تحضيرات أردنية ومصرية لاستقبال لاجئي غزة
كتب / الدكتور الياس عاقلة
لم يكد يجلس “ترامب” – المُدان بجرائم نصب مالية وبجرائم الإعتداء الجنسي على الأطفال – على كرسي الرئاسة الأميركية حتى خرج علينا بأوامره لتحقيق صفقة القرن التي خرج بها علينا خلال فترة رئاسته الاولى عام 2018 ، وأيضاً لاستكمال ما بدأه الرئيس السابق الإبادي “بايدن” في المخطط الصهيوأميركي لإبادة ولطرد عرب فلسطين من قطاع غزة ومن الضفة الغربية بإلقائهم في مخيمات لاجئين صحراوية تماماً كما فعل الرؤساء الأميركيون الأوائل بالشعوب الأميركية الأصلية الملقبين خطئاً بالهنود الحمر .
ادعى “ترامب” أولاً أنه أجبر إسرائيل بقبول اتفاق وقف النار رغم أن إسرائيل لا تزال تقتل وتقصف وتدمر. ويجب أن نعي هنا أن تمثيلية اتفاق وقف النار عبارة عن الخطوة الثانية في المخطط الصهيوأميركي لقطاع غزة، وكذلك مطلبٌ رئيسيٌ لإسرائيل ، فحرب السابع من اكتوبر كانت أطول وأصعب وأكثر تكلفة على إسرائيل وحلفائها الغربيين من كل الحروب التي خاضتها سابقا . عانت الحكومة الإسرائيلية خسائر كبيرة في جيشها وعتادها لم تخسرها في كل حروبها السابقة ، وخسائر اقتصادية كبيرة ، وخسائر سياسية عالمية ، وصراعات سياسية وإجتماعية داخلية أدت الى مسيرات جماهيرية ضاغطة على حكومة “نتن ياهو” لوقف الحرب ولاسترجاع الأسرى . وعدى عن ذلك لم يستطع جيش الإرهاب الإسرائيلي تحقيق أي نصر يُذكر عدى عن التدمير والقتل اللذين استُهلكت أهدافهما ولم يعد هناك أهداف جديدة للدمار.
ثانياً خرج علينا هذا “ترامب” العبقري متظاهراً بالتعاطف مع وبمساعدة أهل غزة الذين فقدوا كل مقومات الحياة بمطالبة الرئيس المصري السيسي والملك الأردني عبد الله باستقبال فلسطينيي غزة بشكل مؤقتٍ وربما دائمٍ في المخيمات المصرية والأردنية التي بنوها بأموالٍ أميركية وخليجية الى أن يتم “تنظيف” غزة وإعادة بنائها مرددا بذلك تصريحات صهره اليهودي الصهيوني “جاريد كوشنر” التي ألقاها في محاضرة في جامعة “هارفارد” في شباط/فبراير 2024 ناصحاً الإسرائيليين “بتنظيف” غزة من الفلسطينيين من أجل بناء منتجعات رفاهية حديثة على السواحل البحرية تكون ذات قيمة تجارية عالية ، أو لبناء مدينة كازينوهات مثل مدينة “لاس فيغاس” . وقد صرح “ترامب” أن بإمكانه المشاركة في إعادة بناء غزة بسبب موقعها الرائع على البحر وطقسها الجيد . ربما سيبني لنفسه فندقاً أو كازينو قمار على سواحلها .
وهذا جزء من المخطط الصهيوأميركي الذي يسعى الى احتلال غزة كاملة من أجل استكمال سيطرتهم على جميع الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط للتحكم في استخراج الغاز الطبيعي على طول الساحل من شماله الى جنوبه .
