بعض النخب الشيعية العراقية المرعوبة..!
كتب / د. علي المؤمن ||
لا نتحدث هنا عن المجندين المدفوعين من الأجهزة الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية والسعودية والتركية والقطرية والأردنية والإماراتية، وكذا أصحاب القنوات الطائفية، والذين يمارسون عملية ترهيب الشعب العراقي وتخويفه من التغيير والثورة والتظاهرات والتحولات والذبح والمشانق والتخريب والفوضى والتفجيرات والقصف والاجتياح و و و وغيرها من تعميمات الإرهاب النفسي الفضفاضة..
وإنما نتحدث عن بعض النخب الشيعية العراقية المستقلة، والمرعوبة من التهديدات الأمريكية للعراق ومشروعها لبناء نظام عالمي جديد، ومن المخططات الإسرائيلية للعبث في المنطقة، ومشروعها الشرق أوسطي الجديد، وتتناقل الأخبار الصحيحة والمفبركة والمدسوسة في مجموعات وسائل التواصل، وتتهامس وتنظِّر وتحلل على مدار الساعة، إما من منطلق الخوف الحقيقي على العراق أو من منطلق الخوف على نفسها ومصالحها، وهو في كلتا الحالتين انهزام نفسي وخوف غير مبرر أحياناً أو مبالغ به جداً أحياناً أخرى، وكأنّ كل ما تفكر به أمريكا وإسرائيل ستنفذاه حتماً، وأن كل ما تنفكاه سينجح ويتحقق.
ويزداد رعب هؤلاء المحسوبون على النخبة الشيعية، واستنفارهم النفسي كلما نُشر تقرير أو بيان عن السفارة الأمريكية في بغداد أو تقرير وتحليل لوكالة أنباء أو صحيفة أجنبية، وهو يكرر التهديدات الأمريكية بأسلوب مدروس ومؤثر، وكأن قيامة أمريكا ستقوم غداً، وسوف لن تبقي حجراً على حجر؛ إن لم تسارع الدولة العراقية بإعلان استسلامها للشروط الأمريكية المتمثلة بحل الحشد الشعبي وتفكيك المقاومة الإسلامية وإنهاء أي حضور لإيران في العراق وتقاسم القرار السياسي مع السنة والأكراد ومنع أي خطاب كراهية ضد (إسرائيل).
وبما أن أجهزة المخابرات والوكالات والصحافة الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية والعربية، وكذلك عملاءها من المحللين والكتّاب المحليين، يعرفون مكمن الشلل في عقول هذه النخب، ومسارب الرعب إلى نفوسها، وأساليب سلب إرادتها؛ فإنهم يكرسون خطابهم الترهيبي؛ لدفعها تلقائياً إلى نقل رعبها وشللها العقلي إلى المجتمع وبعض البسطاء من المسؤولين الحكوميين والحزبيين.
وينبغي لمجتمع الوسط والجنوب العراقي الذي يراد ترهيبه وسلب إرادته وشل تفكيره الإيجابي، أن يفصل نفسه من هذه النخب المرعوبة المنهزمة نفسياً، ويتأكد بأن الأقدار والمقدرات والحاضر والمستقبل ليس بيد أمريكا وإسرائيل. صحيح أنهما فاعلان أساسيان في المنطقة، لكنهما ليسا الفاعلان الوحيدان، وأن هناك فواعل أخرى أساسية أيضاً، وفي مقدمتها الشعب العراقي وقواه الدينية والسياسية والعسكرية الأصيلة، فضلاً عن حلفائه. وفوق كل هؤلاء القدرة الإلهية المطلقة.
وهنا نتساءل: ماذا يمكن لأمريكا و(إسرائيل) أن تفعلا بالعراق؟ وكيف يمكنهما تحويل تهديداتهما إلى أفعال؟.
من خلال الحفر في معطيات الواقع وتحليلها، يمكن التأكيد بأنّ أمريكا لا تستطيع إسقاط العراق ودولته ونظامه، ولا تستطيع تدمير حشده ومقاومته، إلًا من خلال الاحتلال المباشر، وهو خيار صعب جداً وفق المعادلات الدولية والإقليمية القائمة، وأنّ أقصى ما تستطيع فعله، بمساعدة حلفائها البريطانيين والإسرائيليين السعوديين والأتراك والقطريين والإماراتيين والأردنيين، هو ما يلي:
1- القصف الجوي والصاروخي لمقرات المقاومة والحشد والجيش وبعض مؤسسات الدولة.
2- رفع سعر الدولار ومحاولة تخريب الاقتصاد العراقي.
3- استقدام الجماعات التكفيرية والطائفية العراقية والأجنبية من سوريا وإطلاق أيديها في المحافظات الغربية.
4- إعادة التظاهرات في محافظات الوسط والجنوب.
5- الاستمرار في منع إعمار البنية التحتية، وفي مقدمتها الكهرباء.
وليس مؤكداً أن تغامر أمريكا وحلفاؤها في القيام بهذه الأعمال، ولكن؛ فيما لو قاموا بها؛ فإنها ستفشل دون تحقيق هدف إسقاط العراق ونظامه. نعم؛ قد ينجم عن ذلك تخريب وصدامات طائفية، وصدامات شيعية – شيعية، ولكن؛ في النهاية، ستتبخر جميع آثارها خلال سنة واحدة حداً أقصى، من خلال دعم النجف وصمود الحكومة وصد الحشد والمقاومة والقوات المسلحة، وستكون النهاية الأخيرة للجماعات الطائفية والتكفيرية في أرض العراق؛ لأنّ العراق ليس سوريا ولا لبنان.. لا في تركيبته السكانية ولا نظامه السياسي ولا قدراته العسكرية والاقتصادية، ولا في ظهره المحمي عقدياً واستراتيجياً.
وليس الهدف من هذه المقاربة استدعاء الهمم أو طرح نبؤات، إطلاقاً، إنما هي قراءة تفصيلية للواقع العراقي وللارتدادات المحتملة للواقع السوري، ولخيارات أمريكا وإسرائيل في ضرب العراق.