
استراتيجية ترامب السياسية : عين حمراء للعرب .. وعين خضراء للغرب والصهيونية
كتب / نجاح عباس رحيم
ليس غريبآ ان ترى العرب في جزئية من التحولات الموضوعية والمعاصرة على اراضيهم , ان الرئيس ترامب بعد انتخابه رئيسآ للولايات المتحدة الأمريكية وعلى ما ورث من سياسات الإدارات السابقة التي اسست الى نمط فكري واحد اختصَّ بالوقوف مع الصهيونية العالمية والرجعية العربية بكل مافيها من استراتيجيات سياسية ومن رموز وقادة تنصبوا حكامآ بعد معاهدة سايكس – بيكو وقد ارتدوا عن جوهر القيم العربية ,
أنه بهذا الوقوف الموروث مع الصهيونية , تبطّن بإرادة صهيونية كبديل عن الرئيس بايدن الذي امتاز بالتأييد للصهيونية , ولكن بإرادة نقدية وموضوعية لها وكأنه كان مقيدآ بقيود سياسية عقلانية وموضوعية , ماجعلته في تلك القيود ان يختلف ليكون مرة امامها بإطار المناورة السياسية مع نتنياهو ونزعته الى التطهير العرقي في حربه مع غزة ,
ومرة يكون بإطار خبرته السياسية والإصغاء الى مناشدات الشعوب ليروّج الى تحلّي سياسته بالمواقف والعواطف الإنسانية لإمتصاص نقمتها , ليستعيد جاذبية مؤيديه وناخبيه التي ساهم نتياهو في تهديمها مع المعايير الأخلاقية بشكل سافر جراء سياسته العنصرية في إدارة حربه مع غزة , وفي كلا المرَّتين لايلبث حتى يعود الى نمط الوقوف مع الصهيونية ليتطابق مع ماتأسس في عقله منذ عقود بالسياسة الأمريكية التالدة على هذا المنحى ,
اما الرئيس ترامب فتميّز بلا مناورة سياسية , بل ركّز على ارادته الصهيونية الباطنية بالأفعال والبرهنة , فتراه ينظر الى اوربا في حربها مع روسيا الأتحادية بعين خضراء , لذلك ارتكن الى التفاؤل الشديد لتحقيق السلام في اوكرانيا بالإصغاء الى مطاليب روسيا من جانب , والى مطاليب اوكرانيا من جانب آخر ,
معتبرآ أولآ ; ان الطرفين لابد يمتلكان ارادة بمستوى ادنىللسلام مما هي لدى دول الأتحاد الأوربي , ومن مصلحتهم ان ينبذوا الحرب , لذلك تجاوز الأتصال بدول الأتحاد الأوربي الى حد التهميش , لكونه وبشكل معهود عنه يتعالى عن منجزات الرئيس بايدن مهما كانت من مقررات او حرب سابقة جرّ اليها أوربا مع روسيا ,
ثانيآ ; ان الحرب الروسية – الأوكرانية اذا بقيت على هذه الحال فإن امريكا ستظل تضخ المليارات من الدولارات الى رئيس دكتاتور وفاسد كما وصفه في لقاءات صحفية سابقة , وسيقود امريكا حتمآ إما الى الإفلاس وإما الى حرب عالمية ثالثة ,
لذلك فإن الدفع الى مبدأ المفاوضات هي الصورة التي يمكن التحكم بها اكثر من الحرب للوصول الى سلام يخدم امريكا بالدرجة الأولى ويخدم روسيا واوكرانيا بالدرجة الثانية , واوربا بالدرجة الثالثة ,
ثالثآ ; ان اهمية المفاوضات والتنازلات من قبل اوكرانيا التي ستقود الى السلام , يمكن ان تخلق مضمونآ واقعيآ ينحصر في الإستفادة من خمسين نوع من المعادن الثمينة والنادرة لتسديد ديون اوكرانيا التي بلغت المئات من المليارات لأمريكامن ناحية ,
وهذا الأمر هو اهم مسعى اقتصادي ينشده الرئيس ترامب ويدخل ضمن اهتمامه كرجل اعمال وسياسي يأخذ بالحسبان معاينة هذه الإهتمامات كجزء من مناهجه السياسية في احلال السلام , وهذا هو فعلآ طابع السياسة الأمريكية المعاصرة , الذي توضّح منذ ان اقتحم ترامب عالم إدارتها كرئيس لحقبتين رئاسيتين ,
ويمكن من قبيل القول ان ترامب كرجل اعمال , ربما سيرادف اهتمامه بالمعادن الثمينة الأوكرانية , بإهتمامات اخرى تحت الطاولة بينه وبين روسيا لتشمل سعيها مع الصين في تكتل بريكس الإقتصادي ,على سبيل المثال , على كسر هيمنة امريكا على الإقتصاد العالمي والغاء التعامل بالدولار , او لتشمل كوريا الشمالية في تهديدها للولايات المتحدة وكوريا الجنوبية من ناحية اخرى .