ومن أجل “تنظيف” غزة قام جيش الإرهاب الإسرائيلي الإبادي بتدميرٍ ممنهجٍ لحوالي 60% من المباني في غزة بما في ذلك المستشفيات والمدارس والجامعات ودور العبادة والمؤسسات الحكومية ، وحوالي 92% من المنازل والأبراج السكنية ، وتهجير ما يقارب 90% من السكان من بيوتهم وانتقالهم من ملجأ الى آخر مراراً وتكراراً أكثر من 10 مرات وفقاً لتقارير الأمم المتحدة . والهدف الرئيسي هو تدمير كامل لأي ملجأ للسكان ولتدمير جميع الاراضي الزراعية لمحو جميع سبل العيش لكي يضطر الفلسطينيون الى الهجرة خارج القطاع. وعدى عن عملية تبادل الأسرى بين الطرفين جاءت اتفاقية وقف النار لتعطي الفلسطينيين فرصةً مقصودةً للعودة الى بيوتهم في الشمال ليكتشفوا الدمار الهائل ولتهبط عزيمتهم في البقاء والعيش في العراء والفقر والجوع والعطش فيفكرون في الهجرة الى ملاجئ من كرافانات وطعام وشراب أفضل لهم.
ولتحقيق هذا “التنظيف” أصدر “ترامب” أوامره الى ملك الأردن عبدالله الثاني والى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي باستقبال المُهَجَّرين الفلسطينيين في مخيمات في صحراء الأردن الشرقية وفي صحراء سيناء . وكعادة الزعماء العرب سمعنا منهم الشجب والاستنكار والرفض علناً ، أما في الخفاء فهم مشتركون صاغرون تدرجياً لهذه الأوامر . لقد اعتدنا على اشتراك بعض الزعماء العرب في تهجير الفلسطينيين منذ عام 1948 حين شجعوهم على مغادرة بيوتهم ومدنهم مدعين أن هذه الهجرة مؤقتة حتى تستطيع الجيوش العربية هزيمة جيش إسرائيل بدون تحفظ وخوف على حياة الفلسطينيين الذي سيعودون الى مدنهم بعد هزيمة إسرائيل ، ولا يزال الفلسطينيون ينتظرون هذه العودة الموعودة الى الآن .
يجب أن نواجه الحقائق المرة لبعض زعمائنا العرب . فالأردن كانت ولا تزال دمية في يد بريطانيا أولاً منذ تأسيسها عام 1921 بعد تحررها من الامبراطورية العثمانية ، ثم في يد أميركا ثانياً بعد الحرب العالمية الثانية . تدفع أميركا ما يقارب المليار دولار للأردن معاشات للملك ولرعيتة وتكاليف إنشاء بعض المشاريع الاقتصادية مما يسمح لأميركا ببناء قواعد عسكرية لها على الأراضي الأردنية ، ولإجبار المملكة على إتمام اتفاقيات أمنية وإقتصادية مع إسرائيل ولو على حساب أراضيها وشعبها .
محمد المعموري, [02/02/2025 03:47 م]
وعندما أعلن ملك الاردن علناً شجبه وعدم موافقته على التهجير أوقف “ترامب” ما سُمي بالمعونات الأميركية التنموية للأردن مسبباً بطالة عمالية من أجل الضغط على الأردنيين . كما قامت ادارته بسحب السفيرة الاميركية في عمان قبل ستة اشهر من انتهاء مهمتها . وتبع هذا القرار قرارٌ اخر لوزير الخارجية الامريكي الجديد “ماركو روبيو” امر فيه بوقف كل المساعدات الخارجية الأميركية تقريبا، مستثنيا تمويل إسرائيل ومصر، مما يعنى تجميد “المساعدات” السنوية للأردن وهي بالمناسبة ليست مساعدات بقدر ما هي ثمنٌ يُدفع مقابل ما يقدمه الاردن من مساندة للولايات المتحدة الامريكية .
