الجولاني وملك الشام
كتب / حسن حامد سرداح
يقول المثل الشعبي السوري “إذا بيصير من الحرملم ساس بيصير من هالجماعة شماس”، والحرملم باللهجة الشامية هو نفسه نبات الحرمل البري، الذي لا يملك أي قيمة سوى استخدامه في بعض المجتمعات لطرد “الحسد”، والساس كما يعرف عنه، بانه اصل الشخص وجذوره التي قد تنعكس على طبيعة الفرد وتصرفاته، بينما يفسر الشماس بكونه منصبا دينيا رفيعا في الكنيسة المسيحية، لا اعرف لماذا تذكرت هذه الكلمات التي تشير لصعوبة تحول الحرمل إلى نبات قيمته عالية، واستحالة وصول “اطراف معينة” لمكانة وقيمة اجتماعية او دينية “مرموقة”، خلال متابعة الاحداث في سوريا منذ اول ايام استيلاء ابو محمد الجولاني وتنظيماته على السلطة وصولا لتحولاته المتعددة بالشكل والمضمون.
نعم.. الجولاني الذي غير اسمه بين ليلة وضحاها واصبح احمد الشرع، بعد خلع العمامة و”تشذيب” لحيته، واخيرا استبدال زيه العسكري ببدلة “مدنية” وربطة عنق، في رسائل موجهة للعالم الخارجي وليست للداخل السوري، والتي اثمرت قبل ايام معدودة عن رفع اسمه من قائمة الإرهاب الامريكية، والغاء مكافأة العشرة ملايين دولار المخصصة من واشنطن للابلاغ عن مكان وجوده، لانه اصبح معلوم الإقامة، ومستعدا من جميع النواحي للتخلي عن افكاره السابقة كما “خلع” ملابس الحرب، وخاصة بعد استقباله وفد البيت الابيض الذي امتنع عن لقاء الجولاني في قصر بشار الاسد، وفضل الاجتماع باحد فنادق العاصمة السورية، لاسباب “حيّرت” العديد من المراقبين واصحاب الرأي، لكنها قد تفسر، بان امريكا لا تمنح “صك الغفران” مرة واحدة وتحتاج للمزيد من “الخضوع” لشروطها قبل الاعتراف الرسمي بشرعية الحاكم الجديد في دمشق.
مايهمنا في هذا المقال.. ليست طريقة وصول الجولاني او احمد الشرع، للسلطة في سوريا، والتي اصبحت واضحة على الرغم من محاولة العديد من “الحالمين” تجميلها بوصفه “المحرر وقائد الثورة وصاحب رايات النصر”، لان الاغلبية تدرك جيدا، حجم الدور التركي في تسهيل اسقاط دمشق، والذي تتفاخر به انقرة بشكل علني من خلال زيارات متكررة لوزير الخارجية التركي ووقوفه على جبل “قاسيون” مستمتعا باحتساء الشاي، إضافة للاتفاق الذي حصل في الدوحة خلال اجتماع ما يسمى “مسار استانا” بين طهران وانقرة وموسكو بمشاركة بعض الدول العربية، والذي انتهى بالموافقة على سحب الدعم مِن بشار الاسد، بعد ثلاث عشرة سنة على اسناده ومنع استيلاء التنظيمات الإرهابية على السلطة، والنقطة الاساسية “هروب” الجيش العربي السوري ورفضه القتال في اكثر من جبهة، جميع تلك العوامل حققت “الانتصار المزعوم” وليست امكانية ما يسمى “بالثورة السورية” التي عجزت خلال منذ العام 2011، عن تحقيق اهدافها، بايقاف نظام الاسد عن ارتكاب المجازر وتدمير المدن وتهجير العباد، لكن مايهم والذي يجب الحديث عنه في الوقت الحالي ماذا قدم الجولاني لمستقبل سوريا بعد الاسد؟.