ولكن الرئيس ترامب لم ينظر بتفاؤل شديد او بعاطفة انسانية الى قضايا العرب سواء في العراق او اليمن او لبنان أو حتى إيران , بل نظر اليهم بعين حمراء , وهي عين التهديد والكره والعداء والحرب في المفهوم الإجتماعي الموروث لأسباب كثيرة اهمها ;
اولآ ; ان معياره بالتعامل مع العرب من الناحية السياسية هو معيار غير اخلاقي ولا يستند الى العقلانية او الإنسانية , بل يستند على المغامرة والمخاطرة والمصلحة الإقتصادية , لأنه او اسلافه يرون ان العرب لايخضعون للمارقين والمغامرين , بل هم متفاؤلون من إنتصار الحق في النهاية بما لديهم من إيمان ان الإستمرار على التضحية هو الذي يصنع النصر,
بينما المرتدون من العرب عن جوهر القيم العربية هم وحدهم الذين يخشون المغامرة والتضحية ليكونوا الصنف الذيتبحث عنه امريكا وتعتمد عليه في مخططاتها المخفية ضد العرب في مقابل ان يمضوا عقودآ هم واولادهم بالسلطة كسابقيهم الذين تأثروا بهم والذين حكموا في بطون التأريخ لمئات من السنين ,
فهؤلاء فسروا جوهر القيم والأخلاق العربية بما يدرك بوعيهم المرتكز على الحقد والبغض والكره للعرب , وليس على الإيمان بهم وبجوهرهم والتضحية من اجلهم في الظروف العصيبة .
ثانيآ ; ان هؤلاء المرتدون , اسسوا لأنفسهم طريق الخيانة بشكل خفي ومخادع وبإدارة بالغة الدقة والحنكة , بل اسسوا لهذا الطريق وظائفآ خيانية ساندة , جذبت العديد من الكفاءات البشرية ذات الميل الى المشاركة بالحكم بطرق مختصرة خدمة لأمريكا ومن معها من الصهاينة وحلفائها .
لهذه الأسباب , ينظر ترامب الى العرب بالعين الحمراء من دون تمييز الفئة الخائنة من الفئة الساعية الى التحرر من التبعية لها من ناحية , أو يدرك ان نهاية المرتدين ستكونحتمية , لأنه لم يدرس الكتب العربية ليجد حقيقتهم مثلما درس كتب المكتبة الرئاسية الأمريكية الخالية من الحقائق السياسية التي غزو بها العرب , والمليئة بالأكاذيب والنفاق والكذب والغطرسة من ناحية اخرى .
ففي نظرة عينه الحمراء الى اليمن والعراق وإيران , لم يكنفيها سوى متحيزآ الى الصهيونية ليبدو امامها الأقوى من الرئيس بايدن والأكثر عبودية وخدمة لها في تحقيق اهدافها في منطقة الشرق الأوسط , وهو يحاول القبض على قرون الفوضى التي خلقتها اليمن للصهيونية ولها في البحر الأحمر والبحر العربي ,
ضمن سياسة دعم عدالة القضية الفلسطينية , إلا انه سيعجز عن تحقيق اهدافه بغاراته المتلاحقة على الشعب اليمني , لأن ذلك يتناقض مع جوهر العرب الأخلاقي الذي يصر على التضحية حتى النصر كما اسلفنا , والأجدر بالرئيس ترامب ان يعتمد على الخطوات المشابهة التي تبناها مع روسيا واوكرانيا , ويأتي بعوامل تحقيق الشروط نفسهالإيقاف الحرب والتي اتى بها الى اوكرانيا ,
اما بخصوص إيران الإسلامية , فشأنها شأن اليمن والعراق وغزة المرتبط بالقوانين الدولية والشرعية الدولية , إذ من الأفضل , وبلا نقاش , ان تُحترم وتُراعى تلك المعايير بعيدآ عن التحيّز للصهيونية المدانة بجرائم الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني , لحل المشاكل الدولية ,
اما اذا تجرأ ترامب وبلا غطاء من المنظمة الدولية والشرعية الدولية وجرّب غاراته الجوية على إيران مستندآ على القوة العسكرية الأمريكية التي ورثها من اسلافه الصهاينة السابقين , عندئذ سيدرك ان وعوده لدولة الصهاينة لم تكن سوى هلوسة سياسية ,
وسيرتدى بدلة زيلينيسكي الذي سخر منه وسيتبوأ مقعده في غرفة الحركات بالبنتاغون لمتابعة ماتفعل به إيرانواليمن من ويلات تذكره بويلات الحرب العالمية الأولى والثانية ليعود إما ليغيّر استراتيجيته السياسية أو يعيد النظر اليهما بعين خضراء , قبل فوات الآوان .