تزييف الإعلام العربي..!
كتب / د. عامر الطائي
نتحدث اليوم عن ظاهرة خطيرة تمس جوهر الوعي العربي، ظاهرة لها أثر مدمر على عقول الأجيال وعلى فهمنا للواقع، وهي تزييف الحقائقعبر الإعلام العربي.
هذا الإعلام الذي يضلل الرأي العام ويشوه الوعي الجمعي، ليس لتحقيق أهداف نبيلة، بل لخدمة أجندات خفية ومصالح قوى استعماريةوطائفية.
ولعلّ من أبرز من يمكن أن نستلهم منه رؤية عميقة لهذا الموضوع هم مفكرونا المعاصرين الذين تأثروا بالنجف وقم ولبنان .
ان اغلبهم رغم ما واجهوه من معاناة وصعاب، رواد في نقدهم للأوهام والتضليل، ودعاة إلى حرية التفكير والشفافية الفكرية .
لقد أدركو أن تحرر المجتمعات لا يمكن أن يتحقق طالما أن العقول مكبلة بأصفاد التزييف والخداع الإعلامي.
وها نحن اليوم نعيش واقعاً ينطبق عليه الكثير مما حذرو منه هؤلاء المفكرون العظماء ؛ واقع تسعى فيه بعض القنوات إلى صناعة قادة منورق، وإلى تقديم المجرمين على أنهم أبطال، وتبرير الجرائم على أنها مواقف بطولية.
إن الإعلام العربي في كثير من الأحيان يصنع سرديات كاذبة تخدم مصالح قوى طامعة تسعى إلى فرض سيطرتها على الشعوب.
هؤلاء الذين ارتكبوا جرائم بشعة بحق الأطفال والنساء، والذين شاركوا مع أخطر التنظيمات الإرهابية، يتم تلميع صورتهم كأنهم رموز للقوةوالشجاعة.
لكن هذا التزييف ليس بريئاً، بل هو تزييف ممنهج يهدف إلى خلط الأوراق وطمس الحقائق، كي يظل المواطن العربي مشوشاً، فاقداًللبوصلة.
التاكيد والإشارة إلى أن التزييف الإعلامي هو امتداد لثقافة الجهل والتبعية التي حاربها العلماء طوال حياتهم. كانوا يدعون إلى استخدامالعقل كأداة للتحرر، وها نحن بحاجة اليوم إلى إحياء هذا المبدأ؛ أن نقرأ ونحلل ونشكك فيما يُبث إلينا من معلومات، وألا نكون ضحاياللانقياد الأعمى.
إننا في العراق – وقد ذقنا مرارة الدمار والخراب من جرائم صدام، ومن بعدها من جرائم الإرهاب المتعددة الأوجه – نعلم جيداً خطورةالإعلام الذي يبرر الظلم ويصنع الأوهام.
دماء الأبرياء لا تُغسل بكلمات منمقة، وصرخات المظلومين لا تُسكت بتقارير مزيفة. الحقيقة لها صوتها الذي لا يصدأ، مهما حاولوا إخفاءه أوتحريفه.
إننا مطالبون اليوم، كمثقفين وأكاديميين وكمجتمعات واعية، بأن نقتدي بفكر طه حسين وبأمثاله من مفكري النهضة الذين لم يخشوا قولالحق في وجه الظلم.
علينا أن نكون حراساً للوعي، وألا نسمح للإعلام الزائف أن يخدعنا أو يسرق عقولنا. فالتقدم الحقيقي لن يتحقق إلا من خلال إعلام صادق،يُظهر الحقيقة كما هي، دون تزييف أو تحريف.
فلنضع نصب أعيننا دائماً كلمات طه حسين: “إن العقلية السليمة لا تقبل أن تكون أسيرة للأوهام”، ولنعمل جميعاً من أجل تحرير العقولوبناء مجتمعات تستند إلى الحقيقة والعدل.