أمريكا وإسرائيل والعرب
كتب / السفير د. عبدالله الأشعل
تتفق أمريكا وإسرائيل على اخضاع العرب واذلالهم تمهيدا لتسيد إسرائيل الكبرى فى المنطقة والقضاء على العروبة ومؤسسات العمل العربى المشترك. وكان عبدالناصر فى الخمسينات والستينات من القرن الماضي يرفع شعارات ضد الاستعمار والرجعية العربية وكان يعتقد أن الرجعية العربية هى أخطر تحدى للامة العربية لأن علاقاتها بالاستعمار علاقة عضوية ثم بعد مأساة 1967 تغاضي عبدالناصرعن العلاقات بين هذه الرجعية العربية وبين الولايات المتحدة على أساس أن هذه الرجعية تقيم رابطا مع الولايات المتحدة يصلح للتفاهم معها ولم يكن عبدالناصر يدرك أن طبيعة إسرائيل تتفق مع الطبيعة الأمريكية فكلاهما اباد سكان البلاد الأصليين .
والحقيقة أننا لم ندرك ذلك إلا بعد انطلاق حملة طوفان الأقصى عام 2023 وسلوك اسرائبل.
وقد أوضحت العقود الماضية أن واشنطن تمكن إسرائيل من العرب حتى أن إسرائيل الكبرى ياملون ان تقوم على خمس دول عربية هى مصر وسوريا ولبنان بالكامل والسعودية بالكامل وثلثى العراق كما أعلنها نتانياهو ومعنى ذلك أن هوية المنطقة تصبح صهيونية بدلا من عربية وتنقلب المنطقة إلى الشرق الأوسط الجديد حسبما أوضح بيريز فى كتابه بهذا العنوان. ومعنى ذلك أن إسرائيل تخطط للمدى البعيد ولا تستعجل التنفيذ .ويترتب على ذلك أن إسرائيل تواجه العرب مدعومة من أمريكا والغرب عموما.
والغريب أن أمريكا تمارس نفوذا طاغيا على هؤلاء العرب لصالح إسرائيل ويترتب على ذلك أن الولايات المتحدة تمكنت من فصل منطق الحكم وامتيازاته ومصالحه وهى مسألة شخصية للحكام وبين منطق الدولة والوطن وأحيانا يتم الانسجام بين الطرفين فى بعض الاحيان ولكن فى غالب الاحيان تتصادم مصالح الوطن وامتيازات النظام.
وقد ظهرت حقيقة العلاقات الأمريكية مع إسرائيل بسبب طوفان الأقصى وأهم دروسه انكشاف هذه العلاقة التى حظيت بجدل حاد بين المثقفين العرب ثم ظهرت حقيقة المشروع الصهيونى وتمسكه بأن فلسطين كلها ملك لهم وانهم لايحتلونها وأن إسرائيل تعتبر أن الفلسطينيين فى فلسطين يخدمونها مقابل الاقامة وأنصع دليل على ذلك هى الفرق بين المواطنة والجنسية فى إسرائيل فالفلسطينييون داخل الخط الأخضر يحملون الجنسية الإسرائيلية ولكن لا يتمتعون بالمواطنة الإسرائيلية ويترتب على ذلك أن حق العودة إلى فلسطين تنكره إسرائيل على الفلسطينيين ولا تعترف إلا بحق عودة اليهود أى الصهاينة الذين أطلق عليهم اليهود فى الشتات فكأن أصلهم فى فلسطين وأن إسرائيل مكلفة باستقدامهم إلى أرضهم.
ودرس آخر من دروس طوفان الاقصى الكثيرة أن إسرائيل تحارب على كل الجبهات وأن ما يشاع عن معارضة الإسرائيليين لبعض سياسات نتانياهو غير صحيح فكلهم على قلب رجل واحد لتحقيق الحلم الصهيونى وهو إسرائيل الكبرى التى تتسيد المنطقة وتكون الآمر الناهى فى ملفات المنطقة ويكون العرب خدما لهم .
هذه هى الصورة النمطية التى تتصورها واشنطن لإسرائيل خلال العقود القليلة القادمة.
ثبت أيضاً أن العلاقاة بين واشنطن وإسرائيل ليس فقط علاقة عضوية وكان الجدل محتدما بين الباحثين العرب حول من يستخدم من إسرائيل أم واشنطن وقد ثبت أن واشنطن صنعت إسرائيل لكى تكون حارسا لمصالحها فى المنطقة وقد ظهر أن إسرائيل وفية للمصالح الأمريكية وان كان قراراها مستقلا ظهر ذلك فى أزمة أوكرانيا حين قررت إسرائيل أنها القاعدة المتقدمة للغرب ضد روسيا ولذلك لابد أن روسيا تضع فى اعتبارها فى الحرب العالمية القادمة هذه الحقائق .
وقد نصح بعض المثقفين الأمريكيين روسيا بأن تزود اعداء الولايات المتحدة بأسلحة متقدمة كما زودت واشنطن اوكرانيا بصواريخ خطيرة لضرب العمق الروسى .هذا الموقف هو الذى استفز بوتين خلال الاسبوع الثالث من نوفمبر 2024 وكشف عن نيته باستخدام الاسلحة النووية التكتيكية وان كان كثير من الخبراء يعتبرون تصريحات بوتين من قبيل التحذير وليست كشفا عن نية حقيقية فى استخدام الأسلحة النووية لانه يعلم أن الحرب القادمة إذا استخدمت فيها الاسلحة النووية ستكون نهاية العالم .
ومعنى ذلك أن نظرية توازن الرعب النووى لم تعد مقبوله . فالردع لا يمكن أن يكون نوويا وان كان لايزال هناك اتحاه فى العلاقات الدولية تجسده إسرائيل وهو أن حيازة الاسئلحة النووية دون استخدامها تردع كل الاطراف التى تنوى مهاجمة الهدف المعين بدليل ام واشمطن تجرات علي احتلال العراق بعدما تاكدت عدم حيازة العراق لاي من اسلحة الدمار الشامل.
وقد قطعت الولايات المتحدة شوطا طويلا فى توثيق العلاقات الإسرائيلية مع الدول العربية ففى الموجة الأولى كانت مصر والأردن ومنظمة التحرير وفى الموجة الثانية كان المغرب والسودان والبحرين والامارات. وتسعى واشنطن جاهدة نحو تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل ولكن طوفان الأقصى هو الذى عطل ذلك بشكل مؤقت واعتقد أن السعودية متحمسة لهذا التطبيع خاصة بعد توحش إسرائيل واصرار نتانياهو على التخلص بشكل نهائى من المقاومة العربية لاسرائيل.
والحق أن العالم العربى منقسم حول اسرائيل فى وقت السلم ووقت الحرب. ففى وقت الحرب كانت مصر رأس الحربة وحولها العالم العربى كله ثم خلال حكم أنور السادات اتجهت مصر رغم المعارضة العربية إلى الصلح المنفرد مع إسرائيل ثم سارت الدول العربية على درب مصربعد ذلك وآن الآوان لأن نراجع شعارات عبدالناصر فالرجعية العربية تشير إلى الدول الملكية أما الأن فإن السعودية تتقدم العرب والمسلمين كقوة إقليمية ونرجو منها أن تعلى راية الإسلام والعروبة ولا تشترك فى تمزيقها عن طريق التطبيع مع إسرائيل فالمسؤولية الاخلاقية للسعودية تعلو المصالح الاساسية مع الولايات المتحدة كما تعلو بعض المشاعر السلبية اتجاه مكونات الوضع العربى .