بين ترامپ ونتنياهو ماهي حدود “الشرق الأوسط الجديد”
كتب / رشيد العجيل
الشرق الأوسط منطقة استراتيجية ذات أهمية كبيرة بسبب موقعه الجغرافي وثرواته الطبيعية مما جعله على مدار عقود هدفا” لمشاريع الهيمنة والسيطرة. كان دور إسرائيل والقوى الغربية في إثارة النعرات الطائفية والعمل على تحقيق مفهوم “الشرق الأوسط الجديد” يتداخل مع الأهداف السياسية والاقتصادية لهذه القوى.
1. مفهوم “الشرق الأوسط الجديد”:
– يُعتبر هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، من أبرز الشخصيات اليهودية التي ساهمت في صياغة السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط. يُنسب إليه دور محوري في التمهيد لمشروع “الشرق الأوسط الجديد”، وهو مفهوم يشير إلى إعادة تشكيل المنطقة لتحقيق مصالح استراتيجية أمريكية وغربية. لقد كان كيسنجر مهندساً لاتفاقيات السلام بين مصر وإسرائيل، وركز على إدارة الصراعات بدلاً من حلها مما ساهم في تكريس الهيمنة الأمريكية. كانت رؤيته تعتمد على تقسيم المنطقة إلى دويلات ضعيفة عرقياً وطائفياً لتسهيل السيطرة عليها وضمان أمن إسرائيل. ورغم رحيله يظل تأثير أفكاره بارزاً في سياسات الشرق الأوسط. في عام 2006 قدمت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس مصطلح “الشرق الأوسط الجديد” خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان حيث يعكس المفهوم خطة لإعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالح الغرب وإسرائيل تحديدا”. كان ولايزال هدف المشروع تفتيت الدول العربية بالمجمل وتحويل الدول القوية مثل العراق وسوريا ومصر إلى كيانات أصغر قائمة على أسس عرقية أو طائفية دينية.
– ضمان التفوق الإسرائيلي من خلال تعزيز مكانة إسرائيل كقوة إقليمية لا تُنازع في ظل دول مجزأة وضعيفة.
– السيطرة الاقتصادية وضمان السيطرة على الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز مع التحكم بالممرات المائية الاستراتيجية.
2. إثارة النعرات الطائفية كأهم أدوات الصراع:
أ) تفكيك الدول على أسس طائفية وعرقية:
– استغلال التنوع: تحويل التنوع الديني والمذهبي إلى صراع دائم بين السنة والشيعة، أو بين المسلمين والمسيحيين، أو حتى داخل الطائفة الواحدة.
– خلق حدود داخلية: دعم مشاريع تقسيمية تقوم على إنشاء مناطق حكم ذاتي أو دويلات طائفية ونجحوا في هذا المخطط لحد كبير.
ب) دور إسرائيل:
– استراتيجية “فرق تسد”: تبني إسرائيل سياسة دعم الانقسامات بين دول المنطقة لمنع تشكل جبهة موحدة ضدها.
– الترويج للتعايش مع بعض الأنظمة العربية: بهدف عزل الدول المعارضة وتوجيه الأنظار بعيدًا عن الاحتلال الإسرائيلي.
ج) دور القوى الغربية:
– تعزيز الصراعات الطائفية: دعم فصائل او قوميات معينة لتحقيق مصالح مرحلية، كما حدث في العراق بعد الغزو الأمريكي والسودان واليمن وسوريا.
– الاستفادة من الفوضى: استخدام حالة الفوضى الناتجة عن الصراعات الطائفية لتبرير التدخل العسكري أو السياسي.
3. أدوات التنفيذ:
أ) الإعلام:
– الدعاية الطائفية: تمويل وسائل إعلام تعمل على تأجيج الكراهية بين الطوائف والمذاهب.
– إشاعة الانقسام: استخدام الأخبار الزائفة والمبالغة في تصوير الخلافات الطائفية صراعات وجودية.
