الأزمة السورية والخطر على السعودية والأردن
كتب / مازیار شکوری
لنذهب إلى سوريا، حيث يرتبط مصير المنطقة كلها بسوريا هذه الأيام. كانت سوريا بلداً ينعم بكل أنواع الحرية، وحتى عام 2011، عندما لم تقذف القوى الاستعمارية، مع أردوغان والحكومات العربية الخائنة في المنطقة، الشعب السوري إلى الشوارع بالخداع والدعاية ضد بشار الأسد، لم يكن عليها حتى ليرة واحدة من الديون الخارجية. على أية حال، تضافرت جهود الاستعمار الأجنبي وخيانة الحكومات العربية والقمع الوطني لتدمير سوريا بهذه الطريقة، ولخلق المشاكل لكل من محور المقاومة وفلسطين، وللشعب السوري نفسه وللمنطقة بأكملها. بالطبع، الآن تنتشر النار التي لعب أردوغان والحكومات العربية الخائنة دوراً كبيراً في إشعالها وتأجيجها إلى بيوتها، والجميع يرتعد خوفاً.
لقد اجتمعت الحكومات العربية الخائنة التي تضافرت جهودها لاستعمار وتدمير سوريا في الرياض تحت عنوان مجلس التعاون الخليجي لمناقشة القضية السورية، وكما يزعمون، لإنقاذ سوريا، من أجل إيجاد حل. وبطبيعة الحال فإن هذه الجماعات لم تتمكن قط من إيجاد حل أو فعل أي شيء من أجل مصالح ومنافع شعوب المنطقة، ولكن خبرتها لا تتعدى خيانة شعوب المنطقة وتدميرها. وفي نفس الاجتماع أمس قال جاسم البدیوي رئيس مجلس التعاون الخليجي:
“وندين الهجمات المتكررة للنظام الإسرائيلي على سوريا”.
وقال أيضا:
“يجب على إسرائيل الانسحاب من كافة الأراضي السورية وإنهاء احتلال الجولان”.
كما يعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي كل يوم:
“ندعو إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي التي احتلتها في سوريا”.
وقد أدلى أيمن الصفدي بهذه التصريحات في ديسمبر/كانون الأول الماضي بنبرة توسل واستجداء لإسرائيل. كما قال أيمن الصفدي يوم الاثنين 6 يناير/كانون الثاني، في لقاء مع وزير الخارجية السوري هاكان فيدان:
“رفض العدوان الإسرائيلي على الأرض السورية، وأنه خرق واضح للقانون الدولي والسيادة السورية”
ونقلت قناة المملكة الأردنية عن الصفدي قوله، في مؤتمر صحافي مع نظيره التركي هاكان فيدان في أنقرة، أن الأردن يقف مع السوريين من أجل ضمان مستقبل يضمنون فيه كل حقوقهم وتوفير مستلزمات حياتهم اليومية.
ولكن لننتقل إلى لب القصة، لب القصة هو أن سوريا تعيش حاليا حالة من انعدام الدولة، وانعدام الدولة يعني عدم تحمل المسؤولية تجاه جيرانها ودول المنطقة الأخرى. وانعدام الدولة والفوضى في سوريا أخطر من ذلك لأن سوريا أصبحت ملاذاً للإخوان المسلمين والحركات المسلحة السلفية. إن الإخوان المسلمين والحركات المسلحة السلفية كانت دائما من صنع الحكومات الاستعمارية وتلاعبت بها لإحداث الفوضى في المنطقة، ولكن تحت شعار إقامة دولة إسلامية. وبما أن هذه الحركات خدمت الاستعمار تحت ستار الإسلام، فإنها تستطيع أن تهاجم أي حكومة أو دولة بحجة أنها ليست إسلامية وتقول نريد إسقاط نظام هذا البلد أو ذاك وإقامة دولة إسلامية هناك. وقد استخدموا هذه الحجة بما يتماشى مع الأهداف الاستعمارية ضد الراحل جمال عبد الناصر وبشار الأسد والراحل معمر القذافي. والآن الأردن ومصر والسعودية وبقية دول المنطقة تخاف من نفس الشيء.
