طن من الأسلحة المختلفة والمعدات العسكرية الحديثة بحرا عبر 107 سفن، وجوا من خلال 500 طائرة نقل أبرزها طائرات من طراز C-17 وبمعدل شحنتين ضختمين يوميا منذ اندلاع طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر / 2023 وحتى كتابة السطور برغم بحار الدماء المسالة ، وحجم الدمار الهائل ، ومناظر الاشلاء الممزقة التي تمخضت عن استخدامها، فهذا حقا ما يدعو الى الدهشة والسخرية والاستهجان في آن ، وإذا ما قورنت شحنات أسلحة فيكتور بوت ،المفترضة الى اليمن والتي تشمل مضادات أرض- جو، ومنظومة كورنيت المضادة للدروع، ورشاشات كلاشينكوف، اضافة الى ذخائر وأسلحة خفيفة بترسانات أمريكا الهائلة التي تضم وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال، قنابل مدفعية وأخرى خارقة للتحصينات علاوة على عشرات الآلاف من الأسلحة المتنوعة لعل من أخطرها قنابل MK 84 التي تزن 2000 رطل، القادرة على اختراق التحصينات بعمق كبير تحت الأرض، كل ذلك بموجب مذكرة تفاهم موقعة عام 2016 بين الجانبين ألزمت امريكا بمنح كلبها العقور المسعور أسلحة لـ 10سنين متتالية بقيمة 38 مليار دولار ، فهذا هو المضحك المبكي ولا شك بأجلى صوره !
أن تشحن أمريكا الاف القنابل من طراز “إل يو-109” المصممة لاختراق التحصينات ، وقذائف “إم 107″شديدة الانفجار ، وقنابل من طراز Mk82، زيادة على قنابل من طراز GBU-39، و طراز JDAM اضافة الى قذائف المدفعية عيار 155 ملم،و قذائف”إم830إيه1” المضادة للدبابات بحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” ويورو نيوز وصحيفة وول ستريت جورنال ليظهر لنا وفي خطوة أثارت موجة سخط عارمة نائب الرئيس الأمريكي السابق مايك بنس، داخل مقر القيادة الشمالية الاسرائيلية وبالقرب من الحدود اللبنانية وهو يوقع على قذيفة من المزمع اطلاقها على لبنان كاتبا عليها “من أجل إسرائيل” فهذا ما يصيب المرء بالدوار والغثيان في آن !
أن تزود أميركا الكيان بمئات الاطنان من الاسلحة والذخائر غير التقليدية ومن ثم تمتعض لأن تاجر سلاح روسي عقد العزم بزعمهم على توريد أسلحة تقليدية الى اليمن وبكميات محدودة جدا فهذا ما تحار فيه العقول حقا، علما بأن تجارة السلاحِ غير المشروعِ تشكل ما بينَ 10- 20% من القيمةِ الإجمالية لتجارة السلاحِ في العالم عبر 1150 شركة لتصنيعٍ للأسلحة تتوزع على 98 بلدا ثلثها يذهب إلى الشرقِ الأوسط بحسب معهد ستوكهولم لأبحاثِ السلام !
والحق يقال بأن الولايات المتحدة متورطة تماما بكل الجرائم التي يرتكبها الكيان اللقيط بدءا بقنابل اليورانيوم المنضب التي تتميز بكثافتها العالية،واحتوائها على نسبة ضئيلة من النظائر المشعة، و بقدرتها على تدمير الأهداف بعد اشتعالها تلقائيًا عند الاصطدام ، وقد تم استخدامها لأول مرة في حرب الخليج عام 1991، وكوسوفو عام 1999، وحرب العراق 2003 وفقا لموقع دفاع العرب والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
مرورا بالقنابل الارتجاجية وهي قنابل مصممة لاختراق المخابئ تحت الأرض قبل أن تنفجر في العمق لتحدث أشبه ما يكون بالهزات الارضية ولذلك يطلق عليها اسم “القنابل الزلزالية”التي تؤدي الى انهيار المباني المحيطة و لعشرات الامتار بحسب روسيا اليوم و”القناة 12” العبرية .
كذلك الحال مع القنابل الغبية أمريكية الصنع والتي يطلق عليها أسماء عدة منها القنابل غير الموجهة، وقنابل السقوط الحر، وقنابل الجاذبية، والقنابل الحديدية، وقد تسببت بتدمير مئات المباني في قطاع غزة ما أسفر عن استشهاد واصابة الاف المدنيين ولاسيما أنها قنابل غير موجهة تصيب أهدافا لا على التعيين وتتبع مسارا باليستيا مشتقا من الكلمة الإنكليزية “Ballistic”اختصارا لعبارة “تحرك الجسم في الفضاء تحت تأثير الجاذبية فقط”وفقا لصحيفة آي نيوز البريطانية والصحفي الأمريكي، سيمور هيرش.
