الجولاني إلى أنقرة.. وسوريا إلى أين؟!
كتب / علاء الطائي
المقدمة:
لم تكن مفاجأة انتقال “أبو محمد الجولاني” إلى أنقرة عبر سلاح الجو التركي سوى حلقة جديدة من مسلسل التحولات الغامضة في المشهد السوري، لكنها حملت بين طياتها رمزية كبرى:
زعيم جماعة مصنفة إرهابية دوليًا بات اليوم ضيفًا سياسيًا على دولة عضو في الناتو. هذا الحدث بحد ذاته ليس مجرد تفصيل، بل مؤشّر على انزياح استراتيجي قد يعيد رسم خرائط النفوذ.
أولاً:
الجولاني.. من أمير حرب إلى ورقة سياسية منذ صعوده كزعيم لجبهة النصرة، تحوّل الجولاني إلى رقم صعب في معادلة الشمال السوري تعهّد مرارًا بمواجهة الجماعات المتطرفة والانفصالية، لكنه عمليًا قاد حملات تصفية ممنهجة ضد الأقليات والخصوم المحليين، وانتهك كل تعهداته للرأي العام.
لكن نقله إلى أنقرة الآن يشير إلى
إحتمالين:
-إما أنه انتهى كورقة ميدانية وبات عبئًا سياسيًا.
-أو أن أنقرة تراهن على إعادة تدويره سياسيًا، في إطار ترتيبات أكبر تشمل المعارضة السورية برمتها.
تصريحاته الأخيرة:
على منصة “إكس” التي طالب فيها بالصبر والاستنكار، لم تمحُ صور الدماء التي سالت، بل زادت التساؤلات حول من يحركه، ومن المستفيد من بقائه أو نهايته.
ثانيًا:
الموقف التركي.. إدارة الأزمة أم تعويم الفوضى؟
تركيا لم تصدر موقفًا رسميًا واضحًا بشأن ما تتعرض له إدلب ومحيطها من انتهاكات، خاصة تلك التي ترتكب باسم هيئة تحرير الشام. بل إن نقل الجولاني بوساطة تركية يعزز فرضية أنقرة تعتبره ورقة تفاوض لا عبئًا.
لكن هذا التواطؤ الصامت يضع تركيا أمام سؤال أخلاقي وسياسي:
-هل لا تزال تدير الملف السوري كمسؤول إقليمي؟
-أم أنها باتت شريكًا غير مباشر في تكريس واقع التقسيم والفوضى؟
ثالثًا:
الموقف العربي.. غياب أم تواطؤ؟ من الواضح أن الموقف العربي غائب تمامًا. لا إدانات، ولا وساطات، ولا دعم واضح لأي طرف يسعى لحماية ما تبقى من وحدة سوريا. حتى الجامعة العربية لم تحرّك ساكنًا
هذا الغياب يعكس:
-إما يأسًا من إمكانية الحل.
-أو قبولًا ضمنيًا بتفويض تركيا وروسيا وأمريكا بترتيب مصير البلاد.
رابعًا:
بيان إيران.. استنكار ضمن لعبة التوازنات البيان الإيراني الذي استنكر الهجمات الأخيرة، أثار استغراب كثيرين. كيف لإيران، الداعم الأكبر للنظام السابق أن تصدر بيانًا دفاعيًا عن ضحايا العدوان الإسرائيلي؟
الحقيقة على الأرجح أن طهران تُحاول استعادة موقعها في معادلة فقدت فيها كثيرًا من الأرض والشرعية، وتحاول كسب تعاطف الشارع السني، أو على الأقل منع خصومها من ملء الفراغ الأخلاقي.
خامسًا:
أين تقف قطر؟ قطر التي لطالما دعمت المعارضة السورية، تبدو الآن أكثر براغماتية. إعلامها ينتقد دون أن يقطع، ومالها السياسي حاضر دون إعلان. ويبدو أن الدوحة تُفضّل الآن البقاء في الظل، وربما تنتظر لحظة تفاوض أكبر تشمل ملفي غزة وسوريا معًا.
خاتمة:
قراءة الأحداث الأخيرة، من تهريب الجولاني إلى أنقرة، إلى التصفيات الميدانية المستمرة، إلى صمت الدول تؤكد أن قراءتنا السابقة لم تكن تشاؤمية، بل واقعية.
سوريا ليست على طريق الحل، بل على طريق تقسيم أكثر تعقيدًا، تُدار فيه ملفاتها من الخارج، وتُسفك فيه دماء أهلها تحت شعارات متناقضة فهل ما زال للسوريين صوت في تقرير المصير؟
أم أن الجواب سيأتي من العواصم الكبرى، وليس من دمشق أو إدلب؟