حلب.. حقيقة الدور التركي الصهيوني
كتب / د. محمد الحوراني
ما كان لأحدٍ من السياسيّين والعسكريّين والخبراء أن يتوقّعَ حدوث ما يجري في حلب من هجومً إرهابيٍّ كبيرً أدّى إلى سيطرة التنظيمات الإرهابيّة على أجزاء كبيرةٍ من محافظة حلب ريفاً ومدينة، فضلاً عن تمدّد الفصائل الإرهابيّة إلى أماكن أخرى من الريف الإدلبيّ والحمويّ، إلا أنّ المتابع لمجريات الحرب على غزّة ولبنان والعارف بحجم الخسائر التي أصابت الكيان الصهيونيّ نتيجة ثبات المقاومة وضرباتها يدرك أن ثمّة عملاً صهيونيّاً إرهابيّاً تمّ التخطيط له رغبةً بكسر الإرادة السوريّة وإضعاف صمودها ودعمها للمقاومة، وهو ما أكّده المعلّق العسكريّ الصهيونيّ في صحيفة “يديعوت أحرنوت” رون بن يشاي” عقب الهجوم الإرهابيّ على حلب، وتأكيده “أنّ هناك صلة وثيقة بين الهجوم المفاجئ الذي شنّه المسلّحون في سورية على حلب ووقف إطلاق النار في لبنان “مضيفاً أنّ الهجمات المتكرّرة المنسوبة إلى سلاح الجوّ “الإسرائيليّ” على الجيش السوريّ وعناصر حرس الثورة الإيرانيّ والمتحالفين معهم في الأراضي السوريّة هي التي أوجدت الخلفيّة، وإمكانية تحرير المسلّحين من الضغط على الأرض والتنظيم للهجوم”.
من غير أن يستبعد التنسيق والتشاور بين الفصائل الإرهابيّة والرئيس التركيّ “أردوغان”، وأجهزة استخباراته وهو ما أكّدته قناة “سكاي نيوز” عربية نقلاً عن مصادرها من أن “المعارضة السوريّة” على اتصالٍ بالمخابرات التركيّة وأن تركيا أعطت الضوء الأخضر للهجوم على حلب، وهو الذي قام لفترةٍ طويلةٍ بتسليحهم وتدريبهم من أجل السيطرة على أجزاء واسعة من سورية بهدف القضاء على دولتها الوطنيّة وتقسيمها، ولا سيّما بعد رفضه المتكرّر الإعلان عن خطّةٍ للانسحاب من الأراضي السوريّة التي يحتلّها، بعد الجهود الكبيرة التي بذلت من الأصدقاء الإقليميّين والدوليّين بهدف تقريب وجهات النظر بين سورية وتركيا، إلاّ أنّ الرئيس التركيّ أرادها مصالحةً دون تقديم أيّ تنازلاتٍ أو انسحابٍ من الأراضي السوريّة التي يحتلّها، ودون أيّ إعلانٍ لوقف تمويل الإرهابيّين في سورية ودعمهم وتدريبهم، لا بل إنّ النظام التركيّ استمرّ خلال الفترة الماضية بتقديم أشكال الدعم والتمويل والتدريب كافّةً للإرهابيّين، ومع أن وزير الخارجيّة التركيّة “هاكان فيدان” حاول التنصّل من علاقة نظامه بالهجوم الإرهابيّ على حلب، خلال افتتاحه جلسة بعنوان “الحرب والنظام”، إلاّ أن سلوك النظام التركيّ ودعمه المتواصل يؤكّد على العلاقة الكبيرة والمباشرة له بما حدث في حلب، ولا سيمّا أنّ الفصائل الإرهابيّة المدعومة تركيّاً لا يمكن أن تتحرّك دون ضوءٍ أخضر من تركيا، وخاصّة في منطقة خفض التصعيد، لا بل إنّ وسائل الإعلام التركيّة نقلت في نيسان 2024: إنّ “وزارة الدفاع” في الحكومة السوريّة المؤقّتة التابعة لما يسمّى الائتلاف الوطنيّ” أعلنت عن قرب افتتاح كليّة عسكريّة في مناطق سيطرتها في شمال البلاد بقدرة استيعابيّة تصل إلى نحو ألف طالب مؤكّدةً أنّ هذه الكليّة يجري تمويلها والتحضير لمعدّاتٍ لها بإشرافٍ تركيٍّ مباشر.
