فضائح وأرقام تكشفها الحسابات الختامية لمصرف الوركاء
كتب / د. باسل عباس خضير
مصرف الوركاء من المصارف الأهلية العراقية تأسس عام 1999 برأس مال قدره 500 مليون دينار ، وخلال مسيرته جرت العديدة من الزيادات على رأسماله ، ففي عام 2009 أصبح 75 مليار دينار وحصلت زيادة أخرى عام 2010 ليبلغ 105 مليار دينار بطريقة رسملة الإرباح المحتجزة وفتح باب الاكتتاب ، ومنذ 2009 و2010 أخذت مشكلات الوركاء تطفو على السطح حيث امتنع عن تسديد سحوبات المودعين وبعدها خضع لوصاية البنك المركزي العراقي ثم أعيد نشاطه من جديد وبعدها بقي على حاله يغرق نفسه بالوعود و تقلص نشاطه وتوارى عن الأنظار ، فبعد أن كانت له 119 من الفروع داخل وخارج العراق أصبحت فروعه 6 ولم يظهر منها سوى فرعها الرئيسي الذي اخذ يتنقل من مكان لآخر حتى استقر الآن في منطقة المنصور / بغداد ، وخلال 15 عام غابت شفافية المصرف اتجاه العملاء فلا خبر ولا نشاط ولا موقع الكتروني ولا ميزانية ولا حسابات ختامية ومجلس الإدارة يعقد جلساته بتكتم في اربيل في حين إن مقره بغداد ، ورغم إن للمصرف مجلس إدارة ومدير مفوض إلا أنهم محجوبون عن المراجعين والوجه الظاهر للعيان موظف يسمونه ( ابو .... ) ، وواجباته إعطاء الوعود وعدم إيفائه بما يقول فحين تستمع لما لديه تجد الأمور بكل خير ولكن واقع الحال بحالة تردي من عام بعد عام إلى أسبوع بعد أسبوع ، وتماشيا مع دعوة المئات من المودعين في هذا المصرف ممن احتجزت أموالهم عن السحب منذ 2009 ولغاية اليوم ، فقد بحثنا بواقع حال هذا المصرف من خلال حساباته الختامية لعام 2023 والتي وجدنا فيها العديد من الفضائح والمغامرات .
فرأس مال المصرف كان 75- 105 مليار ( في سنة النكول ) ولكن حساباته الختامية تظهر أرقاما جديرة بالاهتمام منها : إن قيمة الموجودات 432 مليار منها 346 مليار تسهيلات ائتمانية لم يتم تصنيفها ( مؤكدة ، مشكوك بتحصيلها ، معدومة ) ، و أن اكبر المطلوبات على المصرف هي الودائع بقيمة 334مليار ومطلوبات أخرى بقيمة 98 مليار و مقدار العجز المتراكم 260 مليار ، وخلال عام 2023بلغ مجموع المصروفات 2 مليار و868 مليون منها مليار و467 مليون رواتب ومنافع للعاملين ، ويقابل هذه المصروفات إيرادات بمقدار 6 ملايين دينار فقط ، كما تظهر إن حجم الودائع 334 مليار دينار للحسابات الجارية والثابتة والتوفير ، منها 184 مليار تعود للأفراد و92 مليار للشركات و57 مليار تعود للجهات الحكومية ، ورغم هذه الأرقام الكبيرة فان قيمة موجودات النقد لدى البنك المركزي هي 3,5 مليار وان مجموع موجوداته الأخرى بما فيها العقارات 81 مليار ، وهنا يتبادر السؤال إذا كانت الودائع 334 والموجودات 81 فأين ذهبت أموال المودعين ؟ ، والجواب إنها ذهبت لأرصدة ائتمانية بقيمة 352 مليار وهي عبارة عن قروض قدمت للغير ولم تسترجع بعد ومنها خطابات ضمان قدمت للفاسدين للتقديم على مناقصات لمشاريع أكثرها متلكئة وهاربة عن الأنظار ، ويبلغ عدد المقترضين (542 ) منهم 23% بقروض تقل عن 2 مليار و77% بقروض تزيد عن مليارين دينار ووجد إن ربع القروض المقدمة بدون ضمانات والنسبة المتبقية بضمانات متنوعة ، والإجراءات المتخذة لرد القروض بعضها أصدرت المحاكم قراراتها بردها وبعضها الآخر قيد الدعاوى او لم تتم الدعاوى بعد ، وبشكل عام فان الحسابات الختامية للوركاء لعام 2023 لم تشهد ما يشير إلى إمكانية إعادة أموال المودعين ، فحتى قراره بزيادة رأس المال إلى 271 مليار دينار من خلال التدوير و والاكتتاب باسهم مقدارها 166 مليار( منها 45 مليار سهم عن قيمة عقاراتها ومنح المصرف قرضا بعد حجز ورهن عقارات بقيمة 80 مليار لصالح البنك المركزي العراقي ) ، يمكن أن يواجه ببعض التساؤلات فالقيمة الاسمية للسهم الواحد عند الاكتتاب هي ( 1 ) دينار في حين إن القيمة التداولية للسهم في سوق العراق للأوراق المالية في جلسة الأربعاء 18 / 12 / 2024 كانت بمعدل 280 فلس أي بأقل من قيمته الاسمية بكثير فمن يكتتب لزيادة رأس المال .
