هل بدأ العد العكسي لاقامة الدولة الفلسطينية في سيناء؟
كتب / د. هاني الروسان
اكد ليلة امس الرئيس دونالد ترمب ما كنا قد اشرنا اليه في مقالنا السابق حول تلقي كل من مصر والاردن تهديدات صارمة حول ضرورة قبولهما باستقبال اعداد من سكان قطاع غزة، حيث اوضح من على متن طائرته الرئاسية التي تقله في رحلته من لاس فيغاس الى ميامي الى انه يتعين على الاردن ومصر استقبال المزيد من الفلسطينيين من غزة، وانه قال للملك عبدالله الثاني “أود منك أن تستقبل المزيد لأنني أنظر إلى قطاع غزة بأكمله الآن وهو في حالة من الفوضى، إنها فوضى حقيقية. أود منه أن يستقبل أشخاصا”. واضاف قائلا “أود أن تستقبل مصر أشخاصا أيضا”، مضيفا أنه سيتحدث إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اليوم الأحد لاستقبال مشردي الحرب على قطاع غزة الذي قال انه يدور في افق مليون ونصف فلسطيني، فهل بدأ العد العكسي لاقامة الدولة الفلسطينية في صحراء سيناء
وان كان من غير المؤكد ان يكون هناك رابط بين هذه التأكيدات الرئاسية الامريكية وبين ما افتعله امس السبت نتنياهو من ازمة بعدم الانصياع لبنود وقف اطلاق النار بالسماح لسكان شمال قطاع غزة بالعودة الى مناطق سكناهم بحجة عدم اطلاق حماس لسراح الاسرائيلية اربيل يهود، الا ان ذلك يصب في اتجاه افتعال مزيد من التعقيدات لجهة اعادة اعمار غزة وعودة المواطنيين الفلسطينيين الى مناطقهم وارغامهم على الهجرة ان لم يكن من كل قطاع غزة فعلى الاقل من شماله والتي سيكون اصحراء سيناء النصيب الاكبر منهم وان حصة الاردن منهم سيكون شكليا باعتبار ان حصته المنتظؤة ستكون في قادم الايام من سكان الضفة الغربية، التي كانت الانباء السابقة قد تحدثت عن نحو 800 الف فلسطيني من حملة الجنسية الاردنية يجري الاستعداد لترحيلهم الى الاردن او من الضروري ترحيلهم في سياق استراتيجية اليمين الاسرائيلي لضم الضفة ومنع اقامة الدولة الفلسطينية
ودخول اسرائيل على خط ازمة مخيم جنين بهذه الصورة السافرة بالاضافة الى انه احراج للسلطة الوطنية الفلسطينية واضعاف لدورها فانه قد يكون الذريعة التي ستتخذها اسرائيل لتدمير المخيم وتشريد سكانه، وانه سيكون الخطوة الاولى في سلسلة خطوات كان قد كشف النقاب عنها رئيس هيئة اركان جيش الاحتلال هاليفي الذي اكد انه سيتم المرور من جنين الى طولكرم وغيرهما.
بمعنى اخر فان الحديث عن ضم الضفة الغرببة الى اسرائيل ودق المسمار الاخير في نعش حل الدولتين، لم يعد موضوعا للتحليل او التكهن، بل انه بدأ طريقه بالانتقال العملي للتنفيذ على الارض – بعدما قال ترمب عندما سُئل عما إذا كان اقتراح نقل الفلسطينيين الى الاردن ومصر سيكون مؤقتا أو طويل الأجل: “يمكن أن يكون هذا أو ذاك”، – وان جزء من جنوب قطاع غزة سيكون نواة لما يسمى بالدولة الفلسطينية او لشكل من اشكال الدول على رأي الرئيس الامريكي السابق جو بايدن ” ابو القانون الدولي” لضرورات تتعلق بربط وادارة مناطق التجمعات السكانية الكبرى في الضفة الغربية وبالتوسع نحو صحراء سيناء المشروع القديم الجديد الذي يعود الى منتصف القرن الماضي، والسابق على صفقة القرن والمتضمن فيها او انه احد ركائزها الاساسية التي عاد ترمب ليراهن عليها مع بعض التغييرات التي املها الواقع الجيوسياسي للمنطقة.
ولئن كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد تمكن في عام 2014 من احباط ورفض مقترح اقامة الدولة الفلسطينية في قطاع غزة ونحو الف وستمائة كيلومتر من صحراء سيناء، حسبما اورد ذلك الاعلام الاسرائيلي في حينها ونفته بشدة القيادة الفلسطينية والخارجية المصرية، فان التغيرات الجيوسياسية التي وقعت للمنطقة منذ ما بعد هجوم السابع من اكتوبر 2023 والصمت الدولي المريب على حرب الابادة الجماعية التي تشنها اسرائيل بدعم امريكي غير مسبوق على القطاع والاستمرار في حصار الضفة الغربية وتقطيع اوصالها، والانفتاح العمودي المريع للنظام العربي على تفاعلات دول المحيط وتفاعلات النظام الدولي، يجعل من مهمة اسقاط هذه الحلقة الجديدة في سلسلة القضاء على القضية الفلسطينية وبناء شرق اوسط اسرائيلي الزعامة، امرا في غاية الصعوبة.
ولكن ستزداد هذه الصعوبة وتصبح صعوبات وتعقيدات ستترك اثارها الكارثية على المنطقة لعشرات السنين القادمة، ان لم تتحرك قيادة النظام الاقليمي العربي التي انتقلت كليا الان الى دول الخليج العربي وتحديدا السعودية وقطر والامارات المتحدة التي تجد اذعانا وتردد وخوف والتباس في المواقف بقية دول الاقليم، وتمنع التلاعب بالحق الفلسطيني الثابت وغير القابل للتصرف، كما ان ذلك سيكون مفتتح عهد قيادة اسرائيلية للمنطقة لا يستقيم لها حال الا باستكمال تفتيت الوحدات السياسية الكبرى في المنطقة كمصر والسعودية وربما الجزائر.
كما ان الامر بات يحتاج موقفا مصريا اردنيا فلسطينيا اكثر صلابة واعمق تنسيقا والذهاب ليس الى الرفض فقط بل والمواجهة لان استمرار التردد والصمت لن بكون حبل النجاة، بل سيكون بداية لمعضلات اشد خطرا.