في النصر والمقاومة والدولة
كتب / د. بلال اللقيس
لا يصح التواضع في غير محله. من حقنا أن نفتخر وأن نعلي الهامات وأن نقولها بوضوح : نعم لقد كنّا أمام نصر الهي بكل ما للكلمة من معنى يفوق بمجرياته وأبعاده ونتائجه ما جرى في حرب تموز 2006. كانت قوى الهيمنة ووكيلتهم أو بالأحرى عميلتهم الرئيسة في منطقتنا في قمة التحّفز، رأوها فرصة العمر !! للقضاء على حزب الله والمقاومة كمقدمة حاسمة لتغيير المنطقة وتهاوي ساحاتها، والمفاجأة أنّ النتيجة جاءت مخيبة ومحبطة. حزب الله والمقاومة لا يهزم حتى في ظروف مثالية لأعدائه !! بل الوقائع تقول أنّه يزداد تجّذراً ونفاذاً وتدّفقاً في عقول وقلوب الأجيال حيث محل الصراع الحقيقي، فكل جيل يلي يلاحظ أنّه أكثر استعداداً وحافزية وتصميم للقيام بالمهمة التاريخية واستكمال البناء. في بيئات المقاومة كلمة واحدة تتردّد : ليس المطلوب إلاّ مزيدا من بناء القدرة والاعتماد على النفس لصناعة غد أفضل وحماية قيمنا وبلدنا ومقدساتنا ومستقبل أمتنا، والفرصة لهزيمة “إسرائيل” تزداد وضوحاً بعدما تبيّن أنّها عدو يعجز أن يثبت لأيام بمفرده دون دعم أنظمة الغرب المفتوح عسكرياً وسياسياً، لكنّ كل شيء في تحول والغرب ليس بمنأى عنه) وصل بها الحال مؤخراً بالضيق أمام شعوبها والمساءلة عن قيمهم التي تهاوت وتزايد كره العالم لهم، ومفارقات مصالحهم).
ما جرى بالأمس قد يكون الأخطر في تاريخنا الحديث، هو نقطة تحول كبرى !تعني فيما تعني أنّ المقاومة في لبنان حجة دامغة على العالم،ملكا لكل حّر لا لشعب لبنان فقط، حجة تصفع الوجوه العربية الكالحة وتقّلص شرعيات حكوماتهم، هي تفرض عليهم التفكير بطريقة مختلفة لأنّه عندما يعجز الغرب عن حل مشاكله مع عدّوه فإنّه ببراغميته المعهودة إمّا سيفاوضه أو يحّل مشكلاته على حساب حلفائه إمّا الإثنين وإمّا قد يختار الصراع المفتوح الذي سيكونون وقوده. كل هذا تخشاه بعض الأنظمة العربية الحليفة لأميركا اليوم. وأنّ المقاومة حجة فيما يعني أنّ الحفاظ عليها وتقويتها ومدّها بالقوّة والقدرة صار مسؤولية ليس أهلها فحسب بل كل عربي صحيح وكل ساع لسيادة ومريد لتحّرر. أن تقف مقاومة ببضعة مئات من مقاوميها ومن خلفها مجتمع بهذا العزم والثقة والجاهزية للفداء والتضحية والبسالة أن تقف فتصّد أكبر هجوم غربي في التاريخ الحديث على لبنان وعلى شعوبنا بالأداة الإسرائيلية لهو أمر أشبه بمعجزة !.
لذلك لا بأس من وقفات وتأمل على مكث :
ـ أولاً: ثبت أنّ حزب الله أكثر تجّذراً في قلوب أهله من أي أمر، وأنّهم أي أهله أعانوه عندما تعثّر وأخذوا السهام بصدورهم دفاعاً عنه الى أن عاد ونهض وتسنّم المبادرة في الميدان بما يؤشّر أنّ شيفرة هذه المقاومة هي هذا المجتمع الواعي والفاهم لأهدافه والعارف بعدّوه وإستهدافاته والمؤمن بمشروعه إيماناً حقاً والجاهز للتضحية من أجل أهدافه فهو صاف في ارتبابطه وتعّلقه واعتقاده مع مقاومته وليس طارئاً أو منفعلاً، المقاومة بالنسبة اليه ليست خيار الضرورة فقط بل اختيار أيضاً !. وما روّجه بعض الإعلام اللبناني والخليجي والعلماني والوشاة أنّ علاقة حزب الله ببيئته تتأتّى من خلال المؤسسات الإجتماعية والدعم وأنّه لو كان هناك بديلاً عنه لتخلو عنه أو أنّه مجتمع يعيش عصبية. كل ذلك سقط بالضربة القاضية، هم تحرّكوا من أجل مظلومي العالم في فلسطين وقدسية الانسان أولاً وهم تحملوا التبعات لوها الى المقصد ودافعوا بأشلاء أبنائهم وأطفالهم ولم ينكسروا أو يهنوا وكانوا متصالحين مع الطبيعية والأنفس الحرة. وقفت تلك الأمّ تقول لإبنها الذي فقد عيناه في ضربة البيجر بينما كان الأطباء يكشفون عليه، لتقول له : “يا بني ما أجملك، إنّي أرى عيناك أجمل ممّا كانوا !!”. المجتمع والمقاومة صنوان لا امكانية لانفكاكهما وقد أثبتت الحروب وآخرها هذه الحرب أنهما واحد لدرجة لم يعد يصح القول “المقاومة وبيئتها” فالمقاومة هي البيئة، المقاومة بالنسبة لهذا المجتمع هويته و”يوسفه” وأغلى مواليدهم الذي انتظروه لقرون، ولا يمكن ولا يقبل أن يتخّلى عنها، فوجوده مقرون بها ومقترن بتقدمها، إنّها باختصار هويته ومعنى حضوره وحياته، هذا المجتمع لا يفهم الحياة دعة ولا بحثاً عن موقع ومنصب يعطاه أو يمّن أحد به عليه، هذا المجتمع يفهم الحياة مسؤولية وتحّررا وانعتاقاً وتحريراً ورسالة وكرامة وعزّة.