القنيطرة الخطيئة الكبرى …
كتب / اسيا العتروس
مع سقوط كل نظام عربي جديد ومع بداية كشف المستورعما خفي من السجون والاقبية والمعتقلات المخصصة للمعارضة من نساء أو رجال سياسيين أو اعلاميين أو فنانين تعود الى السطح التساؤلات القديمة الجديدة عما اذا كان فساد الانظمة و ظلمها واستبداها وطغيانها ودهسها لكرامة الشعوب وانسانية مواطنيها مسألة جينية تسري في عروق الحكام العرب الذين يقتحمون عالم السياسية بالوعود والاحلام العريضة بتحقيق العدالة والحرية و الكرامة للجميع قبل ان يسقطوا كل ذلك من حساباتهم و يتحول الهدف الاهم في ضمان استمرارالسلطة لدى العائلة الحاكمة لتتحول بقدرة قادرالى “جملوكيات “جمهوريات ملكية متوارثة بين الاباء و الابناء و الاصهار قبل ان تأتي الضربة القاصمة من حيث لا يتوقعون وفي الوقت الذي يعتقدون أنهم محصنون على الدوام , أما السؤال الثاني الذي لا يجد له جوابا مقنعا وهوليس بمناى عن الثاني ويتعلق بدعم الانظمة والحكومات العربية للقضايا المصيرية و تحديدا للقضية الفلسطينية وهل يفترض ذلك تجاهل حق الشعوب في الاصلاح وفي الديموقراطية و في التداول السلمي للسلطة وهل ان دعم القضية الفلسطينية يعني الاحتكام للقهر والظلم أما السؤال التالي الذي لا يمكن اسقاطه هل قدرالشعوب العربية والاسلامية أن تختار بين السيئ والاسوأ وان تظل رهينة الوباء والكوليرا فاما حكم بوليسي قمعي تلاحق مخابراته الناس بكل ما يعنيه ذلك من خنق للحريات وكتم للانفاس أوحكم ظلامي يحاكم ضمائر الناس ويجعل من كلام الله ذريعة و مظلة يصادرون بها الحق في الحياة ويأولون ما فيه وفق شهواتهم و افكارهم السوداوية التي تنشرالجهل والعبودية والتخلف ..وهذا واقع سوريا اليوم مهما انتشينا بمظاهرالفرحة والابتهاج بسقوط نظام البعث بعد ستة عقود من التسلط وفتح ابواب السجون و فضح ما يجري من فظاعات داخلها ..
كان لا بد من هذه المقدمة حتى نصل الى القنيطرة و ما جرى للقنيطرة من اعادة احتلال اسرائيلي بعد اربعة عقود على تحريرها في الساعات التي تلت سقوط نظام الاسد و اعلان هروبه الى روسيا ..أتحدث عن القنيطرة التي زرتها و تجولت في ارجاءها قرية مهجورة تركها سكانها قسرا بعد الحرب واستعادتها سوريا في 1973 رو لكن الاسد الابد اختار ان تظل القرية المطلة على الجولان وعلى جبل الشيخ خالية من السكان قرية القنيطرة بها مسجد واحد و كنيسة واحدة و عدد من البيوت و كلها محترقة نتيجة القصف الاسرائيلي الذي حولها الى خراب تماما كما يفعل اليوم في غزة , النظام السوري اختار عدم اعمار القنيطرة و حولها الى مزار لكل مسؤول اوروبي او اجنبي يزور سوريا لاطلاعه على ما اقترفه جيش الاحتلال الاسرائيلي و ربما اعتقد نظام الاسد انه بذلك سيحقق العدالة و سيكسب تضامن و تاييد الرأي العام الدولي و يستعيد القنيطرة كاملة و معها الجولان و لكن لا شيء من ذلك حدث وكل من يزور القنيطرة يبدي امتعاضه وحزنه للمشهد ولكن لا نتائج لذلك على أرض الواقع ..وأذكر أني خلال زيارة الى القنيطرة وكان معنا انذاك ضمن مجموعة من الصحفيين العرب الاستاذ جورج حداد من الاردن وهاني وفاء من السعودية وخلال لقاء مع احد المسؤولين في المنطقة سأله الصحفي جورج حداد المعروف بجرأته لماذا لا يتم اعادة بناء وأعمار القنيطرة واعادة سكانها اليها ليزرعوها ويزيلوا ما بقي من اثار
العدوان ..وأن الفكرة أن يتم حفظ تلك الاثار في متحف يخلد مأساة القنيطرة تماما كما فعل اليابانيون في هيروشيما بعد أن قصفها الامريكيون لاول مرة بالقنبلة الذرية ..ما حدث أن القنيطرة ظلت خالية من السكان بلا حياة بلا صوت بلا موسيقى بلا نغم أو نبات أو زرع بلا ورد أو بناء أو تشييد أو مدارس أو اطفال بحيث اذا رفع أهل المستوطنات رؤوسهم لن يروا هناك أحد يزعجهم أويهدد وجودهم و هذا ما كان عليه الحال طوال عقود وهذا ما جعل ناتنياهو يستغل الفراغ الحاصل ويستبق الاحداث ويعجل بارسال قواته الى القنيطرة للسيطرة عليها في ساعات , ولو كان هناك وجود بشري في القنيطرة لما كان كيان الاحتلال تجرأ على هذه الخطوة ولحسب ألف حساب وحساب قبل احتلال القنيطرة وجبل الشيخ و الاقتراب من العاصمة السورية دمشق …
ad
كثيرة هي الماسي التي صنعها نظام البعث السوري على مدى نصف قرن من الاسد الاب الى الاسد الابن , وأحد هذه الماسي مدينة القنيطرة التي عاد جيش الاحتلال ليفرض عليها سيطرته خلال ساعات من سقوط نظام الاسد … واذا كان الاول عرف نهاية طبيعية على أرضه فان الثاني عرف نهاية مذلة سيسجل التاريخ أنها اللعنة التي ستلاحق بشارالاسد في ملجئه الجديد في روسيا التي نقتله بسرية مطلقة و جنبته مصير مبارك من قبله والقذافي وعبد الله صالح والبشير وبن علي و قبل ذلك مصير صدام ..
قبل تسليم القنيطرة قامت اسرائيل بتدميرها بالكامل و حولتها الى مدينة أشباح، مستخدمة في ذلك المتفجرات والجرافات الثقيلة, المدينة التي تأسست في العهد العثماني كانت بمثابة نقطة عبور للقوافل إلى دمشق التي تبعد عن العاصمة بمسافة 60 كيلو مترا، و قبل تدميرها من الاحتلال كانت تضم اكثر من ستين الف نسمة ..
دمرالاحتلال الاسرائيلي خلال ساعات ثمانين بالمائة من القدرات الدفاعية للجيش السوري الذي تبخرو تحول الى اثر بعد عين و تخلى عن مختلف مواقعه أمام تقدم المسلحين من ادلب الى حماة وحلب وصولا الى العاصمة السورية دمشق …
بعد اسبوع على سقوط نظام الاسد وهروبه الى روسيا لا يزال المشهد السوري محاطا بالغموض …سقوط النظام كان الاسهل في مسار يصعب التكهن به ..و يبقى الاعقد والاصعب فيما بعد سقوط النظام السوري و ما ستكون عليه سوريا بعد انتهاء الاحتفاليات واعلان قائمة الاولويات فاما دولة سورية مدنية على كل تراب سوريا واما مقاطعات كمماليك الطوائف …