السبيل الوحيد لكسر سياسات الجدار الحديدي
كتب / د. طارق ليساوي
أشرت في مقال “الأهداف الخفية لإسرائيل بقيادة بنيامين بن صهيون نتنياهو..” إلى أن تصريح “ترامب” المتعلق بصغر مساحة إسرائيل و ضرورة توسيعها ، لا ينبغي النظر إليه على أنه دعاية انتخابية و مزايدة على منافسته “هاريس”، و إنما الأمر أكبر من ذلك ، فهو إيمان أعمى بمعتقدات توراتية و تلمودية فاسدة، و أفكار متطرفة و من ذلك ما يسمى بالصهيونية التصحيحية أو التحريفية التي يؤمن بها نتنياهو و تحالفه الحكومي ، لأن والده “بن صهيون نتينياهو” من منظري و دعاة هذا التيار المتطرف ، و هذا القاسم المشترك مع والد السيد ترامب ” فريد ترامب” الصديق المقرب و الشريك لنتنياهو، و كما يقال فإن الابن سر والده
الابن سر والده:
فهم ما يحدث اليوم في غزة و نواحيها لا يستقيم دون فهم خلفيات و ذهنية حكام الكيان الصهيوني و على رأسهم رأس الحربة بنيامين نتنياهو الذي ولد في فلسطين المحتلة عام 1949 ، و فهم ذهنية و سيكولوجية هذا المجرم المتطرف لا يستقيم دون العودة إلى الجذور و إلى والده “بن صهيون نتنياهو” و اسمه عند الولادة “بن صهيون ميليكوفسكي” ولد يوم 25 مارس 1910 في وارسو ببولندا المقسمة التي كانت تحت السيطرة الروسية، والداه هما سارة (لوري) والكاتب والناشط الصهيوني البيلاروسي” ناثان ميليكوفسكي”. كان ناثان حاخامًا قام بجولة في أوروبا والولايات المتحدة، وألقى الخطب الداعمة للصهيونية. بعد أن أخذ ناثان العائلة إلى فلسطين الخاضعة للانتداب البريطاني..
وكان بن صهيون نتنياهو مؤرخًا، و شغل منصب أستاذ التاريخ في “جامعة كورنيل” و باحث في التاريخ اليهودي، وكان أيضًا ناشطًا في الحركة الصهيونية التحريفية، كان مجال خبرته هو تاريخ اليهود في إسبانيا و كان محرر الموسوعة العبرية والسكرتير الشخصي لزئيف جابوتنسكي.
زئيف جابوتنسكي:
أهمية هذا الرجل نابعة من كونه مؤسس ما يعرف “الصهيونية التصحيحية” أو “الصهيونية التنقيحيه” و هي تيار صهيوني نابع من فكر جابوتنسكي ظهر داخل المنظمة الصهيونية عام1923 بهدف تصحيح أو تنقيح أو مراجعة السياسة الصهيونية، و هو رمزا من رموز التطرف الصهيوني و لعب دورا محوريا في قيام الكيان الصهيوني[i] ، وهذا التيار تعبير عن محاولة بعض العناصر الصهيونية (من شرق أوربا أساساً) المتشبعة بالفكر الاقتصادي الليبرالي والفكر السياسي الفاشي طرح الهيمنة العمالية على عمليات الاستيطان وهيمنة صهاينة الخارج الليبراليين على النشاط الدبلوماسي جانباً. وقد حاول دعاة هذا التيـار أن ينتهـجوا خـطاً وأسـلوباً جــديدين للعمل على الصعيد الدولي، حيث كانوا يرون أنهما في واقع الأمر استمرار لخط هرتزل ونوردو وفلسفتهما، وأن يصوغوا فكراً استيطانياً مستقلاًّ، وأن يُشيِّدوا مؤسسات استيطانية مستقلة.
جذور الجدار الحديدي :
وكان زئيف جابوتنسكي أول زعيم صهيوني يقر بأن الفلسطينيين شعب، وأنه لا يتوقع منهم التخلي طوعا عن حقهم القومي في تقرير المصير. لهذا كان يرى أنه من غير المجدي في تلك المرحلة المبكرة من المشروع الصهيوني فتح حوار معهم، ولا مفر من تنفيذ البرنامج الصهيوني من طرف واحد وبالقوة.
و لفهم هذه الإستراتيجية ينبغي العودة إلى المقال الذي كتبه جابوتنسكي في عام 1923 تحت عنوان ” الجدار الحديدي نحن و العرب” التي شرح فيه فلسفته بأن العرب لن يوافقوا على السلام أو التعاون إلا بعد أن يدركوا أن الدولة اليهودية غير قابلة للهزيمة. بالنسبة له، يجب أن يبنى “جدار حديدي” من القوة العسكرية والسياسية التي تمنع أي هجوم أو مقاومة من النجاح و يقول في مقاله” لا يمكننا تقديم أي تعويض كافٍ للعرب الفلسطينيين عن فقدان بلادهم. لذلك، ليس هناك احتمال للتوصل إلى اتفاق طوعي… فقط عندما لا يتبقى أي أمل لهم، سيتخلون عن موقفهم العدائي.[ii]“
هذا النهج الذي يعتمد على الردع بالقوة أصبح ركيزة أساسية في السياسة الدفاعية الهجومية الإسرائيلية منذ تأسيس الدولة، سواء في حروب 1948، 1956 ،1967، أو 1973، التي كانت تهدف جميعها إلى تأمين الدولة اليهودية في منطقة معادية.