ب) الجماعات المتطرفة:
– تمويل وتسليح: دعم جماعات متطرفة على أسس طائفية، مما يعزز التوتر والانقسام.
– إدارة الصراعات: التلاعب بمسارات الصراعات لتعزيز أهداف سياسية محددة.
ج) الاتفاقيات المشبوهة:
– تحالفات مؤقتة: دعم بعض الأنظمة أو الميليشيات لتعزيز التفوق الإسرائيلي أو الغربي.
– تقسيم السلطة على أسس طائفية دينية أو عرقية النفوذ كما يحدث في معظم الدول العربية لتحقيق أجندات خارجية.
4. النتائج على المنطقة:
أ) ضعف الدول العربية:
– انهيار الجيوش الوطنية والمؤسسات الحكومية.
– صعوبة تشكيل أي تحالف عربي قوي.
ب) استنزاف الموارد:
– تحويل الدول الغنية بالموارد إلى ساحات صراع تستهلك مواردها الداخلية.
ج) تعزيز التفوق الإسرائيلي:
– تفتيت المحيط العربي يمنح إسرائيل مجالًا أكبر للتوسع والاستقرار.
د) تشويه صورة الإسلام:
– ربط الإسلام بالعنف والتطرف من خلال تغذية الجماعات التكفيرية.
5. أدارة ترامپ الجديدة
ضمن سياسته في المنطقة، ركز ترامب في مرحلة رئاسته الاولى بين عام (2016-2020) على دفع اتفاقيات التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل، وهو ما رأى البعض أنه جزء من محاولة لإعادة تشكيل التحالفات الإقليمية.
من الصعب القول إن إدارة ترامب سعت بشكل واضح لتحقيق “مشروع الشرق الأوسط الجديد”، الذي يُفهم عادةً على أنه رؤية لإعادة رسم خريطة المنطقة سياسيًا وجغرافيًا. بدلاً من ذلك، كانت سياساته تتمحور حول مصالح اقتصادية وأمنية تحت عنوان أمريكا أولا”، مع تجنب الانخراط العميق في عمليات إعادة الإعمار أو بناء الدول كما كانت تدعي الإدارات الامريكية السابقة.
يمكن وصف شخصية دونالد ترامب في التعامل مع الشرق الأوسط بأنها براغماتية متقلبة تعتمد على الصفقات والمصالح الآنية. ركز سابقا” على تقليص الحضور العسكري الأمريكي في المنطقة، لكنه لم يتردد في اتخاذ قرارات تصعيدية. سعى لتعزيز النفوذ الأمريكي عبر التطبيع العربي الإسرائيلي، مع تجاهل القضايا الإنسانية، مثل القضية المحورية في الصراع العربي وحقوق الشعب الفلسطيني والأراضي المحتلة. اعتمد سياسة الضغط الأقصى على إيران، لكنه افتقر إلى استراتيجية طويلة المدى. قراراته كانت تتأثر برغبة في كسب تأييد داخلي، مما جعلها تبدو متناقضة أحيانًا. هذه الشخصية انعكست في أسلوبه غير التقليدي، الذي يمزج بين الانسحاب والتدخل المفاجئ.
6.كيفية مواجهة القادم من الأيام مع توجهات إدارة ترامپ الجديدة
أ) تعزيز الوحدة الوطنية.
ب) خطاب ديني متوازن.
ج) تحالفات عربية وإسلامية قوية.
د) مكافحة التدخلات الخارجية وتجفيف مصادر تمويل الجماعات المتطرفة.
الخلاصة:
مشروع “الشرق الأوسط الجديد” واستغلال النعرات الطائفية هو مخطط مدروس منذ عقود ويستهدف تفكيك العالم العربي والإسلامي لتحقيق مصالح إسرائيل والقوى الغربية. التصدي لهذا المخطط يتطلب وحدة المواقف لدول المنطقة، وتكاتف الجهود على المستويين الوطني والقومي مع استراتيجيات مستدامة لحماية الدول العربية من التفكك.