الفاسدون الصغار يتباكون على آليات البنك المركزي في شراء العقارات
كتب / د . باسل عباس خضير ..
بعد انتظار طويل ، اصدر البنك المركزي العراقي قرارا بخصوص آليات بيع وشراء العقارات التي تبدأ أقيامها ب100 مليون دينار فأكثر ، ورغم إن قرارا مشابها صدر قبل شهور حين شمل العقارات من 500 مليون صعودا ، إلا إن القرار ( الجديد ) غاية في الأهمية لأسباب عديدة ، أولها انه يبحث عن مصادر الدخل لمن يشتري العقار تطبيقا للقاعدة القانونية المهمة ( من أين لك هذا ؟) ، وثانيها انه يقلل من المضاربات في العقارات التي أوصلت أسعارها لدرجة غير معقولة بحيث إن سعر المتر المربع في بعض المناطق أصبح أكثر من تلك السائدة في أرقى البلدان ، وثالثها لإبطاء حركة التداول النقدي وشمولها لفقرات عديدة وعدم حصرها بالعقارات ، ورابعها للتشجيع والإلزام للادخار في المصارف مما قد يساعد في جذب الكتلة النقدية المحلية حيث إن 70% منها على الأقل خارج التداول المصرفي ، وخامسها للحد كلما أمكن ذلك من غسيل الأموال وهي ظاهرة منتشرة في بلدنا منذ سنين وبحاجة لجرعات العلاج .
وكان المفروض أن يصدر هذا القرار وقرارات أخرى منذ أن بدا الفساد وليس في مراحله الحالية التي تزكم الأنوف ، فما يتم تداوله إن هناك فئات بسيطة تتمتع بالإثراء السريع في مراحل مبكرة من العمر او في سنوات العمل الوظيفي ، فرغم إن كثيرا يشكون من ضعف الأجور والرواتب في الأجهزة الحكومية خاصة في السنوات الأولى للتعيين ، إلا إن دوائر التسجيل العقاري تشهد زحامات شديدة في المراجعة لبيع وشراء العقارات من دون التصريح عن مصدر هذه الأموال والى أين ستذهب بعد البيع ، ووصل الأمر بان يتملك الأطفال بوصايا ذويهم او العاطلين عن العمل او ربات البيوت بالكثير من العقارات والأملاك ، ومن الظواهر الشائعة إن صغار الفاسدين او المهربين او المتعاملين مع الممنوعات يسارعون لتملك العقارات لأنها تجري دون حساب او سؤال واقياهما ترتفع عاما بعد عام ، ووصل الموضوع للتفنن و( الإبداع ) من خلال توزيع الثروات على النسائب والأقارب بضمانات او بتعدد الزوجات .
والقرار ( الجديد ليس ) بدرجة عالية من التعقيد بحيث يسعى البعض لوأده قبل التطبيق ، فبدلا من الدفع للبائع نقدا خارج الأضواء سيتم الدفع من خلال المصارف ومن الحسابات التي تفتح لهذه الإغراض ، فالبيع والشراء ليس ممنوعا وإنما مقيدا من خلال التعامل المصرفي التي تستوجب الإفصاح عن مصادر الإيداعات ، ولان المبالغ تبدأ من 100 مليون دينار فان الفاسدين الصغار هم أكثر ممن يخشون التعامل مع هذا القرار لأنهم لا يستطيعون تبرير امتلاكهم أموال الشراء ، ولان هناك من يعتقد إن هؤلاء سيتحولون من العقارات إلى العملات الأجنبية والذهب والسيارات الفخمة والساعات الثمينة والسيارات مرتفعة الأسعار ، فان المطلوب من البنك المركزي وغيره من الجهات وضع آليات للسيطرة على تدفق الأموال لغير العقارات بما يتعلق بالصغار وحيتان الفساد ، كما إن على القطاع المصرفي أن يجد وسائل لمنع انتشار الفساد أكثر مما هو موجود لبعض الحالات ، فالتحوط مفيد في الرقابة والشفافية وغيرها من الفعاليات التي تحؤول التغطية على تسريب الأموال .
ولدوائر التسجيل العقاري أدوارا مهمة في التطبيق ، حيث يتطلب الموضوع التنازل عن البيروقراطية المفرطة التي ترافق انجاز المعاملات واجتثاث التلاعب من الجذور لكون هذه الآلية وجدت في إحدى غاياتها لمحاربة الفساد دون الإخلال بحرية تبادل الأموال المشروعة باعتباره حقا للمواطن كفله الدستور ، ومن الضروري منع أية محاولات لتوطين او نقل الفساد هنا او هناك ، ومن المهم جدا عدم الإصغاء للعويل والبكاء الذي سيبديه البعض بدعوى إن التطبيق تتخلله الصعاب ، فالقضية يسيرة ومتبعة في المصارف فحين إيداع مبالغ بحدود معينة يطلبون الإفصاح عن مصادرها وفي شراء العقارات ستخضع مبالغ الشراء لنفس الضوابط ، ونتمنى أن تعلن و تطبق مثل هذه السياقات على كل التعاملات المالية التي من الممكن أن تحتوي على فساد او فيها تهرب ضريبي او غسيل الأموال او تشويه معالم الأفعال ، فالمبادرة والتطبيق يجب إن تشمل جهات أخرى خارج التسجيل العقاري ، لعلها تداوي بعض جروح الفساد التي يكتوي بها المواطن و تؤذي الجميع .