وهناك أرقام كثيرة عن تلك الحسابات لا نريد الدخول في تفاصيلها لأنها تشكل بالفعل مصدرا لإحباط المودعين الذين ينتظرون استرداد أموالهم أودعوها في مصرف مجاز رسميا ولا يزال عاجزا عن تسديدها كلا او جزء ، فاغلب أموال الإيداعات تحولت إلى تسهيلات ائتمانية وأكثرها قروض لم تسدد وان مبلغ الاحتياطي للمصرف في البنك المركزي لا يشكل رقما يثير الاهتمام كما إن ما تبقى من موجودات وعقارات المصرف تم رهنها للبنك المركزي لقاء القرض لزيادة رأس المال ، ومن حق البعض أن يتعجب عن أسباب ( الغفلة ) عن مراقبة أعمال الوركاء طيلة تلك السنوات فالوضع باق رغم تعاقب خمس وزارات على حكم البلاد ، والبنك المركزي وغيره من الجهات المعنية لم يجيبوا كيف يقدم المصرف تلك التسهيلات التي تفوق رأسماله و موجوداته بكثير؟ ، وكيف تم التصرف بأموال الإفراد والشركات والجهات الحكومية من الإيداعات في ظل وجود جهات رقابية يفترض بها مراعاة المحافظة على المال العام والخاص للمودعين ، فهذه الحالة تؤثر على الشعور بالأمان والاطمئنان على أموال المودعين بأي من مصارف البلاد ، فهل هي مصارف أم صالات مراهنة وقمار بحيث تعطى الأموال بدون ضمانات أكيدة بالفعل ، وإذا كان هناك من يعول على زيادة رأس مال المصرف وحصوله على قرض بقيمة 45 مليار دينار بضمان الموجودات فلماذا لا يعيد المصرف نشاطه تدريجيا فربما يعيد جزءا من الأموال ؟ ، إن السؤال الملح الذي يجب أن تهتم به أجهزة الدولة ( رئاستي الجمهورية والوزراء ، مجلس النواب ، الرقابة المالية ، البنك المركزي ) ألا يشكل الخرق بحقوق وأموال المودعين مخالفات للدستور والقوانين التي تحكم عمل المصارف ؟ ،ولماذا لا نجد مجلس الإدارة والمدير المفوض وغيرهم في قفص الاتهام لتماديهم في المغامرة بأموال المودعين أفرادا وشركات ؟ ، ويبدو إن أصوات المودعين لم تحرك فعل المسؤولين المعنيين فالتظاهرات والمسيرات والرسائل الإعلامية التي تكررت لمرات ومرات والتي طرقت فيها الأبواب ولم يجدوا فيها حلا يعيد الأموال ، أنها دعوة من مواطنين موجهة للجميع لكي يؤدوا واجبهم ويكونوا خير ناطور للعراقيين ، فالسماح بهدر أموالهم توفي بسببها البعض وتحول البعض الآخر لمعوزين كما عجز الكثير عن مداواة إمراضهم لعوزهم للأموال والوركاء لايزال حيا يصول و يجول بالاسم بلا معالجات ، انه التماس لمن يعنيهم الموضوع لمعالجة الأمور والاقتصاص من المقصرين ، وهناك روائح تنتشر في الأثير تشير بوجود تواطؤ وفساد بما يزكم الأنوف والنفوس .