تليها القنابل الفراغية الحرارية وتسمى أيضا بـ”القنبلة الضغطية” و” قنبلة الغبار الجوي” و ” قنبلة المتفجرات الهوائية ” وتتكون من حاوية وقود وشحنتين متفجرتين منفصلتين ومن أنواعها قنبلة “بي إل يو-109″، و “بي إل يو-188″و”بي إل يو-188 بي” تعمل على اختراق الملاجئ الخرسانية والهياكل الصلبة لتوليد ما يعرف بـ” الضغط السلبى” وتفريغ الأوكسجين من موقع الانفجار ما يمهد لتدفق الضغط الجوي من جميع الاتجاهات ليدمر الهدف ويقتل كل من بداخله إما تدميرا وإما اختناقا لنقص الاوكسجين وقد استخدمتها القوات الأمريكية في فيتنام، وفي أفغانستان ، وبمعركة المطار في بغداد 2003، بحسب مجلة “ذي ويكلي ستاندارد” ومنظمة الأمن الكوني العسكرية.
كذلك قنابل الفسفور الابيض والتي وبرغم حظرها بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية (CWC) في عام 1997 إلا أن دويلة الاحتلال الغاصب تستخدمها على نطاق واسع لغرض تدمير المعدات وإضاءة ساحة المعركة وقتل المدنيين ،وتعد أمريكا أول من استخدمها في فيتنام ، والفلوجة 2004 ، فيما تستخدمها دويلة الاحتلال لقصف قطاع غزة منذ عام 2009 وبما ينتهك القانون الدولي وفقا لـ هيومن رايتس ووتش ،ومنظمة العفو الدولية .
وبرغم توقيع أكثر من 100 دولة على “اتفاقية حظر استخدام أو تخزين القنابل العنقودية “فإن دويلة الاحتلال تصنعها وتقصف بها قطاع غزة ولبنان في كل هجماتها ولاسيما من الطائرات والمدفعية الثقيلة ، و تلقب القنابل العنقودية بـ” القنابل العشوائية ” وقد استخدمتها أمريكا في معظم حروبها ، كذلك يفعل الكيان المسخ وبإفراط ومن دون تمييز بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، ومرصد القنابل العنقودية ومنظمة “هانديكاب انترناشونال” الاغاثية .
الأعجب من ذلك أن شركات التصنيع العسكري الصهيونية تعد من أكبر الرابحين باتفاقات التطبيع المعروفة باتفاقات ابراهام التي وقعتها مع الإمارات والبحرين والمغرب بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية ، وبما أسهم بنمو سوق السلاح الإسرائيلي بنسبة 30% كان حصة الدول العربية منها ما يقرب من 7% بحسب صحيفة “هآرتس”علما بأنها ليست مجرد تكنولوجيا حربية يتم بيعها فلقد صار بإمكان إسرائيل استخدام القواعد العسكرية هناك بدلاً من العودة للتزود بالوقود لتوجيه ضربات اقليمية وهذا جزء من التفوق العسكري وفقا للبروفيسور جوشوا تيتلبوم ، الأستاذ بجامعة ( بار إيلان) .
وفي الختام لايسعني إلا أن أقتبس ما علمنا إياه آباؤنا وأستاذتنا منذ نعومة أظافرنا بأن الأمم والشعوب التي تواجه أخطارا وتحديات وجودية تهدد كيانها برمته في – زمكان ما – فلا أقل وقتئذ من ركن الخلافات الفكرية والسياسية والقومية والعشائرية جانبا والعمل بدلا من ذلك كله على رص الصفوف،وتأليف القلوب،وتوحيد الكلمة،وما زلت أحفظ عن ظهر قلب ومنذ المرحلة المتوسطة أبياتا للشاعر والاديب الطغرائي تدعو الى التكاتف وقت الملمات،وبما تعضده شواهد لا تعد ولا تحصى في الشريعة الغراء، علاوة على أقوال الحكماء ومواعظ العلماء ، وكلها تحث على الوحدة ونبذ الخلافات والابتعاد عن المهاترات و الجدالات والخصومات،ولا سيما حين تطل برأسها الفتن الهوجاء، ويوم تعم الفوضى ويتجبر الذيول والامعات والأشقياء ،يوم يتحكم سقط المتاع والفاسدون والسفهاء بمصائر الكبار والصغار على سواء ، ويوم يستشري الغلاء والبلاء والوباء و”الغباء” ولا عزاء يقول الطغرائي فيها :
كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى… خطب ولا تتفرقوا أفراداً
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً…وإذا افترقن تكسرت آحاداً