روابط أمريكا و إسرائيل.. لوبيات تتخفى خلف الديمقراطية المزورة
كتب / علي الزعتري
في المقالة الخامسة و الخاتمة لهذا الإستطلاع السريع نأتي لزمرةٍ من هذه المنظمات المنضوية تحت العلم الأمريكي و الإسرائيلي والتيتعمل بكل حرية في المجتمعات الأمريكية معتبرةً أن التوأمة بين ما هي مصلحة إسرائيل و مصلحة أمريكا ليست عبارةً صحيحةً فحسب بلأن العلاقةَ الرابطةَ بينهما شاءت أمريكا أم أبت هي لروحٍ و عقلٍ و فائدةٍ مندمجةٍ دون أدنى تباينٍ.
تقف منظمة “جى ستريت” معلنةً أنها مع إسرائيل و مع أن يكون السعي نحو السلام والديمقراطية عناوين للسياسة الأمريكية في المنطقةكونها عناصر مهمةً في الفكر اليهودي المنغمس في الديمقراطية والقيم اليهودية التي ستُؤَّمِنَ لإسرائيل كينونتها دولةً ديمقراطيةً لليهود. إذاًعندها أن السياسة الأمريكية هي نتاجٌ للفكر اليهودي الليبرالي المستنير الذي نادى ويعمل لنشر الحريات و الديمقراطية. تقول أن التفاوضبين الإسرائيليين و الفلسطينيين هو المسار الوحيد لتلبية طموح و احتياج الشعبين. هي تدعم أن تأتي الدبلوماسية أولاً في السياسةالأمريكية لتحقيق التقدم للعدالة و المساواة و السلام و الديمقراطية في إسرائيل والإقليم الأوسع و في الولايات المتحدة ذاتها. لا تحيد هذهالمنظمة عن إيمانها بأحقية إسرائيل في الوطن القومي المترسخ عبر التاريخ وأنها “تحتفل بميلاد هذا الوطن من جديد بعد آلاف السنين”. ولاتحيد عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها و هي تواجه “أعداءً خطرين” لكنها تؤيد أن تعيش إسرائيل بأمانٍ و سلامٍ ضمن حدودٍ معترفٍبها دولياً. وهي ترى أن للفلسطينيين حقاً مثل ما لليهود في وطنٍ ديمقراطيٍّ لهم بجانب إسرائيل في إطار السلام و الحرية و الأمن وأنالفلسطينيين يستحقون حقوقاً مدنيةً كاملةً و إنهاء نظام الاحتلال المخل بالعدالة. لكن هذا الوطن مشروطٌ بكونه منزوع السلاح وإن معترفاً بهدولياً ضمن حدود معروفة. هذه المنظمة تعارض انتقاد اليهود عندما ينتقدون سياسات إسرائيل الضارة لمصلحة الولايات المتحدة و إسرائيل واليهود. وهي ترى في التوسع الاستيطاني وترسيخ الاحتلال المناقض للقانون الدولي سياساتٍ تفتت الحقوق الفلسطينية و تدفع إسرائيلباتجاه النزاع المستديم و الديمقراطية المقيدة و الظلم. ويبدو أن المنظمة تجاهد لكي ترفع من اسمها و وجودها في الفضاء الأمريكيالسياسي و الإعلامي ذلك و هي تنشد سياساتٍ لا تتوافق و التعصب الذي تتسم به منظماتٌ أكبر منها و أقوى تنادي بدعم إسرائيل علىكل وجوهها القبيحة. و هي في الحقيقةِ استثناءً ضمن هذه المجموعة من المنظمات.
