سفارة واشنطن في عمان.. استذكار لصورة القمح.. أم استحضار لموقف سياسي؟
كتب / عدنان نصار
نشرت السفارة الأمريكية في الأردن صورة قديمة يقترب عمرها من 70 عاما بمناسبة ما أسمته ذكرى مرور 75 عاما على العلاقات المميزة التي تربط المملكة بالولايات المتحدة..، والصورة التي نشرت على موقع السفارة التواصلي تعود لسنة 1953 وتتضمن مشهد فوتوغرافي ل“توصل المبعوث الخاص للولايات المتحدة السفير إريك جونستون لإتفاق تاريخي من أجل تسليم ما يصل إلى 10,000 طن من القمح إلى الأردن”.!
الصورة المنشورة، ربما تحمل في مضامينها السياسية رسالة الى الأردن، الذي تشهد علاقاته مع أمريكا تراجعات ، مقارنة مع ما قبل السابع من اكتوبر الماضي، وما ترتب على ذلك من “إعادة تموضع”
في العلاقات البينية، لأسباب تبدو مفهومة سياسيا عربيا ودوليا و(فلسطينيا) وما أنتجته إرادة المقاومة من وقف لمشاريع صهيونية كثيرة وكبيرة تراود حلم الإحتلال الذي يتغذى على الدم والشر .
أميركا ؛ بكل ثقلها و”عظمتها” وقوتها “تتمنن” على دول وشعوب بإمدادهما بالقمح ، وهي بالطبع من يحدد المدة الزمنية لمخزون القمح في تلك الدول ، فمن الدول مخزونها الإستراتيجي من القمح يكفي لشهرين ، او ثلاثة شهور وفي أحسن الأحوال يكفي مخزون القمح لتسعة شهور في دول تربطها صداقة حميمة مع أمريكا.
لا أظن مطلقا أن السفارة نشرت الصورة إياها من باب “الإستذكار” لمساعدة أمريكية لقمح مضى عليه أكثر من 70 سنة ..، أبدا ، الأمر متعلق فيما يبدو على “إستحضار” موقف سياسي ليعيد للذاكرة السياسية أن امريكا بيدها قوت الشعوب وبيدها ديمومة العون ، وهي التي تقرر رفاهية الشعوب أو بؤسها ، لطالما ان القمح بيدها وسلته الغذائية هناك خلف المحيطات ، علما ان لدى الوطن العربي أراض تكفي العالم بالقمح ، مع فائض بالمنتج، لكن يبقى القمح من “الممنوعات” كونه سلعة غذائية سياسية يمكن إستخدامها عندما يستدعي الأمر .!!
أذكر بلقاء صحفي جمعني بسفير واشنطن في عمان سنة 2005 ، ولإعتبارات غير مفهومة أختيرت جامعة اليرموك في محافظة اربد شمال العاصمة عمان مكان للقاء ..وقتها قلت للسفير الأمريكي الذي غاب اسمه عن ذاكرتي :ان الأردن لا يحتاج الى دعم قرطاسية من أمريكا ، ولا دعم بسكويت منتهي الصلاحية ، ولا قمح ..، ولا نحتاج دعم لبناء مساجد أو كنائس. وأضفت قائلا للسفير بحضور رئيس جامعة اليرموك آنذاك معالي د. محمد أبو قديس : الأردن يحتاج الى موقف سياسي واضح تجاه القدس ، وفلسطين ودولتها المشروعة ..ونحتاج الى بيان واضح للموقف السياسي الأمريكي تجاه ما يحدث في فلسطين ، والعراق ، والدم الذي يراق هناك ..صدقني يا سعادة السفير ان الديمقراطية الأمريكية لا تعنينا بشيء ،يعنينا أكثر العدالة و”السلام” الحقيقي مع كيان يتمرد ..وأختتمت وقتها : ثق يا سعادة السفير إنتا تفضل حكم “بسطار” الجيش العربي الأردني على الديمقراطية الأمريكية التي تجيء على ظهر دبابة أمريكية ، ولنا في ساحة الفردوس بالعراق الشقيق عبرة. !!”
أذكر، لطالما إنتا نتحدث عن ذكرى صورة قمح السفارة ..أن السفير الأمريكي وقتها لم يجب مطلقا ، وأكتفى بإبتسامة تحمل في إستدلالتها السخط على ما قلت ..غير ان المفآجئة كانت بان تم نقل ما قلته بالحقيبة الديبلوماسية الى الخارجية الأمريكية، كما تم نشر التفاصيل على موقع “ويكيليست” .!!
ولأني ألتزم بأدبيات الذاكرة، راق ما قلته للحاضرين بروتوكوليا للقاء ..منهم : نائب مدير العلاقات العامة في جامعة اليرموك باسم دلقموني ، والمحرر الأول نواف كنعان ..فيما أخذ معالي رئيس الجامعة موقف “الحذر الوظيفي” مما دار في اللقاء.
أقدم هذه السردية من الذاكرة لأصل الى نتيجة ان نشر صورة القمح من لدن سفارة واشنطن في عمان ، لم تكن مجرد الحنين الى ذكرى تعود لسنة 1953 بل نحمل في مضامينها ما هو أبعد من ذلك بكثير سياسيا وإقتصاديا تتعلق بطبيعة المرحلة، وما يحدث من مجريات ملتهبة على الحدود مع الأردن من جهات الغرب والشرق والجنوب الشرقي والشمال الشرقي ..صورة واحدة لكنها متعددة الجوانب السياسية .