ولمّا أخفقت محاولات عقد لقاءٍ بين الرئيسين السوريّ والتركيّ سارع الأخير إلى دفع مرتزقته للسيطرة على حلب وسواها من المحافظات السوريّة التي طالما أعلن رغبته في السيطرة عليها والتحكّم بها، منتهزاً بذلك التفاهمات التي رضيت بها دمشق نتيجة ضمانات الأصدقاء ومساعيهم، مستفيداً من حالة الهدوء في المناطق المتاخمة لسيطرة الإرهابيّين، وهو الهدوء الذي من شأنه أن يؤدي إلى حالة من الارتخاء والأمان في الصف السوري المقاتل وصفوف حلفائه، وخاصّة بعد الحرب الإرهابيّة الصهيونيّة التي شنّتْ على غزّة ولبنان، وهي الحرب التي أعلن رئيس الوزراء الصهيونيّ “نتنياهو” أنّ قوى المقاومة فيها ما كانت لتصمد وتقاتل لولا الدعم السوريّ الكبير واللّامحدود لها، ولهذا فإنّ هذه الحرب الإرهابيّة على حلب وغيرها من المحافظات الشماليّة في سورية سيكون لها “تداعيات إيجابيّة على إسرائيل” حسب تصريحات المحلّل العسكريّ الصهيونيّ، وهو ما أشار إليه “بنيامين نتنياهو” في الخطاب الذي ألقاه قبيل الهدنة على الجبهة اللبنانيّة الفلسطينيّة، وأعقبه بفعل عدوانيٍّ عسكريٍّ على المعابر الحدوديّة التي تربط سورية بلبنان من أجل وقف الإمداد والتمويل لقوى المقاومة حسب زعمه، لا بل إنّ “نتنياهو” أراد تقطيع أوصال المحور كاملاً تمهيداً لإسقاطه بعد أن اعتقد أنّه أصابه بمقتلٍ بعد تصفية عددٍ كبيرٍ من قادة المقاومة في دول المحور.
ولاتخفي المصادر الأمنية والاستخباراتية الصهيونية فرحتها بالعدوان الإرهابي على حلب وغيرها من المحافظات السورية، بل إنها تنظر إلى ماحدث بصفته مصلحة كبيرة وإنجازا للكيان الصهيوني، وتؤكد هذه المصادر، ومنها صحيفة (هآرتس) العبريّة في عددها ليوم الأحد ١-١٢-٢٠٢٤، بحسب مُحلِّل الشؤون العسكريّة “عاموس هارئيل”، أنّ هذا التقدّم هو بمثابة أخبارٍ ممتازةٍ لدولة الاحتلال، لاسيما وأن هذه التنظيمات الإرهابية لم تظهر أي تهديد للكيان الصهيوني، ولهذا أبدًا بعض القنوات الصهيونية رغبتها بالذهاب إلى حلب لإجراء لقاءات ومقابلات مع الإرهابيين الذين دخلوا مدينة حلب، كما هو حال ” هيئة البث العام” ( قناة كان) الصهيونية والتي أجرت لقاء مع أحد الإرهابيين المشاركين في العدوان على حلب، ويؤكد الإرهابي ” سهيل حمود” ( أبو تاو) لمراسل القناة أن الخشية الصهيونية يجب أن تكون من الدولة السورية وإيران وحزب اللهً وليس من تنظيمه الإرهابي، لأن هذا التنظيم لايشكل خطرا على الكيان الصهيوني.
ومع أنّ “نتنياهو” هدّد سورية في خطابه قبيل الهدنة بمزيد من الاعتداءات، إلاّ أنّ أحداً لم يتوقّع أن تكونَ الاعتداءات على هذا المستوى من التخطيط والتحضير بين تركيا والكيان الصهيونيّ والولايات المتّحدة، حيث دفعت تركيا قوات ما يسمّى “الجيش الوطنيّ” وهي القوّات التي قامت بتأسيسها وتدريبها بشكلٍ مباشرٍ، لتتحالف مع “هيئة تحرير الشام” (القاعدة) المدعومة غربيّاً وصهيونيّاً، للقيام بذلك الهجوم الكبير والعنيف الذي حدث بعد ساعاتٍ من الإعلان عن الهدنة في لبنان، وهو ما يعني الإجهاز على جميع التفاهمات سواء تلك التي حدثت في “أستنه” و التي حدثت بين الرئيسين “بوتين وأردوغان” بشأن سورية، والتي أطلق عليها “نتنياهو” رصاصة الرحمة قبل إعلان الموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار، حيث توعّد سورية والرئيس بشار الأسد شخصيّاً بسبب دعمه للمقاومة، لا بل إنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة والكيان الصهيونيّ وجّهتا صفعةً قويّةً “لأردوغان” من خلال الدعم الكبير للفصائل الكرديّة في سورية والسماح لها بالسيطرة على مزيدٍ من المساحات والمناطق في محافظة حلب مدينةً وريفاً، وهو ما يعني السماح بالتمدّد والتوسّع للمشروع الكرديّ الانفصاليّ التوسعيّ، مع احتمالات تحريك جبهات متعدّدة في الجنوب بدعمٍ من الاستخبارات الأمريكيّة والصهيونيّة وهو ما يتمّ الاشتغال عليه منذ فترة بالتنسيق مع بعض أجهزة الاستخبارات الأخرى.
ولهذا عمدت الولايات المتّحدة الأمريكيّة إلى تقديم مزيدٍ من الدعم إلى الإرهابيّين والانفصاليّين في محافظة الحسكة السوريّة، ولا سيّما ما يسمّى “وحدات حماية الشعب الكرديّ” وهو ما ينسجم مع الدعم الكبير صهيونيّاً للأكراد سوريّاً وإقليميّاً، وهذا من شأنه أن يرسّخ الوجود التركيّ والصهيونيّ في المنطقة وأن يسهم في تقسيم المنطقة من خلال إقامة دويلاتٍ دينيّةٍ وعرقيّةٍ وطائفيّة، وهي المحاولات التي أفشلها الجيش والشعب السوريّ خلال سنواتٍ من الحرب الإرهابيّة التي شُنّتْ عليه، وهو كفيلٌ بإفشالها وإسقاطها من خلال ثباته ومقاومته والوعي الكبير الذي تميّز به الشعب السوريّ تاريخيّاً.