إسرائيل تقود لصراعٍ نوويٍّ بدعم (شيطان البيت الأسود)
كتب / زهير حليم أندراوس
لمامًا يفوق الواقع ويتفوّق على الخيال، فقد وصل السيل الزبى وطفح الكيل، لا يُعقَل ولا يُمكِن أنْ يُفهَم ماهية وآلية صُنع القرار في الدول العربيّة والإسلاميّة فيما يتعلّق بالجرائم الفظيعة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيليّ ببربريّةٍ وهمجيّةٍ ووحشيّةٍ في كلٍّ من فلسطين ولبنان، وللتذكير، هذا إنْ نفعت الذكرى، نقول إنّ حكومة نيكاراغوا، وهي دولة تقع في أمريكا اللاتينيّة، أعلنت مساء الجمعة الـ 12 من تشرين الأوّل (أكتوبر) الجاري، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، ردًا على “الإبادة الجماعيّة الوحشيّة التي تُواصِل حكومتها الفاشيّة ومُجرمة الحرب ارتكابها ضدّ الشعب الفلسطينيّ”، وفق ما ورد في بيانها الرسميّ. وقالت الحكومة في البيان عينه، إنّ قطع العلاقات جاء “بسبب استمرار الهجمات الإسرائيليّة على الأراضي الفلسطينيّة”، مشيرةً إلى أنّ الصراع “يمتد الآن أيضًا ضدّ لبنان، ويُهدِّد بشكلٍ خطيرٍ سوريّة، اليمن، وإيران”. وكان الكونغرس في نيكاراغوا قد مرّرّ، الجمعة، قرارًا يُطالِب الحكومة باتخاذ إجراءاتٍ تتزامن مع مرور عامٍ على عدوان الاحتلال الإسرائيليّ على قطاع غزّة.
ومن نوافل القول والفصل إنّ موقف نيكارغوا قبل أنْ يكون سياسيًا ويُعبِّر عن التضامن مع الشعبيْن الفلسطينيّ واللبنانيّ، هو موقفٌ إنسانيٌّ إزّاء الجرائم الفظيعة التي تُرتكَب على مدار الساعة ضدّ المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين من قبل آلة الحرب الإسرائيليّة، المدعومة من رأس الأفعى، الولايات المُتحدّة الأمريكيّة، ودول النفاق والشقاق الأوروبيّة، التي أشبعتنا تنظيراتٍ عن الحريّات والديمقراطيّات، ولكنّها آثرت الانضمام إلى محور الشرّ والقتل والإذلال والغبن والظلم ضدّ الشعوب المقهورة والمقموعة.
***
إنّنا إذْ نُحيّي نيكاراغوا وباقي الدول التي وقفت وما زالت إلى جانب القضيّة الفلسطينيّة، نتساءل وبحقٍّ: أيُّها الحُكّام من عرب ومُسلمين، ألا تخجلون من عدم اتخاذكم أيّ موقفٍ ضدّ العدوان الوحشيّ الإسرائيليّ؟ ما الذي يُخيفكم؟ ومن ذاك الذي يُرهِبكم؟ أين ضمائركم؟ أمْ أنّ الضمير، أيْ ضميركم، كان وما زال وسيبقى مستترًا؟ التاريخ لن يرحمكم، والعدل منكم براء! كيف تتخلّون عن الشعبيْن الفلسطينيّ واللبنانيّ؟ كيف تركتموهما كالأيتام على موائد اللئام؟ والأخطر من ذلك، بأيّ تسويغٍ أوْ تبريرٍ، أوْ الاثنيْن معًا، تُفسِّرون لنا ولشعوبكم هذا التواطؤ والتخاذل، ولا نقول الخيانة وَحَبْك المؤامرات؟ كيف نشرح لأنفسنا وكيف نُفسِّر للأجيال القادمة هذه المواقف التعيسة والهزيلة، كيف؟ أين الجرأة؟ جرأتكم؟ كيف لم تُلوّحوا حتى بسحب هذا السفير أوْ ذاك من دولة الاحتلال؟ نحن، لا سمح الله، لا نُطالبكم بقطع العلاقات أوْ وقف التطبيع مع إسرائيل المارِقة مع علامة الجودة والامتياز. نُقِّر ونعترِف أنّنا لم نجِد تفسيرًا منطقيًا أوْ عشوائيًا لهذه المواقف، مع تذكيركم بالمناسبة أنّ اللا موقف هو موقفٌ في قمّة الانتهازيّة، واتخاذ اللون الرماديّ حول عدوانٍ مُستمِّر منذ أكثر من عامٍ، قد يكون مرحلةً خطيرةً من الزحف نحو الخيانة، التي لا نتهمّكم بها.