ما قلناه حتى الآن هو أحد الأخطار التي تهدد المنطقة كلها بسقوط الأسد وانعدام الدولة وتجمع الحركات السلفية والإخوانية، وقد أثار هذا الموضوع قلق السعوديين بشكل كبير، وقد لا يعرف البعض أو يتذكر أن السعوديين والتنظيم الاستعماري للإخوان المسلمين كانا في البداية مشروعاً استعمارياً عمل معاً ضد المنطقة وضد الراحل جمال عبد الناصر، ولكن السعوديين يتذكرون ذلك جيداً، وإذا لم يتذكروه فعلينا أن نذكرهم بذلك. يقول هيرمان آيلتس الذي كان دبلوماسياً أميركياً في السعودية إنه التقى بحسن البنا في السعودية عدة مرات، وكانت اللقاءات تجري في منزل وزير المالية السعودي محمد سالم سرور، وقد قال ذلك في عام 2004، بل إنه قال إن حسن البنا كان يعقد لقاءات منتظمة مع السفير الأميركي والدبلوماسيين في القاهرة، ويتذكر السعوديون جيداً أنه عندما بدأ الراحل جمال عبد الناصر في قمع قوات الإخوان المسلمين، ذهبت قوات الإخوان المسلمين إلى السعودية بأوامر من الاستعمار. وفي هذه المرحلة كثف السعوديون وقوى الإخوان نشاطهم ضد الراحل جمال عبد الناصر. وبلغ هذا التعاون الاستعماري المشترك عمقاً إلى حد أن تنظيم الإخوان المسلمين اقترح إنشاء الجامعة الوهابية في المدينة المنورة وجامعة محمد بن سعود في السعودية لمواجهة الأزهر.
السبب هو أن شيخ الأزهر تم تعيينه من قبل الراحل ناصر، ومن هذا الجانب أراد الإخوان أن يكون لهم سلاح لإصدار فتوى ضد ناصر وتدريس وترويج أفكارهم في هذه الجامعات.
ولكن متى بدأ الصراع الشديد بين السعوديين والإخوان المسلمين؟!
من القضايا التي كانت تدور حولها القضية أن الحركات مثل الإخوان المسلمين والحركات السلفية تفكر وتحاول دائما الاستيلاء على السلطة في الدول الإسلامية بحجة إقامة حكومة إسلامية. وعندما أصبح الهضيبي مرشدا عاما للإخوان المسلمين طرح نظرية الدولة النفطية. وعليه فإن نظرية تنظيم الإخوان المسلمين لابد أن يكون لها دولة نفطية حتى تتمكن من المضي قدما في خططها. وكان السعوديون خائفين لأنهم كانوا تابعين للغرب والإخوان. وكانوا خائفين من أن يقوم الغرب فجأة بإسقاط السعودية وتسليمها لتنظيم الإخوان المسلمين، وتشكل حكومة إخوانية في السعودية.
الآن يمكن أن تكون القصة كما كانت من قبل بالطبع، ليس فقط للسعوديين، بل للجميع. بالطبع، ليس من الضروري أن يكون الهدف الاستيلاء على السلطة وإقامة حكومة من قبل الإخوان المسلمين أو الحركات السلفية في السعودية أو غيرها من الدول. بل يمكن أن يكون الهدف أن يشن الاستعمار الغربي حروباً مسلحة باستخدام الإخوان المسلمين والحركات السلفية داخل الدول ويلقي بالدول في الفوضى مثل سوريا، بحيث لا يبقى في النهاية سوى حفنة من الغبار من دول المنطقة. إن إضعاف المنطقة هو في مصلحة الاستعمار، وعندما تعاني دولة مثل سوريا من انعدام الدولة والفوضى والحرب الأهلية، سيكون من الأسهل لإسرائيل الوصول من النيل إلى الفرات وإلى سوسة وهمدان في إيران. ترى الآن، مع سقوط الأسد وانعدام الدولة والفوضى في سوريا، احتلت إسرائيل مناطق مهمة من سوريا. هذه الكارثة يمكن أن تحدث للسعوديين، وكذلك للأردن وبقية الحكومات العربية الخائنة التي لم تدعم فلسطين وخانت فلسطين والمنطقة. الجولاني والسلفيون والإخوان المسلمون قد يكونون خدماً أفضل للاستعمار وإسرائيل.. ولكن لماذا تهتز الأردن؟
ويشعر الأردنيون بالقلق إزاء الهجمات السلفية على الأردن، وحقيقة أن احتلال جنوب غرب سوريا حتى جبل الشيخ بالقرب من دمشق قد يخلق أزمة مياه للأردن. فاحتلال جنوب سوريا يعني سيطرة إسرائيل على سد الوحدة الواقع على الحدود السورية الأردنية، وسيطرة إسرائيل على سد الوحدة تضع الأردن في موقف خطير.
