
نظرة سريعة على قمة لم تكن جامعة
كتب / دكتور محيي الدين عميمور
قبل أن تمر 24 ساعة على صدور بيان القمة العربية الطارئة الذي قدم التصور العربي لإعادة تعمير ما دمره التوحش الإسرائيلي في غزة حتى قال الرئيس ترامب بالأمريكاني الفصيح: “طز فيكم”… لا بديل عمّا أحدده واركبوا أعلى خيولكم، أو بغالكم أو “رولزرويسكم”.
وكان ذلك نفس تصرف الكيان الصهيوني إثر إعلان المبادرة العربية التي ما زال البعض يتمسك بها إلى اليوم، مرددا شعار اعتبار السلام كخيار استراتيجي بينما لا يتردد العدو في إعلان نواياه العدوانية ليل نهار.
وترددت شعارات رائعة وبلاغيات جميلة في قاعة الاجتماعات الكبرى، لكن كان واضحا أن المطلوب من القمة الطارئة المؤجلة اعتماد المشروع المصري لإعادة إعمار غزة، والذي كان قد رُفع إلى “قميمة” مصغّرة استُبعدت منها أطراف عربية بدون مبرر موضوعي، اللهم إلا الخوف، على ما أظن، من طرح تساؤلات قد تتناقض مع الهدف الحقيقي للعملية كلها، والتي تساءلت عنها في الحديث السابق ما إذا كان “الماتش” قد تم بيعه.
وبدا أن الخطة التعميرية ستكون في واقع الأمر مجرد غطاء لتفادي المواجهة العملية لجرائم العدوان الصهيوني الوحشي الذي يمارس إبادة جماعية سجلها كل الأحرار في العالم، والتهرب من النجدة الفورية التي يحتاجها الشعب الفلسطينية في الضفة والقطاع والشعب اللبناني في الجنوب.
ولقد تابعت النزر اليسير الذي عُلم من اللقاء التحضيري في الرياض، ولأنني لا أعرف الغيب أكرر القول بأنني لم أفهم كيف لم يُدعى المغرب الذي يرأس لجنة القدس ودوره أساسي في حماية أول القبلتين، وكيف لا تدعى الجزائر وهي العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن، ودورها الإفريقي في محاصرة الكيان الصهيوني والتنديد به جعلها لاعبا أساسيا في الصراع العربي الإسرائيلي، برغم أنها ليست من دول الطوق.
وتنعقد القمة الطارئة المؤجلة في العاصمة المصرية، ويقف الجميع، للأمانة، ضد مؤامرة التهجير، وهو ما كان أمرا إيجابيا بشرط ألا يُصرّ البعض على تقديمه كموقف تاريخي إبداعي للقمة، حيث أنه موقف طالب به العالم بأسره، ومن هنا فالخروج به كتوصية عربية لا يعتبر إنجازا يستحق التنويه.
وأنا لا أعرف كل خلفيات القرار الجزائري بعدم المشاركة الرئاسية في هذه القمة، والذي أستطيع القول أنه تجاوب مع إرادة الأغلبية الوطنية، لكنني أظن، وبعض الظن فقط هو الإثم كما كان يقول عمّنا هيكل، أن ذكريات المشاركة الرئاسية في القمة العربية عام 1990 كانت في البال، عندما فرضت على الرئيس الشاذلي بن جديد رحمه الله وضعية شاهد الزور، حيث أن البيان النهائي كان قد حُرّر في واشنطن، وهو ما أكده تاريخ النص الأصلي للبيان الذي بارك تدمير العراق، والذي قيل أنه كان مكتوبا بلغة “شكسبير”.
وهنا يأتي أمر آخر.
فبدلا من التنديد بالكيان الصهيوني الذي اعتدى على اتفاقية “كامب دافيد” بشكل مستفز، كان هناك تمجيد لها ودعوة ضمنية للاقتداء بها، في حين كانت الفرصة سانحة للتلويح بالانسحاب منها أو بتجميدها إلى حين التزام العدوّ بكل بنودها، وقضية “فيلاديلفيا” لا يمكن تناسيها.
وسوف يكون هذا نوعا من التهديد غير المباشر للرئيس الأمريكي نفسه الذي يواجه اليوم غضبة أوربية كان علينا أن نستفيد منها، لولا أن القرار كان قد سبق اتخاذه، وإذا تحقق ذلك فستكون الآمال التي تم التعبير عنها بوضوح في محاولة لكسب رضاه هي ملعقة السكر التي تسهل تقبل الدواء المرّ، بدلا من أن تبدو استجداء وتسوّلا من بلطجي يُحيي أسلوب “الكاو بوي”.
والواقع أن أسوأ ما يُمكن أن يؤخذ على القمة عدم إقرار جملة واحدة تسجل المقاومة البطولية للشعب الفلسطيني وخصوصا في غزة، بل على العكس من ذلك، كانت هناك تلميحات بتصفية المقاومة ولو بشكل ضمني يتحدث عن ضرورة صمت السلاح.
وبدلا من أن يُترك “البير بغطاه” سمعنا مطالبة مثيرة للسخرية بوحدة السلاح الفلسطيني، أي أن يجتمع سلاح حارب العدوّ مع سلاح دافع عن العدوّ بمحاربة من يواجهه، وقضية “جنين” لا تحتاج للتذكير.
وكان من الممكن أن يكون هذا المطلب هدفا منطقيا ومقبولا لو كان الوفد الفلسطيني تجسيدا لوحدة الصف الفلسطيني، لأن حماس والجهاد جزء فاعل وفعّال في الساحة الفلسطينية، أحب من أحب وكره من كره.
لكن الصوت الفلسطيني في القمة راح يكرر تطلعات تولي السلطة قيادة القطاع بدون أي اعتبار لواقع القطاع الحالي، بحيث بدا الأمر للبسطاء أمثالي تصفية لحسابٍ أكثر منه سعيا لوفاق
ولم نسمع من أولي الشأن تنديدا بعرقلة وصول المواد التموينية والطبية لأشقائنا هناك، أو دعوة عملية لمواجهة سريعة للجوع الذي يضرب المواطنين في غزة، وفي شهر رمضان بكل دلالاته.
وهكذا انتصرت الخلفيات التي كانت من مسببات الانقسام الفلسطيني، ولم يرِدْ ذِكْرُ حماس إلا بما يُفهم منه تحميلها وحدها مسؤولية الانقسام الفلسطيني، وهو أمر مؤسف كان من المفروض تجنبه ليكون الهدف استعادة، أو تحقيق وحدة الموقف الفلسطيني، وهو السراب الذي حلمنا به هنا طويلا لأنه السلاح الأساسي في مواجهة العدوّ الصهيوني.
ويبقى أن الخطاب الوحيد الذي يُمكن أن أعتبره خير ما قيل في قمة القاهرة، هو خطاب الأمين العام للأمم المتحدة، لأن معظم ما سمعناه كان بلاغيات رائعة تكررت عبر العقود الماضية.
وهكذا يمكن القول إن الاستنتاج الوحيد الذي يمكن أن نخرج به من تقييم نتائج القمة الطارئة هو فشل أمة “مهند” في الاقتداء بالاتحاد الأوروبي وفي الاستفادة من موقفه مع القضية الأوكرانية.
وحق للإرهابي الصهيوني أن يدعي بأنه يقوم بتغيير خريطة الشرق الأوسط، فالقوم راضون أو مساهمون أو متحمسون أو لاهون.