
الموازنة الاتحادية 2025 : تأخير وبرهان !!
كتب/ د. باسل عباس خضير ...
في 2023 صدر القانون 13 لسنة 2023 ( قانون الموازنة الاتحادية للسنوات 2023 ، 2024 ، 2024 ) وقد أعربت العديد من فعاليات المجتمع عن ارتياحها من هذا الصدور ، لا لأن محتويات موازنة 2023 تضمنت عجزا ماليا بمبلغ 64 تريليون دينار رغم عدم وجود آليات جاهزة لسد هذا العجز ، وإنما ما فهموه من تلك الموازنة أنها ستمتد لثلاث سنوات وهذا يغني البعض من مصائب غياب او تأخر إعداد الموازنة سواء بالجانب الذي يؤدي إلى عراك وانسحاب في مجلس النواب او الجوانب التي تضر مصالح من ينتظرون لقمة الخبز او تسديد الالتزامات التي يتوقف إيفائها بتشريع موازنة البلاد ، فالبعض عليهم أن ينتظروا صدور الموازنة للمباشرة بالصرف حتى وان كان الالتزام يتعلق بصرف علاوة سنوية للموظف بقيمة خمسة الآلاف دينار او اغتنام فرصة للتعيين هنا او هناك او الحصول على خدمة بسيطة من البلديات ، والعراقيون لم يألفوا إعداد وصدور موازنات اتحادية دفعة واحدة لمدة ثلاث سنوات لان الشائع هو إصدارها سنويا ، ولكن الموضوع خضع للتطبيق استنادا لنصوص المادة 4 من قانون إدارة المالية رقم 6 لسنة 2019 والتي نصت على ( تبدأ الموازنة السنوية من 1/ 1 وتنتهي في 31/ 12 من السنة ذاتها ، ويجوز لوزارة المالية الاتحادية إعداد موازنة متوسطة الأجل لمدة 3 سنوات تقدم مرة واحدة وتشرع ، وتكون السنة الأولى وجوبية ولمجلس الوزراء بناءا على اقتراح من وزارتي التخطيط والمالية تعديلها للسنتين الثانية والثالثة وبموافقة مجلس النواب ) .
وما يهم بعض المواطنين صدور الموازنة الاتحادية بمواعيدها المحددة التي تبدأ من بداية السنة المالية حالنا حال سوانا من البلدان ، ولكن ذلك لم يحصل بعد فنحن في النصف الثاني من الشهر الثالث والموازنة لا تزال بحالة غياب ، ويبدو بأنه لا أمل قريب لصدورها بموجب السياقات المعتمدة بهذا الخصوص وكل ما نسمع عنه هو تلميحات وتوقعات ، وبخصوصها صرح المستشار مظهر محمد صالح ، بان من المتوقع أن تصل إلى مجلس النواب خلال آذار الحالي ومن ابرز محتوياتها ان سقف الصرف يقارب 200 تريليون دينار، مع عجز افتراضي يقدر بـ64 تريليون دينار ، وتستحوذ النفقات التشغيلية على 68- 70% من إجمالي سقف الإنفاق العام و تخصيصاتها تغطي الرواتب والأجور والمعاشات التقاعدية والرعاية الاجتماعية ، ومن خلالها سيبقي الحكومة ملتزمة بضمان التزامها اتجاه مواطنيها إذ يتلقى قرابة 8 ملايين منهم دخلاً حكومياً بما يعيل قرابة 40 مليون مواطن بشكل غير مباشر، إلى جانب الاستمرار باستثمار وتنفيذ وتشغيل المشاريع الخدمية مثل المياه والكهرباء والمدارس والمستشفيات ، وان حسابات الإيرادات سيعتمد تصدير 3.4 مليون برميل يوميا بمعدل بيع 70 دولار ، من جانبها أكدت اللجنة المالية النيابية ، بأن من المرجح تمرير الموازنة كما ترد من الحكومة دون تغيير ، وقال عضو اللجنة جمال كوجر، إن اللجنة المالية ستعقد جلسة بعد وصول مشروع الموازنة وفي حال تقرر مناقشة الموازنة داخل اللجنة فسيتم المضي في ذلك ، أما إذا لم تُطرح للنقاش فسيجري التصويت عليها كما وصلت من الحكومة ، موضحا أن الموازنة لن تختلف كثيراً عن سابقتها ومن دون إجراء مناقلات أو تغييرات كبيرة باستثناء بعض التعديلات في الجداول ، وتوقع بان الحكومة قد تطلب من البرلمان التصويت على الموازنة بصيغتها كما أعدتها السلطة التنفيذية دون إدخال تعديلات برلمانية على المحتويات .
ومن وجهة نظرنا ، فان تأخر إصدار الموازنة له عديد من المبررات ، أولها حاجة السلطة المالية في التريث بالإعداد لكي تتكامل صورة المشهد العالمي بخصوص التوقعات التي تؤثر على صادرات النفط وأسعارها التي تشكل 90% من مصادر الإيرادات حيث يشهد العالم مشاهد مهمة من التقلبات ، والثاني يعكس رغبة الحكومة في عدم التمدد في النفقات لتفادي مزيدا من الديون الداخلية التي أخذت بالازدياد ، وثالثها الحرص على عدم إخضاع الموازنة للمزايدات السياسية حيث سيشهد البلد انتخابات برلمانية قبل نهاية العام الحالي مما يقوي نزعة البعض لتحقيق ( المنجزات ) من خلال التخصيصات هنا او هناك ، ورابعها رغبة الحكومة في ضمان عرض جداول الموازنة على مجلس النواب وإصدارها دون اخضاعها لمناقشات واسعة قد تعرضها لزيادة النفقات وما يترتب عليه من زيادة العجز الذي يمكن أن يرهق كاهل الحكومة القادمة التي ستشكل بعد الانتخابات ، وان كل التحفظات والضمانات مطلوبة لإبعاد ( مال عمك ما يهمك ) ، سيما في الظرف الحالي الذي يمر به العالم وما يحمله من متغيرات ومغامرات تؤثر على اقتصادنا الهش ، آخذين بعين الاعتبار أن موازنة 2025 ربما تتكرر في عام 2026 كلا او بعضا في حالة عدم إمكانية التوصل لتشكيل حكومة ما بعد الانتخابات في النصف الثاني من العام القادم ، فالحكومة الحالية عجزت عن إعداد موازنات ( مبكرة ) لها رغم اعتمادها 3 سنوات لكل موازنة مالية ، فموازنة 2023 نشرت في جريدة الوقائع العراقية بعددها 4726 في 26 حزيران 2023 ولم تصدر تعليمات تنفيذها الا بعد انقضاء 7 شهور على موعد السريان وتعديل جداول موازنة 2024 تم في حزيران 2024 أي بعد ستة أشهر من مواعيدها وموازنة 2025 بحالة انتظار ، وبضوء ما شهد من مواعيد في إصدار الموازنة او المصادقة على تعديل جداولها ، فمن حق أي كان أن يسال : ما هي جدوى إصدار موازنة ثلاثية إذا كانت جداولها ومتغيراتها تخضع لهذا التأخير والعذاب ؟! ، والسؤال الأكبر من ذلك ، ما ذا تحقق للشعب والوطن من هكذا موازنات بلغت تخصيصاتها أكثر من 400 مليار دولار ؟! .