في مشهد يتكرر كل عام، يقف البرلمان أمام جداول بلا موعد، فيما تبقى الموازنة في غرف الانتظار، مؤجلة بين أروقة الوزارات ودهاليز القرار، وبينما ينتظر النواب الأرقام لتقييم الأولويات ووضع السياسات، يستمر الغموض في تعطيل الدور الرقابي والتشريعي، وسط تساؤلات ملحّة عن أسباب التأخير، ومن يقف خلفه.
الوقت يسرق الموازنة، ومعه تتسرب فرص الإصلاح الاقتصادي وتضيع أولويات الإنفاق، في وقت تمر فيه الدولة بتحديات مالية تتطلب وضوحًا في الرؤية والتخطيط، فالمواطن يدفع الثمن، حين تتأخر المشاريع، وتتجمد الترفيعات والعلاوات، وتؤجل الخطط التنموية.
البرلمان ينتظر والموازنة تتلكأ، في أزمة تتجاوز مسألة التوقيت لتكشف خللاً أعمق في آليات العمل والتنسيق بين مؤسسات الدولة، يتجلى التأخير كمؤشر على ارتباك إداري وربما رغبة ضمنية في تفادي المساءلة والمحاسبة، الشفافية التي طالما رُفعت كشعار، ما تزال بعيدة عن التطبيق الفعلي، في ظل غياب الانضباط الزمني في تقديم الوثائق المالية المحورية، وعلى رأسها جداول الموازنة.
الشارع يتساءل: لماذا لا تُسلم الجداول في موعدها الدستوري؟ ولماذا تصبح القوانين المالية رهينة المماطلة؟ بين التأجيل والتجاهل، تظل الموازنة مرآةً حقيقية للعلاقة بين الحكومة والبرلمان فإما شراكة مسؤولة، أو مراوغة مكشوفة.
وبالحديث عن هذا الملف لوّح النائب أحمد الشرماني باتخاذ إجراءات قانونية ضد الحكومة ووزارة المالية اثر استمرار تأخير إرسال جداول الموازنة العامة إلى البرلمان، محذر من تداعيات اقتصادية وسياسية خطيرة تهدد استقرار البلاد.
ويقول الشرماني في تصريح لوكالة /المعلومة/، إن "هناك تحركات نيابية حثيثة لرفع دعوى قضائية ضد الحكومة ووزارة المالية بسبب امتناعهم عن إرسال جداول الموازنة إلى البرلمان، رغم مرور 6 أشهر من العام الحالي دون إقرارها".
ويضيف أن "الحكومة تتخوف من إرسال الجداول المالية نظراً للعجز الكبير الذي تعاني منه الموازنة، والذي يُعد واحداً من أكبر العجوزات المالية التي تواجهها البلاد منذ سنوات".
وينتقد النائب "صمت الحكومة وعدم وضوح رؤيتها المالية، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى استقرار اقتصادي وتوزيع عادل للثروات".
البرلمان.. جداول بلا موعد وموازنة في غرف الانتظار
الى ذلك حمّلت النائب زهرة البجاري وزارة المالية مسؤولية التأخير الحاصل في إرسال جداول الموازنة العامة إلى مجلس النواب، مؤكدة أن هذا التأخير ألحق أضرارا كبيرة بشريحة الموظفين وعدد من المشاريع الخدمية.
وتقول البجاري في تصريح لوكالة /المعلومة/، إن "مجلس النواب حالياً في عطلة تشريعية بموجب ما ينص عليه الدستور، وهذه العطلة تمثل حقاً قانونياً للنواب"، مبينة أن "هناك دعوات لعقد جلسة طارئة لمناقشة جداول الموازنة، إلا أن المجلس فوجئ بعدم تسلمها حتى الآن رغم المصادقة على موازنة لثلاث سنوات مسبقاً".
وتضيف أن "إعداد الجداول يقع ضمن اختصاص وزارة المالية، وكان ينبغي إرسالها عبر مجلس الوزراء إلى البرلمان"، مشددة على أن "التأخير تسبب بإرباك واضح في عدد من الملفات الوظيفية، أبرزها النقل، واحتساب الشهادات، والخدمة، والعلاوات، والترفيعات".
وتشير البجاري إلى أن "الضرر لم يقتصر على الموظفين فحسب، بل طال أيضًا العديد من المشاريع الخدمية المتوقفة والتي تنتظر إقرار جداول الموازنة للمباشرة بتنفيذها".
واختتمت بالقول إن "البرلمان على استعداد لمناقشة الموازنة فور تسلم جداولها، داعية الجهات المعنية إلى الإسراع في إرسالها لضمان تسيير أعمال الدولة وحفظ حقوق المواطنين".
يُذكر أن عدم وصول جداول موازنة 2025 من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب له تداعيات سلبية على عمل الوزارات والحكومات المحلية والهيئات، ما يؤدي إلى تعطيل مشاريعها والاستحقاقات المالية. انتهى 25د