إضافة إلى أن احتلال إسرائيل للأراضي السورية يشكل خرقاً لاتفاقيات وقف إطلاق النار، فإن دخولها إلى حوض الصباغ ونهر اليرموك يؤثر سلباً على تدفق المياه من الأراضي السورية، حيث تصب مناطق حوض الصباغ في نهر اليرموك ثم تغذي سد الوحدة.
الإسرائيليون يدركون جيداً أن السيطرة على كافة مصادر المياه في المنطقة واستغلالها من شأنه أن يخلق أزمة بسهولة من خلال خلق نقص مائي لدول المنطقة واستخدام هذا الضعف لدى دول المنطقة كورقة لمصالحهم الخاصة. وفي كل الحروب تحاول إسرائيل أولاً السيطرة على مصادر المياه كاستراتيجية. وهذه الأردن وبقية الحكومات العربية هي نفس الحكومات التي تفكر منذ سنوات في تدمير فلسطين من أجل إسرائيل والاستعمار وتطبيع علاقاتها مع إسرائيل. والأردن للأسف يتخذ إجراءات ضد فلسطين والفلسطينيين منذ سنوات. وكان أحد المقربين من النظام الإيراني السابق الذي اضطر إلى مغادرة إيران بعد الثورة الإيرانية ويعيش الآن في الولايات المتحدة صديقاً مقرباً للملك حسين بسبب العلاقات الوثيقة بين النظام الإيراني السابق والأردن. لقد أخبرني بذكريات تعود إلى عام 1991. قال لي:
“اتصلت بي إيران وقالت إن لدينا طلبًا. وبما أنك صديق مقرب جدًا للملك حسين، فنحن نريد منك أن تتحدث إلى الملك حسين وتخبره (الملك حسين) أن أعضاء منظمة إيرانية مسلحة هي عدونا يتجهون إلى العراق من الأردن ومن هناك سيعملون ضد إيران. نريد منك أن تخبر الملك حسين وتطلب منه منع أعضاء هذه المنظمة المسلحة من المرور عبر الأردن. اتصلت بالملك حسين ولدي رسائل من الحكومة الإيرانية. أرسل الملك حسين عبد الله طوقان إلى أمريكا لتلقي الرسالة حتى أتمكن من نقل الرسالة إلى الملك حسين من خلاله. أخيرًا، كان رد الملك حسين هو إخبار إيران بعدم دعم هذه المجموعة الفلسطينية التي تشكلت منذ عدة سنوات تحت اسم حماس لأن هذه الحركة الفلسطينية أصبحت نشطة في الأردن وتتسبب في تدهور علاقتنا بإسرائيل. نريد أن تكون لدينا علاقات جيدة مع إسرائيل”
هذه ذكرى حكاها لي صديقي الذي كان قريبا من شاه إيران السابق، أراد الملك حسين أن يضحي بالفلسطينيين من أجل العلاقات مع إسرائيل، لكن الآن إسرائيل هي التي لن ترحم الأردن وحكومة ابن الملك حسين.
الكل يعلم أن سقوط الأسد والفوضى في سوريا كان مخططا لها من قبل المفكرين الاستعماريين والإسرائيليين وبدأ بغباء ومساعدة الحكومات العربية الخائنة في المنطقة في عام 2011، والآن مع سقوط الأسد أصبح خطر كل هؤلاء الخونة مثل السعوديين يهدد المملكة الأردنية والجميع، من حفر البئر أصبح الآن محاصرا في قعر البئر، كل الفتن في المنطقة مصدرها إسرائيل وأمريكا وبقية الحكومات الاستعمارية حتى تصل إسرائيل من النيل إلى الفرات إلى شوش و همدان في إيران.
