الإدمان على الدولار : بين الخسائر والأخطار
د. باسل عباس خضير …
في رقم قياسي عراقي جديد ، نشرت إحدى المصادر المطلعة بان مبيعات البنك المركزي العراقي من الدولار بلغت 8 مليارات و120 مليون دولار خلال شهر تشرين الأول 2024 ، وقد توزعت المبيعات بواقع 6¸14 ) ) مليار للتحويلات الخارجية بالية تعزيز الأرصدة و ( (1,78مليار عبر نافذة بيع العملة و 199)) مليون عبر المبيعات النقدية ، وحسب المصدر ذاته فان مبيعات البنك المركزي من الدولار بلغت 65, 9 مليار دور من بداية العام الحالي لغاية نهاية شهر تشرين الأول أي لعشرة أشهر من السنة الحالية ، وبحسابات بسيطة فان معدل بيع الدور يبلغ 7 مليار خلال الشهر الواحد مما يعني إن مبيعات الدولار ستصل لقرابة 80 مليار دولار في نهاية عام 2024 ، وهي ليست السنة الوحيدة التي تتم فيها هذه المبيعات وإنما حالة تتكرر كل عام رغم الدعوات لتخفيض الاعتماد على الدولار ومعالجة ( الدولرة ) في التعاملات ، ومن حق المطلع الخارجي إن يحسد البلاد التي تبيع هذا القدر من الدولار سنويا ظنا منه إنها تكرس لتعزيز الإنتاج المحلي من الصناعة والزراعة وغيرها من القطاعات التي تنعش اقتصاد البلاد ، وبعيدا عن الحسد والحسرات والتعجب وعلامات الاستفهام فان هذه المبيعات تذهب معظمها للاستيراد ، فنحن بلد يغطي نسبة كبيرة من حاجاته من خلال الاستيراد بما في ذلك التي يسهل توفيرها بالإنتاج المحلي سيما وأننا حالة مطمأنة من الاستقرار ، والاستيراد ليس أداة يتم من خلالها إهدار المليارات فحسب وإنما هو آفة لتدمير البلاد ، فالاستيراد يقوض الصناعة والزراعة وغيرها من القطاعات لان اغلب ما يستورد يولد الإحباط لدى المنتج المحلي من حيث القدرة على المنافسة من جانبي الجودة والأسعار ، وفي الاستيراد تضيع حقائق مهمة فهناك دول تدعم التصدير للعراق للحصول على الدولار ، وهناك من يهدر المال فيستورد من الأنواع الرديئة سريعة التلف في الاستخدام ، والبعض يتخذ من الاستيراد غطاءا للحصول على ( إرباح ) الدولار حيث إن هناك فرقا كبيرا بين السعر الرسمي للدولار والسوق السوداء ، فالسعر الرسمي 1320 دينار والسعر السائد في الأسواق أكثر من 1500 دينار منذ أسابيع وهذه الفروقات بتصاعد منذ شهور وخارج سيطرة الدولة بكل السبل والمحاولات .
ولا تقف حدود الهدر بالدولار عند أرقام البنك المركزي ، فهناك مليارات أخرى تخرج يوميا وسنويا من البلاد لتغطية إدخال المحظورات والتي لا يغطيها البنك المركزي في التحويل ، ومنها المخدرات والمسكرات والدخان والأدوية المغشوشة والذهب والحاجات النفيسة والتحويل غير الرسمي لمليوني وافد أجنبي يعملون سرا او علنا في البلاد ، وتضاف لذلك تحويلات العراقيين الموجودين خارج العراق من الرواتب و إيجار وبيع العقارات وغيرها من المدخولات التي تحول للدولار ، وكل ما يتداول من أرقام معلن ومعروف لدى الجهات المختصة وهي مهما تتخذه من إجراءات لمنعها إلا إنها باتت واقع حال اقرب للإدمان ، وفي خضم الحديث عن هذه الأرقام المخيفة فهناك من يخرج و يقول لماذا تطرقون الموضوع وكأنكم تريدون منع الشعب من الرفاهية والتمتع بثرواته التي حرم منها لما سبق من العقود ، وذلك قول غير مقبول ومرود وغير مسؤول لأن الدولار عملة عالمية ولا تطبع محليا كما كانت عملتنا الوطنية تطبع في ذاك الزمان ، و ما يأتينا منه له مصدر واحد لا غير وهي صادرات النفط التي ليس لها ثبات و أمان ، فإيرادات النفط تتأثر بعاملين هما القدرة التصديرية ضمن محددات اوبك + والطلب والعرض العالميان اللذان يحددان سعر البرميل ، وكل العوامل المتعلقة بالنفط تخضع لتحديات وظروف لا يمكننا السيطرة عليها لأنها ترتبط بالبيئة العالمية التي نتأثر بمتغيراتها سلبا وإيجاب إلى حد كبير ، اخذين بعين الاعتبار أننا نقف عند حالة الحرج لان موازنتنا الاتحادية فيها عجز مالي كبير يزداد عند انخفاض السعر عن 70 دولار للبرميل ، وحسب تصريح وزارة المالية فان هذه إيرادات النفط تشكل 89% من مجمل الإيرادات وما تقصده المالية هي الإيرادات بالدولار التي يحولها البنك المركزي للدينار ، وبموجب هذه الأرقام فان من يعول على احتياطي البنك المركزي فانه واهم تماما لأنها لا تغطي الحاجة إلا لعدد محدود من الشهور ، وفي مثل هذه المعطيات وفي ظل عدم معالجة المديونية الداخلية والخارجية فان الاقتصاد الوطني يعيش بخطر محتمل في حالة تناقص القدرة في تغطية النفقات ، انه كلام يتكرر مرات ومرات ولكن المعالجات اقل بكثير مما هو مطلوب ، ومهما يحاول البعض الإقناع او التخدير فان الدولار المتأتي من النفط من الممكن أن يتحول لخطر يهدد البلاد مادام غير مؤتمن ولا يستخدم بالشكل الرشيد ، وما نشهده من هدر في هذه العملات منذ عقود وسنوات ينذر ببلوغنا حالة من الإدمان .