على الجانب الآخر الطاغي في موالاته لإسرائيل منظمة “الفيدرالية اليهودية في شمال أمريكا” و تقولها بالصوت العالي أنها تقف معإسرائيل. و أنها سهلت وصول ٢٥٥ ألف مهاجر لإسرائيل في العقد الماضي و أنها في هذا الجهد قد ساعدت الملايين للهجرة منذ تأسيسهاقبل سبعين عاماً وذلك من خلال فروعها في ٧٠ دولةً لمساعدة اليهود. أما منظمة “دوليةَ المرأة اليهودية” فهي تقول أنها تصدق المرأة اليهوديةوذلك في معرض تأييدها للشهادات، التي ثبت زيفها، حول إغتصاب نساء يهوديات من قبل المقاومة في ٧ أكتوبر و بعده. وفي نشاطٍ آخرتظهر منظمة “التحالف الوطني لدعم اليهود الأوراسيين” وهي تقوم بعملها في ١٥ دولة ممن استقلت عن الاتحاد السوفيتي في أوروبا. هيتعمل لتوثيق علاقات اليهود هناك داخلياً و مع الولايات المتحدة و لتعزيزهم بما يحتاجونه من معونات، خاصةً في أوكرانيا. و هي منظمةٌنشطةٌ لترويج أفكارها وأعمالها في الاتحاد الأوروبي و الأمم المتحدة وبالطبع داخل الحكومة الأمريكية.
أما منظمة “فيدرالية نيويورك للنداء اليهودي المتحد” فقد قامت إثر ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ بمنح ما قيمته ١٣٤ مليون دولار من المساعداتالضرورية لإسرائيل. ودعمت المستشفيات والنازحين خاصة في منطقة غلاف غزة. كما لم تنسَ العرب البدو و الدروز وعرب إسرائيل الذينتلقوا منها مساعداتٍ تكفي لثمانين ألفاً منهم!
ثم منظمةً هامةً هي “الكونغرس الأمريكي اليهودي” التي تصدرُ “الدليل السياسي اليهودي” الذي يعطي الناخبين الأمريكيين اليهودتلخيصاً سياسياً عن كل مرشحٍ سياسيٍّ لكل الانتخابات الأمريكية الفيدرالية و الولايتية وهو التلخيص الذي ينبغي للناخب الأمريكي اليهوديمعرفته قبل التصويت. فهو دليل الناخب والبوصلة التي تدله كيف ولمن سيكون صوته. في حالة المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس يرصدالدليل أنها تقف ضد حملة مقاطعة إسرائيل (بي دي إس) و تؤيد حل الدولتين وأنها ضد ربط المعونات العسكرية الأمريكية لإسرائيل بأيشروط و يقتبس الدليل قولاً لهاريس في تأييد إسرائيل. عمر هذا الكونغرس يزيد عن قرن ومن أعضائه المؤسسين عام ١٩١٨ ألبرت أينشتاينو جولدا مائير واثنين من قضاة المحكمة العليا الأمريكية، والمحكمة العليا هي المدماك الثالث في الحكومة التي يقوم توازنها و مكابحها علىالجهاز التنفيذي و التشريعي و القضائي. هدف هذه المنظمة تعضيد العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل. كما محاربة اللاسامية ومحاربة حركة المقاطعة وإيران، وكلها أهداف معهودة لكن غير المعهود هو هدف تعزيز التجارة الدولية مع إسرائيل. و هي مع حل الدولتينوضد “الكراهية الفلسطينية” و تحث اليهود أن يقولوا للكونغرس الأمريكي أن يقف مع إسرائيل الآن.
دليلنا هذا في المقالة الخامسة يرصد منظمة “لجنة التوزيع الأمريكي اليهودية” التي تقول “نحن مع إسرائيل عندما تحِّلُ الأزمة”. تأسستعام ١٩١٤ لمساعدة جوعى اليهود في القدس عند اندلاع الحرب العالمية الأولى وهي تزود اليهود منذ ذلك الوقت بما يحتاجون خاصةً من همكبار السن والأطفال والفقراء. ثم تنتقل قصتها لما بعد ٧ أكتوبر وتشرح قوائم المعونات التي تقدمها في مسعاها “لبناء مستقبل إسرائيل”. منشورها دعائي معزز بالأرقام و الحالات و حقول العمل لنجدة اليهود وإسرائيل وفي ذيل كل فقرة النداء المعهود للتبرع لعملها. ثم ننتقللمنظمةٍ وقحةٍ هي ” مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل” التي تقول أن عدد أعضائها يصل عشرة مليون عضواً كلهم يتكلمون ويعملونللدفاع عن إسرائيل واليهود. هي أيضاً ضد اللاسامية و تريد حشد المسيحيين الأمريكيين من كل الفئات المسيحية والثقافات لدعم إسرائيلمن خلال تواجدها في ٥٠ ولايةً. أما منظمة “المنظمة الصهيونية لأمريكا” فتقول أنها ساهمت في “إعادة تأسيس الدولة اليهودية” وأنهاالأكبر من بين المنظمات في الدفاع عن إسرائيل وهي ضد أي كيانٍ فلسطيني و تسهب حول الخطر العربي الإسلامي على إسرائيل. منإنجازاتها العمل لنقل السفارة الأمريكية للقدس و الاعتراف الأمريكي بضم الجولان. كما أنها تقدم الدعم القانوني المتمكن من خلال مركزٍقانوني للعمل ضد كل من يستهدف اليهود و يساند اللاسامية. في قائمة عملها هذا قضايا رفعتها ضد مؤسساتٍ تعليمية من مدارس وجامعات مدعيةً انتهاكها لحقوق طلبة وموظفين يهود. وعملت ضد الأنروا وتعمل ضد إيران و الفلسطيني المقاوم وكل من يقف ضد إسرائيل. وهي لصيقة العمل مع الكونغرس و أجهزة الإدارة.
