المقالب في الاعلام واختلاف الثقافات
كتب / ا.د عبودي جواد حسن
ظهرت حديثا فكرة المقالب الترفهية في وسائل الاعلام المرئية-المسموعه حيث يوهم صاحب الفكرة التلفزية المشارك في المقلب انه وقع في مأزق غيرمتوقع ويكون رد فعل هذا المشارك قوي فيما المشاهد على علم بترتيبات المقلب حيث يكون على اطلاع مسبق بالورطة التي يقع فيها المشارك. والمقلب في الواقع ما هو الا متاجرة بوقت تعاسة وحيرة من يقع فيه ويؤدي الى ترفيه المشاهد-أي ان هذه البرامج تبيع الاضحاك الى المشاهد- أي بيع لحظة حيرة وتورط المشارك او لحظات تعاسته وشعوره بالمازق الذي أحيانا يتحول الى كابوس بالنسبة الى المشارك او المتورط.
برامج المقالب ما هي الا انعكاس لثقافة وحضارة الشعوب وتبيان لطبيعة ودرجة ردة فعل المشارك حسب الظروف كاختلاق الاتهامات و الادعاءات والتبلي والانتماء المزيف والحجج غير الواقعية ويختلف المقلب باختلاف القوميات وثقافتها وتمدنها وحضاراتها وغيرها. وتختلف درجة ردة فعل المشارك من المقلب باختلاف ثقافات المشاركين.
في عصرنا الحال لم تعد الحدود الجغرافية مانعا لمن يريدون تحسين ظروفهم الاقتصادية والعيش بامان وبسلام في بيئات افضل ابتعادا عن الفوضى والاضطرابات السياسية ولكنهم بطبيعة الحال ظلوا يتمسكون باعرافهم وتقاليدهم الثقافية والدينية فتخالطت الاقوام وتزاوجت ولكن يبقى الاختلاف الثقافي عادة بينها. ونتيجة لذلك ردات فعل المشاركين في المقلب تختلف في طبيعتها ودرجتها باختلاف الانتماء الثقافي الأصلي للمشاركين. فمنهم من يعتبر المازق الذي وقع فيه تحرشا واستفزازا وفي اقصى صوره تعديا ويتطلب ردا عنيفا حتى لو كان مهينا اوبدنيا. فمثلا مشاهد لفيديو في منصات التواصل الاجتماعي يظهر مقلبا لمهاجرة من افريقيا تعيش في مدريد مرت هي وزوجها من امام متجر كبير كانت في باب مدخله الرئيس نبتة زينة يختبىء داخلها بشكل متقن رجل أوروبي وكان يظهر فجاءة كمقلب فيخيف المارة وكان الناس يقابلون هذا الفعل بعد رعب وجيز بالضحك فيما قامت هذه السيدة بخلع نعلها واردت صفعه ولكن منعها زوجها كما يبدو.
هذه السيدة الافريقية شعرت بالاهانه لانها ارتعبت فيما لم تدرك سريعا ان ما جرى هو مزحة للاضحاك والرجل الأوروبي لم يكن يقصد ارعابها هي بالذات.
في بعض دول المنطقة العربية حيث تقل الفروقات الثقافية أصبحت برامج المقالب من المسائل الرائجة والشائعة في الاعلام المريء ولكن تجاوزت حدود الارعاب الوجيز ويتم اعدادها وصياغتها على أساس مخاطبة ثقافة مجتمعية واحدة في الغالب وبدا الاضحاك في زمن العولمة ياحذ طابع الاستفزاز الجارح المقصود والتمادي باطالة مدة المازق بالنسبة للمشارك وتشخيص المثالب والإساءة .
الاضحاك ليس بتوسيع دائرة الاضحاك بشكل غير مقبول اوغير معقول او باثارة الاشتباكات بالايادي والرفس بالارجل او التشهير. الاضحاك هو سبق وادراك غير ظاهر- خفي ولحظوي على المشاهد يتوصل اليه المشاهد عن طريق اللغة الشفوية وغير الشفوية ( لغة الجسد او لغة الإشارة). والجدير بالذكر ان الاضحاك نوع من أنواع التسلية والاستمتاع بوقت جميل. وهناك شعوب تستمع في نهاية الاضحاك او خلاله بالعنف الجسدي وهو ما لايحبذ مشاهدته من طرف الأطفال في وقت المشاهدة الرئيسي ( قبل نومهم) خوفا من عدوى انتقاله اليهم ويصبح شائعا بينهم وبالتالي ما يجلبه من مصائب. ونتيجة لذلك انتبه الاعلام في دول أخرى خصوصا ذات تعددية ثقافية واجرى تحويرات على برامج المقالب.
ما اردنا قوله ان المقلب هو بمثابة قرص دواء قبل تناوله يجب ان يراعي ويداوي ويخفف كل الالام ولكن بدرجات ولمدد زمنية معينة ولا يصلح إعطاءه الى الأطفال اذا كانت اثاره الجانبية ضارة او مدمرة, كما يجب دراسة ظروف تقبله من طرف المشاهد خصوصا في بيئات ذات تعددية ثقافية