إن الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك عبد الله الثاني يدركان تماماً أن استيعاب الفلسطينيين في سيناء أو الأردن ليس مجرد مسألة إنسانية، بل هو جزء من مخطط أكبر لتصفية القضية الفلسطينية وتحويل الفلسطينيين إلى مشكلة داخلية للدول المستضيفة وبالتالي الى كل الدول العربية في المنطقة بدلاً من كونها قضية تحرر وطني تستدعي حلاً جذرياً يتمثل في إنهاء الاحتلال وعودة اللاجئين إلى ديارهم . ومع ذلك ليس باستطاعتهما رفض أوامر الرئيس “ترامب” رغم إعلانهما شكلياً رفض تهجير الفلسطينيين.
في يوم السبت ، الأول من فبراير/شباط خرج علينا بيان عربي سداسي مشترك – الإمارات ومصر الأردن والسعودية والسلطة الفلسطينية وأمين عام جامعة الدول العربية – وللأسف لم تشارك بقية الدول العربية في هذا البيان الذي جاء دعماً للموقف المصري والأردني الرافض للتهجير ومؤكداً الدعم للفلسطينيين – الذي لم تقدمه الدول العربية أصلاً خاصة أثناء الإبادة الصهيونية لعرب غزة – ومطالبين بحل الدولتين غير العملي والمرفوض من إسرائيل ومن الفلسطينيين ومن الدول الغربية التي تتظاهر بدعمه .
لم يقدم الزعماء العرب إلا كلاماً دعماً لقضية الأمة العربية – قضية فلسطين . هؤلاء الزعماء العرب الذين اجتمعوا بعد حرب اكتوبر أولاً في جامعة الدول العربية في 11 نوفمبر 2023 ، وثانياً في القمة العربية الإسلامية الإستثنائية بتاريخ 11 نوفمبر 2024 مقرين على رفض مؤامرات تهجير فلسطينيي غزة والضفة الغربية باعتبارها جريمة حرب وخرق فاضح للقانون الدولي ، عليهم جميعاً أن يترجموا أقوالهم وقراراتهم هذه بالتصدي لأوامر “ترامب” الى الأردن ومصر باستقبال فلسطينيي غزة والضفة ، وعلى دول الخليج النفطية الغنية وخاصة السعودية التي استعدت أن تقدم مليار دولار “استثمار” في الاقتصاد الأميركي أن يستثمروا أموالهم بدعم اقتصاد الأردن ومصر لكي لا يقعا فريسة الضغوط الأميركية الإقتصادية ، وكذلك الإستثمار في غزة لاستخراج غازها ونفطها من سواحل البحر الأبيض المتوسط ، بالإضافة الى دعم عرب غزة الذين دافعوا عن قضية الأمة العربية لمنع التوسع الإسرائيلي – إسرائيل العظمى – في البلاد العربية لأنهم لم يحموا غزة فقط بل حموا جميع الدول العربية .
لقد تعلم الفلسطينيون الدرس المؤسف أن لا داعم لهم من الزعماء العرب وعليهم الاعتماد على أنفسهم . لن يحرر فلسطين إلا الفلسطينيون ، وها هم الغزيون المهجرون يعودون الى بيوتهم رغم أنها مدمرة ليبنوها من جديد لأن لديهم ولاء وانتماء لوطنهم وليس لديهم انتماء لأي بلد آخر ولو كان جنةً سكنيةً . صمود أهل غزة أرعب إسرائيل والغرب الذين احتاروا من هذا الاختيار فهم ليس عندهم انتماء إلا الى المال .
تمسك الفلسطيني بأرضة وانتماؤه لوطنه هما الضمانة الوحيدة لوقف التهجير . عودة فلسطينيي غزة الى شمال غزة هي أول طريق عودة جميع اللاجئين الفلسطينيين الى مدنهم وبيوتهم في كل فلسطين . وعلى “ترامب” أن يفكر في تهجير الأجانب الإسرائيليين الصهيونيين من فلسطين وإعادتهم الى بلدانهم الأصلية فهم مهاجرون غير شرعيين فيها مثل كل الأميركيين فهم أيضاً غير شرعيين في أراضي الهنود الحمر السكان الأصليين لأميركا .