***
ووفق كلّ الدلائل والمؤشِّرات فإنّ منطقة الشرق الأوسط أفرزت الأمور وأسقطت الأقنعة، فالإنسان لا يتغيَّر، بل تتِّم عملية إزالة قناعه ليظهر بصورته الحقيقيّة، وبما أنّ المُخطّط الشيطانيّ الأمريكيّ سيخرج قريبًا جدًا إلى حيِّز التنفيذ، نجِد لزامًا على أنفسنا التحذير والتنبيه بأنّ واشنطن وتوابعها وذيولها في المنطقة انتهوا من إعداد الخطّة لإجهاض أيّ شكلٍ من أشكال المقاومة في أيّ دولةٍ أوْ كيانٍ، أيْ أنّ إيران، المُتهمّة من قبل ما يُسّمى (محور الأحرار)، قائدة ما يُطلَق عليه (محور الشرّ)، وفق المُعجم الإمبرياليّ، الاستعماريّ والمُعادي للشعوب وطموحاتها، تُعتبِر رأس الحربة وسيتِّم استهدافها عاجلاً أمْ آجلاً، لاجتثاث أيّ نوعٍ من أنواع مُناهضة الاستعمار، وطبعًا هذا المُخطط يشمل حزب الله في لبنان، والمقاومة في فلسطين، وأنصار الله في اليمن، والقوى الثوريّة في العراق، وطبعًا سوريّة، بهدف “تنقية” المنطقة من أعداء أمريكا وإسرائيل، ومنح الأخيرة بطاقة السيطرة على المنطقة، بالإنابة عن راعيتها الرئيسيّة بالبيت الأسود في واشنطن.
***
السيناريو الذي طرحناه ليس من باب التنجيم أوْ القراءة بالغيب، بلْ من خلال مُواكبة ومُتابعة الأحداث في المنطقة المُلتهبة أصلاً والتي تجلِس على برميل بارودٍ قابلٍ للانفجار في كلّ لحظةٍ، وطرحه بهذه الحدّة، لا يعني بأيّ حالٍ من الأحوال أنْ ينجح بين ليلةٍ وضُحاها، إذْ أنّ إيران والمحور المؤيِّد لها لن يلتزما الصمت، كما أنّنا لا نستبعِد البتّة التدّخل الروسيّ وحتى الصينيّ، في حال نشوب حربٍ إقليميّةٍ قد تحرق الأخضر واليابس، وللتاريخ نُسجِّل هنا، أنّ مَنْ يُعوِّل على الولايات المُتحدّة، أوْ بالأحرى الويلات المُتحدّة، لا يُعوَّل عليه، لذا فإنّ الأنظمة العربيّة والإسلاميّة المهزومة والمهزوزة، ستضطر، أوْ ربّما سيتطوّع بعضها، للمُشاركة في الحلف الأمريكيّ، والتاريخ غير البعيد علّمنا أنّ دولاً عربيّةً وإسلاميّةً، وقفت إلى جانب واشنطن في حروبها ضدّ “أبناء جلدتنا”، مثل العدوان على اليمن، والهجوم على العراق بعد اجتياح الكويت من قبل الرئيس الأسبق، الشهيد صدّام حسين، في أوائل تسعينيات القرن الماضي.
***
عُلاوةً على ما ذُكِر آنفًا، قد يخسَر هذا المُعسكر أوْ ذاك المعركة، ولكن لن يُهزَم في الحرب، فحتى للقوّة توجد محدوديّة مقارنة بصدق وعدالة القضيّة، ولذا فإنّ التسليم سلفًا بانتصار أمريكا ومحورها على إيران ومؤيّديها، هو في أحسن الأحوال قد يكون تبريرًا للهزيمة، واستعدادًا لرفع المظلّات حتى لو أمطرت السماء حريّةً، وباعتقادنا في نهاية المطاف سيكون النصر حليف الشعوب المقهورة مهما مرّت الأعوام وقُدِّمَت التضحيات الجسام بالأرواح والممتلكات، وهذا هو الزمان وهنا المكان لتذكير أصحاب الذاكرة الانتقائيّة أوْ القصيرة، أو الاثنتين معًا، بأقوال المؤرّخ العسكريّ الإسرائيليّ البروفيسور أفنير كوهن، في مقالٍ نشره بصحيفة (هآرتس) العبريّة، في التاسع من أكتوبر الجاري: “المفارقة أنّ ما يُشجِّع الإسرائيليين على الهجوم، أيْ الرغبة في منع إيران من أنْ تصبح نوويةً، هو الذي سيضمن أنْ تتخطّى إيران العتبة، وتُجري تجربة، وتتحول إلى دولةٍ نوويّةٍ. إسرائيل سترُدّ بالتأكيد بخطوةٍ مشابهةٍ، والصراع بين إسرائيل والمحور الإيرانيّ سيُصبِح نوويًا، وهذا السيناريو كارثيّ”.
***
ختامًا، نُذكّر بتوجّه حكيم الثورة وضميرها، المُرتحِل-الباقي، د. جورج حبش، الذي قال للشعوب العربيّة: “علينا أنْ نصنع شيئًا لشعبنا، وأنْ نكون بعدالة عمر وثوريّة علي، وأصحاب رسالةٍ كمحمد وعيسى.. إنّ خير ما تُقدِّمونه للقضية الفلسطينيّة هو النضال ضدّ انظمتكم الرجعيّة العميلة، ثوروا فلنْ تخسروا سوى القيد والخيمة.”