ننتهي بمنظمةٍ هامةٍ تأسست عام ١٩٨٢ وهي “لجنة التحقق من صدقية تقارير وتحليلات الشرق الأوسط” إسمها المختصر هو “كاميرا”والمعنى أنها تلتقط صورة التزييف الإعلامي. تقول أنها تحاربه فيما يتعلق بالشرق الأوسط وإسرائيل و أنها غير منحازةٍ لطرف لكنها تراقبوترصد ما يُكتبُ ويُنتجُ إعلاميًا وبحثياً بشأنِ إسرائيل وتُصَّحِحُهُ. وكيف تُصححهُ؟ بواسطة فريقها الممتد عبر كل وسائل الإعلام في القارات وتحديداً في الجامعات. تقول أن الإعلام المغرض بشأن الشرق الأوسط والذي يشوه إسرائيل غزا أنواع المنشورات الإعلامية حتى تلكالمتخصصة بغير السياسة مثل الأزياء و المعمار و القواميس و دليل الأسفار والكتب التعليمية. وهي تراقب كل هذا وتتصل مباشرةً بالكتابوالناشرين وتعطيهم المعلومة الصحيحة و تفند ما نشروا. لديها ستة وسائل نشرٍ متاحةً لأعضاءها للقيام بعملهم التحققي و تركز في هذاالعمل على الجامعات التي ترى أنها تشهد تزايداً في الدعاية ضد إسرائيل. عالمياً لديها مواقع في بريطانيا وباللغة الإسبانية و العربية والعبرية. وتستشهدُ بمقولاتٍ تأيديةٍ لعملها من لامعين في عالم السياسة و الإعلام الأمريكي. فإن تريد الحقيقة تقول “التزم بكاميرا”.
لقد تناولت في هذه المقالات الخمس ثلاثين مؤسسةً أمريكيةً يهوديةً من أصل ٥٤ منظمةً شغلها الشاغل تربيط أمريكا وإسرائيل برباطالمصلحة القائم على احترام الحرية والديمقراطية. هكذا كلها تدَّعي. لا يهمها مطلقاً إن كانت الحرية والديمقراطية جنزيري دبابة تهرساللحم العربي جيئةً وذهاباً. لديها التصميم والتمويل والأعضاء اللامعين والعلم النافذ والقدرة لحبك القصة ولديها عصا العقاب لمن يخرج عنطوعها ليهمس بمعارضة إسرائيل. بعض القرَّاء تركوا تعليقاً عن الصحوة التي تصيب المجتمع الأمريكي وانحياز بعضه للحق الفلسطيني أوبذاية اعترافه بالجريمة الصهيونية. هذا مؤشرٌ جيد لكنه لا يكفي لتكوين جبهةٍ مضادة. ولكي لا أطيل، لعل تكوين هذه الجبهة يكون عنوانمقالةٍ قادمة. لكننا اليوم نعيش واقعاً يخلده قول الإمام الشافعي:
نعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا
وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا
وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ
وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا
وَلَيسَ الذِئبُ يَأكُلُ لَحمَ ذِئبٍ
وَيَأكُلُ بَعضُنا بَعضاً عَيانا