• المرشد الروحي لنتنياهو:
وحتى يومنا هذا، لا تزال هذه الفكرة مؤثرة بشدة في سياسات إسرائيل الأمنية، وخاصةً في عهد “بنيامين نتنياهو”، الذي يكرر في خطاباته ذكر زئيف فلاديمير جابوتنسكي، ويقدمه على أنه ملهمه ومرشده الروحي، وأنه يحتفظ بسيفه ويقرأ أعماله بشكل دائم..كما أن سلوك نتنياهو النفسي في تعامله مع الصراعات الإقليمية والسياسات الأمنية يمكن فهمه و تفسيره بالعودة إلى نظرية “الجدار الحديدي” [iii].
فالسلوك النفسي لنتنياهو يميل إلى التركيز على مفهوم الأمن المطلق، حيث يرى أن القوة هي السبيل الوحيد لضمان بقاء إسرائيل، وأن أي تسوية مع الأعداء يجب أن تأتي من موقع قوة لا من ضعف.
و يرى أي تهاون أو إظهار ضعف على أنه تهديد مباشر لوجود إسرائيل، مما يجعله يتمسك بسياسات التشدد والقوة في التعامل مع خصومه، سواء على المستوى المحلي أو الدولي.
• القوة لا تحدها إلا القوة:
و قد حاولت العودة إلى الاب البيولوجي و الاب الروحي للنتنياهو، لتوضيح أن التطرف و العنف هو اللغة التي يفهمها هذا المجرم و حلفاءه، و إن كان المجتمع الصهيوني لا ينفصل في غالبيته عن هذا التوجه النازي العنصري القائم على العنف و الإبادة ..و دورة العنف الحالية ليس بالإستثناء، و إنما هي امتداد للجرائم التي تم ارتكابها منذ 1948 ..فالكيان أسس دولته بالحديد و النار ، و بالإرهاب و الرعب، و بالكذب و الإفتراء ..
و مواجهة هذه الأجندة الدموية و الإجرامية ، لا يستقيم إلا بتغليب منطق القوة و الصرامة في التعامل مع هذا الكيان المجرم، فالقوة لا تحدها إلا القوة قال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ۚ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا ۖ وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ۚ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2) وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3)) (سورة الحشر)..
• المقاومة و مسك “رسن العدو”:
و في كلمة لنائب حزب الله السيد نعيم قاسم ألقاها يوم 15-10-2024، فقد حلل ذهنية و سيكولوجية الكيان الصهيوني و تطلعاته و مشروعه التوسعي الذي يتجاوز حدود فلسطين المحتلة، محذرا من ” أن لبنان والمنطقة جمعاء أمام خطر شرق أوسط جديد على الطريقة الإسرائيلية الأميركية”..وأضاف أن “مشروع إسرائيل في المنطقة تدميري وإلغائي للمقاومة ولشعب المقاومة”، وأن “العالم وبريطانيا وفرنسا وأميركا متواطئون مع الإجرام الإسرائيلي”.كما ذكر أن “رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يريد شرق أوسط جديدا”، وأن إسرائيل تصنع ما تريد ولا تلتزم بأي قرار دولي، وإذا لم تُواجَه فستصل إلى أهدافها، وفق تعبيره.كما أكد في كلمته على أن “الكيان المحتل قائم على القتل والتشريد والمجازر، وهو يراهن على الإجرام والتبني المطلق من أميركا”. و ختم كلمته ببشرى النصر “نحن من سيمسك رسن العدو ويعيده إلى الحظيرة”..
فمن حسنات طوفان الأقصى أن المقاومة و داعميها، على معرفة عميقة بخطط و سيكولوجية الكيان الذي لا يؤمن إلا بالقوة و سياسة الحديد و النار ، فالشعوب العربية أمام منعطف تاريخي حاسم، فالنصر الذي حققته المقاومة الفلسطنية في طوفان الأقصى 7 أكتوبر و الذي تأكد و تعزز بالصمود الأسطوري في وجه ألة القتل و التدمير الصهيو-صليبة ..ينبغي لهذا النصر التاريخي و التضحيات الجسام أن تتحول لفتح جديد و لإستقلال حقيقي و شامل يبدأ من أرض فلسطين و يمتد لباقي البلدان العربية التي لازالت منقوصة السيادة و لا تملك قرارها..
و هذا الاستقلال الحقيقي لن يتحقق مالم تتكاتل و تتكاثف جهود و سواعد هذه الشعوب و قيادتها الحقيقية لا الشكلية، و لا يمكن تحقيق النصر في هذه المعركة المصيرية دون العودة إلى الهوية الأصيلة و التمسك بقيم الإسلام و تعاليمه التي تخبرنا قبل 1440 سنة بذهنية و سيكولوجية صهاينة العصر و حلفاءه و حُماته ، فالكيان الصهيوني لا يستمد قوته من ذاته ، و إنما من صناعه و حُماته، فهو قاعدة متقدمة لمستعمري الأمس كافة ، لقد إجتمع فيه ما تفرق في غيره من أشكال الاستعمار عبر التاريخ.. و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون ..