
في الشرق الاوسط من لا يُذبح اليوم… ينتظر دوره غدا
كتب / د. لينا الطبال
يقال لنا منذ الولادة إن إسرائيل قوة لا تُقهر، هكذا تبدأ الحكاية.
الميركافا منيعة، مقلاع داوود إله الحرب، سلاح تافور لا يخطئ الهدف، المدفعية تدمر كل شيء، السفن الحربية تسيطر على البحار، وفوق ذلك كله 80 رأس نووي يستهزئ منا… حدود اسرائيل محمية، سماءها محمية، حلفاءها محميون، المواطن الإسرائيلي ينام مطمئن، بينما الطفل العربي يغرق في كابوس…أسطورة يروجون لها كل يوم، الدولة التي لا تهزم، الجيش الذي لا يقهر. أكاذيب، أكاذيب، أكاذيب.
ثم فجأة، من بين جبال صعدة، يخرج صاروخ “فلسطين 2″، يطلقه أنصار الله، ينطلق الصاروخ الباليستي مباشرة نحو هدفه وتدوي صافرات الانذار في تل أبيب، يبدأ الارتباك والهلع بين صفوف الإسرائيليين، يركضون في الشوارع، يتوقف المرور، تتوقف جلسة الكنيست، يهرع السكان الى الملاجئ واولهم رئيس الوزراء يرافقه موظفوه. الإعلام الإسرائيلي يعلن ان كل شيء تحت السيطرة. لكن الحقيقة أن الصاروخ قد وصل حيث يجب ان يصل، لقد ضرب مباشرة العقل الإسرائيلي، واجتاح الذاكرة التي لم تتعود أن يأتيها الرعب من الجنوب… الجنوب الفقير جدا والبعيد جدا… مئات الإصابات سقطت بفعل الخوف. معادلة أنصار الله بسيطة وهي ايقاظ هواجس الذعر للدولة المدججة بالسلاح واعادة تعريف القوة، واثبات أن الدولة التي لا تُقهر… تنهار دائما داخل ملاجئها.
يطل السيد عبد الملك الحوثي ويعلن بهدوئه المعتاد: “لستم وحدكم”.
هل تتسأل ما هو أقوى سلاح في اليمن؟
– الارادة …. انه اليمن العظيم !
على بعد خطوة من العدو… في بيروت، ينشغل فريق من اللبنانيين في محاصرة حزب الله، العدو واضح: ليس إسرائيل !
خصمهم الحقيقي في الضاحية: ضاحية العز والمقاومة… هل رأيت شعب يذبح وطنه بيديه ويتحدث عن السيادة؟ يسلمه للعدو، ويملأ الشاشات ضجيجا عن السيادة؟ اذهب إلى مناطق هؤلاء في لبنان، ستكتشف انهم يبيعون السيادة.
رئيس الوزراء نواف سلام يلقى خطابه الآن. حول السيادة؟ ربما. هذه المرة بلهجة مصرية. لماذا مصرية؟ يعلو صوته عند لفظه شعار: جيش، شعب، مقاومة… لا اظن ان الشعار يزعجه… اوَ تراه يخشى ان ينزعج العدو؟؟ اذاً لا جديد. سياسي آخر يدعو الجيش الى مواجهة المقاومة. لا جديد ايضا… أوَ تعرف، أيها القارئ، هؤلاء يتهمون المقاومة بدمار لبنان. لا يرون في إسرائيل التي دمرته، وألقت آلاف الأطنان من الصواريخ على بيروت وعلى الجنوب، شيئا يستحق اللوم… بالنسبة لهؤلاء، إسرائيل تمارس حق الدفاع عن النفس. والمشكلة، دائما، في المقاومة. الحل لديهم بسيط. يحب سحب سلاح المقاومة. أَتصدق؟ يقولون لك: فلتسلم المقاومة سلاحها… كي لا ينزعج العدو ويضرب… هكذا اذا؟!
في الساحل السوري المذبحة مستمرة، العلويون يتم ذبحهم بصمت، يذبح معهم جيرانهم من السنة والمسيحيين الذين حاولوا حمايتهم. يرفع أحمد الشرع سكينه ولا يفرق بين مذهب ودين، يقطع كل من لا يدين له بالولاء، يمنح نفسه آلاف التبريرات الشرعية طبعا… تصدر بيانات الاستنكار ونصوص القوانين الدولية… لا جديد. نحصي الضحايا بالعشرات كل يوم… لا جديد أيضا.
تمتلئ المقابر، تُمنع الكاميرات من الدخول مجددا، تختفي الصور، ويبقى الدم … فعلا بدأ الشعب السوري مرحلة جديدة من حياته… مرحلة الكارثة الانسانية والمذابح والاعتقالات غير القانونية والاختفاء القسري!
المظاهرات في العواصم الأوروبية، كل أسبوع يرفع المتظاهرون اللافتات، يصرخون، يعلمون أن أهاليهم هناك يتم ذبحهم، يدركون أن لا أحد يسمع. ثم تنتهي المسيرات، يذهب الجميع، وتبقى المذبحة في مكانها. يتساءل بعضهم هل لهذه الاحتجاجات قيمة؟ لكنكم تعرفون أن هناك مذابح أخرى في انحاء العالم، انتهاكات أخرى، احتجاجات أخرى، وفي النهاية، لا شيء يتغير.
في غزة، لا شيء جديد. يستمر نتنياهو بالإبادة. يخرق اتفاق وقف إطلاق النار كما يحلو له. يصوت مجلس وزرائه على إنشاء مكتب الهجرة الطوعية لسكان غزة. هل يعتقد حقا أن الفلسطيني سيحمل حقيبته، يشكر المحتل والمستوطن الأشقر على لطفهما، ويغادر؟ يموت أهل غزة من الجوع، والعطش والالم، والبرد… كلنا ننتظر قرار فتح المعبر وادخال المساعدات الإنسانية… لا جديد أيضا وأيضا.
في داخل الكيان نتنياهو مأزوم… لا جديد. المظاهرات ضده تتزايد والملفات القضائية ايضا. الأحداث الأخيرة عززت الشعور لدى الإسرائيليين بأنهم بلا حماية، لا مخرج لهم سوى اصدار محكمة العدل العليا قرار يقضي بعزل نتنياهو بدعوى العجز. العجز عن أداء مهامه، العجز عن ضبط شهوة السلطة.
يتسأل الإسرائيليون: هل نواجه رئيس وزراءنا؟ هل نحن أمام رجل عصابات او امام ديكتاتور يقصي شعبه؟ رجل العصابات يمكن القبض عليه، يمكن التخلص منه، يمكن التفاوض معه. لكن الديكتاتور؟ لحظة، هل يسمح أصلا بتسميته ديكتاتور؟ الخطر لا يأتي الينا من صواريخ غزة، ولا من حزب الله، ولا من الحوثيين…على هذا النحو افتتح “يوسي فيرتر” المحلل السياسي في هآرتس مقاله.
وصلنا الان الى تركيا…. السلطة التي يسيطر عليها الإسلام السياسي البراغماتي … والنيوليبرالي تحديدا… هذه السلطة ترفع شعار الدفاع عن قضايا الأمة الاسلامية وعن فلسطين والقدس، لكنها توازن بعلاقات استراتيجية مع الغرب، وحتى مع إسرائيل خدمة لمصالحها… هذا الإسلام السياسي الذي يعرف طريقه الى السلطة عبر صناديق الاقتراع، لا يتركها الا بالفوضى والحرب الاهلية… وهذا ما تذهب اليه تركيا!
الآلاف في الشوارع. أردوغان لا يسمع إلا صوته. والاقتصاد في ازمة، السلطان يتابع كلامه عن أمجاد الخلافة والخريطة العثمانية… هل هي الشرارة؟ او الانفجار الكبير؟
سقوط هذا النظام هي مسألة وقت… لكن كيف سيؤخر أردوغان سقوطه وأي ورقة سيلعبها هذه المرة؟
لا الخليج يريده. ولا السعودية ايضا… روسيا تلقت طعنته في سوريا. إيران لا تنسى ذبح بيئتها. أميركا تخوض معركة مع لوبي العولمة، وترامب لا تعنيه أنقرة وهو غاضب من اردوغان جدا!
تركيا في وسط زلزال سيترك أثره على التوازنات العالمية… هناك فوضى عالمية، فوضى إقليمية، تبدلات جارية، جغرافيا يجري تفكيكها وتركيبها من جديد… لا جديد اطمئن!
نحن العالقون هنا نتفرج عليهم، نتابع حياتنا، ندخن، نبكي ونضحك … لا جديد! المشهد نفسه يعاد عشرات المرات:
في تل أبيب، صافرات الإنذار… في بيروت، السيادة والسلاح… في دمشق، قائمة جديدة من الضحايا… في غزة، إبادة وحصار… وفي أنقرة، السلطان يلقي خطبة….
الشرق الأوسط لا يتغير، يعيش على الحافة كل يوم. من لا يذبح اليوم، ينتظر دوره غدا.
في هذا الشرق، الموت ليس الحدث… إنه الثابت الوحيد.