ولعل الهدف من السؤال.. مجموعة نقاط بالإمكان التركيز عليها والبحث عن اسبابها، ابرزها غياب الخطاب الشعبي الموجه للسوريين ورسائل التطمين التي يبحث عنها غالبية المواطنين والمتعلقة بالمعيشة والاقتصاد وتوفير الوظائف والخدمات وتحقيق الاستقرار الامني من خلال منع حالات الانتقام وايقاف انتشار السلاح في الشوارع، وشكل الحكومة المقبلة، هل ستكون جامعة لكل الطوائف لا تفرق بين علوي وسني ومسيحي ودرزي؟، هل ستكون اسلامية متطرفة ام مدنية تضم الجميع تحت عنوان “المشاركة” بعيدا عن التفرد بالسلطة وتكرار تجربة الديكتاتورية، وبدلا من انشغال الجولاني بتلك النقاط، تتركز رسائله حتى الان لمغازلة الخارج من خلال محاولة ارضاء واشنطن و “الانصياع” لتركيا واطماعها في الشمال السوري و “الصمت” على توغل الكيان الاسرائيلي في الجنوب والذي وصلت دباباته لمسافة لا تبعد سوى عشرين كم عن ريف دمشق، واستولت قواته على قمة جبل الشيخ علي الذي سيجعل نتنياهو يشرف على سوريا ولبنان والاردن.
بالمقابل.. هناك نقطة جوهرية بحاجة للتركيز عليها تتعلق بغياب وجهاء سوريا وشيوخها وقادة المجتمع من مختلف الاختصاصات، عن التجمعات المؤيدة للشرع، او الحضور للقصر الرئاسي لتهنئة ساكنيه الجدد، وحتى الاحتفالات بساحات دمشق اقتصرت على الشباب المؤيد “للثورة السورية” وبعض الشخصيات العامة من الممثلين والمطربين والاعلاميين لحماية انفسهم من المحاسبة على مواقفهم السابقة، ومن يتابع طريقة استقبال الجولاني في المسجد الاموي حينما دخل اول مرة لدمشق بعد هروب الاسد وانهيار نظامه، يرصد غيابا واضحا “لنخبة المجتمع” واقتصار الحضور على المسلحين من تنظيماته، وهو عكس مايخبرنا التاريخ حينما خرج الشعب السوري بجميع مكوناته وشيوخه وقادته لاستقبال الامير فيصل بن الحسين (شريف مكة) بعد سقوط السلطة العثمانية في عشرينيات القرن الماضي، رغم هويته الحجازية وعدم انتمائه لارض الشام، الامر الذي يعكس صورة “معتمة” عن نسبة التأييد للتغيير في سوريا، او قد تكون مرحلة انتظار لحين “انجلاء الغبرة” والتأكد من مغادرة التنظيمات المسلحة التي وصلت للسلطة سلوكها السابق.
الخلاصة: إن القبول بالتغيير الجديد في سوريا يتطلب العديد من العوامل الداخلية والخارجية، وعدم الاقتصار على كسب “دعم” امريكا والارتماء باحضان تركيا، فهناك دول لديها تجارب سابقة مع الاخوان المسلمين ومتخوفة من تمدد التجربة في سوريا، وخاصة مصر والاردن وتأتي بعدها السعودية والامارات، بينما نحتاج في بلادنا التي تمتلك حدوداً طويلة مع سوريا وتجربة “مريرة” بعبور الإرهابيين ومنهم الجولاني الذي ارتكب العديد من الجرائم في الموصل ايام داعش، وقبلها خلال سنوات القاعدة، لتطمينات تجعلنا نبتعد عن حرب قد نجبر عليها.. اخيرا.. السؤال الذي لابد منه.. هل سيقتنع اهل الشام بارتداء ثوب الاخوان بعد لمسات الامريكان، ام سنكون امام مرحلة نزاعات تقسم سوريا لدويلات وتطيح بالشرع ومرحلته؟.