ملح البلد… اين انتم؟
كتب / حسن حامد سرداح
في كل امة تتعرض للاضطهاد واحتلال ارضها واستباحة دماء ابنائها ، تجد الطبقة الواعية في مقدمة المتصدين ليس بالسلاح فقط، فهناك اشكال اخرى تأخذ طابع المقاومة والروح الثورية التي ترفض جميع انواع العبودية مهما كانت، وهنا يبرز الدور الحقيقي للنخبة في تحشيد الشعوب ودفعها لمواقف وطنية تتجاوز جميع الخلافات الداخلية لتشكيل حائط صد يساند جهود المضحين بارواحهم في ميادين القتال والتركيز على الخلاص من المستعمرين بنشر ثقافة تنير الطريق للمترددين وتزيل الضباب عن صورة الحقيقة التي يحاول تشويهها اصحاب الكراهية والنفوس المريضة…
قد يتساءل الكثير من القراء الاعزاء عن عنوان المقال وكيفية ربطه بالاحداث التي يعيشها شعبنا في غزة ولبنان، وماهي علاقة الملح بالبلد، او بالمواقف التي تساند مواجهة المحتل، نعم.. الاجابة نجدها في صفحات تاريخنا الحافلة بالمواقف الوطنية وخاصة بقضيتنا المستمرة منذ سبعين عاما او اكثر، فتلك السنوات سجلت إلى جانب المواجهة المسلحة، مقاومة من نوع اخر، كان للقلم ومنصات الخطابة وجلسات الشعر والنثر، وتحشيد “عباد الله” ضد المستبدين، التاثير الواضح في ساحة المعركة وكسب الدعم الداخلي الذي يرفع الروح المعنوية للمرابطين على الجبهات، فكلمات محمود درويش عن “القدس” و”المارون العابرون”كانت سلاحا تكفي لشحذ الهمم ومساندة معنوية تصعد من روح المقاومة … حينما قال… “أيها المارون بين الكلمات العابرة.. كدِّسوا أوهامكم في حفرة مهجورة، وانصرفوا.. وأعيدوا عقرب الوقت إلى شرعية العجل المقدس… أو إلى توقيت موسيقى المسدس.. فلنا ما ليس يرضيكم هنا، فانصرفوا”.
ولم تكتفي ساحة المواجهة بمحمود درويش فهناك غسان كنفاني الذي كان يطلق الصواريخ المطورة والقذائف العابرة ضد المحتلين بكلماته، ويساند الرافضين للذل والخنوع باحدث الطائرات والمدافع، ويشجع على روح المواجهة بعبارات جعلت اسمه إلى جانب المقاومين للاحتلال، بعبارات كان يرددها من مكانه نتذكر منها “إنّ الرجل الذي يلتحق بالفدائيين لا يحتاج بعد إلى رعاية أمه”، فهؤلاء ومعهم سميح القاسم وابراهيم طوقان وبدر شاكر السياب ومحمد باقر الشبيبي ومحمد مهدي البصير ومحمد سعيد الحبوبي، كانوا “ملح البلد” في نشر الافكار والثقافة التي تحارب الاستعمار وتساند حركات التخلص من المحتلين، بعيدا عن الانتماءات الطائفية او العرقية، فهم جعلوا الوطن وتحرير ترابه فوق كل الاعتبارات والمسميات الجانبية ليشكلوا امتدادا لاصحاب فكر وشعراء تركوا اثرهم في توعية الشعوب بالتصدي للغزاة، حتى في العصور ماقبل الاسلام لانها ببساطة قضية تتعلق بالانتماء والدفاع عن كرامة الانسان وحقوقه، والتي اختصرها الشاعر من العصر الجاهلي المرقش الاكبر، بابيات تقول.. “إنّا لمن معشر أفنى أوائلهم.. قيل الكماة ألا أين المحامونا.. لو كان في الألف منّا واحد فدعوا… من فارس خالهم إيّاه يعنونا.. إذا الكماة تنحوا أن يصيبهم… حدّ الظباة وصلناها بأيدينا”.
وعلى الرغم من الارث الكبير من تلك الشخصيات ودورهم في حروب التخلص من المحتلين، لكن مانشهده في طوفان الاقصى الذي نعيش ايامه من السنة الثانية، يشعرنا بالخجل، فملح البلد من رجال الدين ونخبة المجتمع اكثرهم اختار “السبات” في غير موسمه، واقفل بابه وجلس في شرفة منزله يتفرج على “ذبح” غزة ولبنان بصواريخ اسرائيلية تجهزها امريكا ودول الغرب، والاكثر “ظلما” اختار بعضهم الالتحاق بجيش الكيان الغاصب ومساندته باضعاف الروح المعنوية لشعوب المقاومة من خلال نشر “الاحباط” والتركيز على وجود تفرق عسكري للعدو، متناسين بان شعب فلسطين كان يواجه المحتلين قبل سنوات معدودات بالحجارة فقط، وفي حرب تموز 2006، لم تكن المقاومة اللبنانية (حزب الله) تمتلك صواريخ مطورة او طائرات مسيرة، وحققت حينها انتصارا لا يمكن للكيان الغاصب ازالته من تاريخ هزائمه.
للاسف.. ساحة “ملح البلد” سجلت مواقف لا يمكن ابعادها عن خانة “المرجفين او المثبطين” من قبل اصحاب الحصانة البرلمانية، فكيف تصف خروج النائب سجاد سالم وهو يهاجم المقاومة العراقية وينسف دورها في حرب مواجهة الكيان، ويضع جميع فصائلها ضمن قائمة المهربين وتجار المخدرات بدون استثناء، ليقارن بعدها بين الدين الاسلامي واليهودي ويضعهما بكفة واحدة من التطرف والقتل وتشريد “الناس”، وقبل الانتهاء من بث “سمومه” هدد القوات الامنية التي تطارد المطلوبين للقضاء بسيوف موجودة في “اغمادها”، ليختتم تصريحاته بمنح الكيان صفة الدولة، وهو اعتراف يخالف قانون تجريم التطبيع المصوت عليه في مجلس النواب، المجلس ذاته الذي يحمي سيادة النائب بحصانة تمنع محاسبته وتوفر له الغطاء القانوني للتجاوز على المتصدين للكيان ومشاريعه التوسعية، فهل هناك “خيبة امل” نعيشها اكثر من هذه التي يلتحق فيها نخبة القوم وعصارة اصواتهم الانتخابية بقافلة “المرجفين”.
الخلاصة:..
ان معركة المثقف وملح البلد دخلت في مرحلة جديدة بعد التطور في وسائل التواصل الاجتماعي ومنصاته المتعددة.. وتحولت من قاعات الندوات ومسارح الشعر والنثر إلى شبكات الانترنت، التي تتطلب زخما كبيرا يساهم في رفع المعنويات وينقل الحقيقة التي يقاتل من اجلها المقاومون في جميع الجبهات، ومساندة الجهود التي تدعو للوحدة والتركيز على هدف واحد، بفضح الكيان ومجازره والابتعاد عن الحروب الجانبية والطائفية التي يحاول “اصحاب النفوس المريضة” اثارتها في هذا التوقيت لتشتيت صفوف المقاومة وزرع الفتنة بين جبهاتها، لكن هذا لا يعني الاستغناء عن الندوات الفكرية والثقافية التي تستطيع الوصول لجماهير قد لا تجدها على مواقع التواصل….. اخيرا… السؤال الذي لابد منه… من يصلح الزاد اذا الملح
فسد؟..