وبعد سوريا سيأتي دور الأردن والسعودية ومصر وبقية الحكومات التي كانت تنوي خيانة فلسطين وحاولت التطبيع مع إسرائيل والاعتراف بها. فلو قدمت الحكومات العربية الدعم الدبلوماسي والعسكري والتسليحي الحاسم لفلسطين والفلسطينيين ودخلت الميدان بهدف تدمير إسرائيل بالكامل، لكان بوسعها ضمان بقائها، وإلا فعليها أن تنتظر الواحدة تلو الأخرى لإسقاط حكوماتها وتدمير بلدانها. وليعلم حكام الحكومات العربية الخونة أنهم يريدون إسرائيل والاستعمار من النيل إلى الفرات والمنطقة بأسرها، وبالتالي لا يمكنهم ضمان بقائهم بدعم إسرائيل وتدمير فلسطين. والسؤال الآن هل ستخرج إسرائيل من المناطق التي احتلتها في سوريا بعد سقوط الأسد بأقوال وتصريحات وطلبات جاسم البدوي ومجلس التعاون الخليجي وأيمن الصفدي؟! لماذا تخرج إسرائيل من المناطق التي احتلتها في سوريا بطلب من مجلس التعاون الخليجي أم بطلب من أيمن الصفدي؟! لقد أظهرت الحكومات العربية ضعفها وظهرت وكأنها خادمة للمستعمرين وخادمة لإسرائيل حتى أن المستعمرين وإسرائيل لا يولون أدنى قيمة لمطالب حكام الحكومات العربية ويستهزئون بها سراً ويضحكون من دونيتها. إن التوسل والمفاوضات تكون فعالة عندما تكون قوياً في الميدان والطرف الآخر يعرف أنك لن تقدم له أي تنازلات وأنه في حالة الحرب يمكنك ضربه بالقوة والعنف وإضعافه. لم يظهر الحكام والحكومات العربية أي قدرة أو قوة لجعل إسرائيل تريد أن تعمل وفقاً لرغباتهم لأن إسرائيل تعلم أن الحكام والحكومات العربية ضعيفة ومذلولة وعديمة الشخصية وغير قادرة على فعل أي شيء. قال الراحل جمال عبد الناصر في هذا الصدد:
“اسرائیل تبقی زی هم مابقولوا علی امل ان تتغیر الاوضاع او تتغیر الانظمه و تیجی انظمه تقبل ان توقع معاهده صلح مع اسرائیل. اسرائیل لا تنسحب. تنسحب لیه من الاراضی اللی هی محتل لها بعد ان تمکنت من نصر عسکری ساحق. طالما اسرائیل تعلم ان نحنا لسا ما وصلناش الی القوه العسکریه الهجومیه الساحقه. تبقی اسرائیل فی اماکنها علی اساس ان تحقق النصر السیاسی بتغییر الانظمه. احتلال شیء غیر طبیعی. کالکابوس بالنسبه لینا جمیعا. تعتقد (اسرائیل) ان هذا قد یوثر فی جبهتنا الداخلیه. بما یمکنها من ان هی طبعا و القوی الامبریالیه الاستعماریه التی تعمل من ورائها انها توثر علی الجبهات الداخلیه و قد تستطیع انها تغییر الانظمه و تجیب انظمه. تقبل ان تصل الی صلح مع اسرائیل. لذلک اسرائیل لا تقبل قرار مجلس الامن. اسرائیل لا تقبل قرار مناقشه قرار مجلس الامن. اسرائیل بتقول ان احنا موجودین مطرحنا علی خطوط ایقاف النار. لغایه ما تقبلوا تقعدوا معنا تنفاوضوا و توقعوا اتفاقیه صلح”
إذا كان أيمن الصفدي ومجلس التعاون الخليجي والحكام والحكومات العربية يريدون من الإسرائيليين أن يخرجوا من المناطق المحتلة في سوريا حتى لا يأتي دورهم بعد ذلك لإسقاطهم وتدمير بلدهم، فإنهم يستحقون أن يقاتلوا إسرائيل، وإلا فإن دورهم سيأتي ليُطيح بهم من قبل المستعمرين والإسرائيليين. دورة بعد دورة.