سوريا… والتجربة العراقية
كتب / الدكتور محسن القزويني
يحتدم النقاش هذه الايام حول السيناريوهات والخيارات المتاحة امام الشعب السوري لرسم مستقبله، و اصبح الكل يدلو بدلوه حول كيفية تحقيق الاستقرار والعدالة في هذا البلد العربي ، ولما كانت الحالة السورية تشبه الى حد بعيد الحالة العراقية في 2003 نرى ان التجربة العراقية التي خاضها الشعب العراقي بمساعدة الامم المتحدة ومباركة المرجعية الدينية العليا هي احدى السيناريوهات التي يمكن ان يسير وفقها الشعب السوري لنيل اهدافه المشروعة في تحقيق الامن والاستقرار والعدالة.
فقد مر العراق في مخاض عسير حتى استطاع ان يحقق الاستقرار والعدالة النسبيين وان يصبح لديه دستورا وحكما مدنيا بعد الكثير من الاخطار التي واجهته والتي هددته بالتقسيم والحرب الاهلية وعودة الديكتاتورية مجددا. فاول خطوة قام بها العراق هو تشكيل مؤتمر بغداد في 28-4-2003 الذي حضره اكثر من 1300 شخصية عراقية من مختلف الطوائف والاحزاب والمحافظات العراقية، وكان هذا المؤتمر بمثابة الركيزة الاولى للمصالحة بين فئات الشعب العراقي واقرار المبادئ الاساسية لبناء مستقبل العراق في التعددية والحرية والعيش المشترك بين فئات المجتمع العراقي .
وفي 14-10-2004خطى العراق خطوة ثانية نحو ترتيب وضعه السياسي والقانوني بتشكيل المجلس الوطني العراقي المتكون من 100 شخصية عراقية تم اختيارهم ممن حضر مؤتمر بغداد ، ويعد المجلس الوطني برلمانا مؤقتا تم فيه تشكيل الحكومة الانتقالية برئاسة السيد اياد علاوي الذي قام بادارة البلد واجراء الانتخابات لتشكيل الجمعية الوطنية العراقية التي تعتبر اول مؤسسة منتخبة من قبل الشعب العراقي والتي قامت بمهمتين اساسيتين، الاولى: تشكيل السلطات التنفيذية من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، وقد تم انتخاب السيد جلال الطالباني رئيسا للجمهورية ممثلا عن الاكراد والدكتور ابراهيم الجعفري ممثلا عن الشيعة رئيسا لمجلس الوزراء و الدكتور حاجم الحسني رئيسا للجمعية الوطنيه ممثلا عن السنة وهكذا جرى العرف السياسي على توزيع هذه المناصب الثلاثة بين المكونات الثلاثة التي تشكل الطيف العراقي.
اما المهمة الثانية: للجمعية الوطنية العراقية فهي كتابة الدستور العراقي الدائم وقد تم انتخاب 55 عضوا من اعضاء الجمعية الوطنية لصياغة الدستور العراقي وخلال فترة قياسية من عمر الجمعية الوطنية تم كتابة الدستور العراقي وتم نشره على صعيد واسع والتثقيف ببنوده في اجتماعات جماهيرية واسعة لغايه يوم الاستفتاء في 15-10- 2005 والذي جرى باشراف الامم المتحدة وبعد عشرة ايام من فرز الاصوات تم التصويت على الدستور بمشاركة9,852٫291 مواطن كان المطلوب منهم ان يكتبوا على ورقة الاقتراع كلمة نعم او لا ، فكانت الحصيلة ،78٫52% قالوا نعم للدستور و 21٫41% قالوا لا للدستور. وهكذا وخلال سنة ونصف من السير في العملية السياسية اصبح للعراق دستورا ينظم الحياة السياسية والاقتصادية والقانونية للبلاد، ويحقق العدالة الاجتماعية والرفاهية الاقتصادية، وقد اشاد الخبراء واساتذة القانون الدستوري باهمية الدستور العراقي في تحقيق التعايش السلمي بين مكونات الشعب العراقي، فقد حال هذا الدستور دون تقسيم العراق عندما اقر الفيدرالية كمبدا دستوري وحال دون الانزلاق الى حرب اهلية عندما اعتمد التعايش السلمي باعطاء كل صاحب حق حقه، والنظر الى ابناء الشعب العراقي بعين واحدة في المساواة امام القانون و في تكافؤ الفرص.
من هنا فمن الضروري ان يضع قادة سوريا اليوم هذة التجربة امام خيارات المستقبل لبلادهم حفاظا على التراب السوري من الانقسام ولتحقيق العدالة المنشودة وتجنيب بلادهم الصراعات السياسية والعسكرية وتذويب افراد المجتمع في بودقة الوطن الواحد.