واشنطن بوجهين.. من "وصي نبيل " في الشرق.. إلى "جلادة المتظاهرين في عقر دارها”

المعلومة / بغداد ..
عندما اندلعت ثورات الربيع العربي، خرجت واشنطن بمظهر “الوصي النبيل” الذي يدافع عن الشعوب وحقها في تقرير المصير، فدعمت الحراك الشعبي ضد أنظمة عربية وصفتها بـ”الديكتاتورية”، بينما كانت تختار بدقة من تسقطه ومن تحميه. واللافت أن تلك الأنظمة التي انهارت، لم تكن فقط سلطوية، بل كانت أيضًا قد انتهت صلاحيتها بالنسبة للمصالح الأمريكية.
أما الأنظمة التي ظلت ثابتة، فلم يكن ذلك بفعل الشرعية أو الإصلاح، بل لأنها كانت مصدر تمويل ضخم ومفتاحًا اقتصاديًا واستراتيجيًا في يد واشنطن، لا يمكن التفريط به. واليوم، حين خرج الشعب الأمريكي نفسه إلى الشوارع احتجاجًا على سياسات حكومته في لوس أنجلوس وكاليفورنيا وغيرها، سقط القناع بالكامل، ليُكشف الوجه الحقيقي للقوة التي طالما تغنّت بالحريات، فإذا بها تقمع شعبها بوحشية وتمنع الكاميرات وتغلق الشوارع وتطلق الغاز والرصاص.
 “ثورات مستثمرة”..أمريكا وربيع الشعوب العربي
منذ اللحظة الأولى لاندلاع الاحتجاجات في تونس، ثم مصر، فليبيا وسوريا واليمن، سارعت أمريكا إلى إعلان دعمها “للشعوب الطامحة للحرية”، لكن لم يكن دعمًا بريئًا، بل كان مدروسًا يخضع للحسابات التالية:
 • إذا كان الحاكم منتهياً للمصالح (مثل مبارك أو القذافي)، يُترك ويسقط.
 • إذا كان الحاكم بوابة للمال أو النفط أو قاعدة استراتيجية (مثل حكّام الخليج)، يُحمى ويُدعم بل ويُمنح غطاءً لتصفية أي حركة إصلاحية.
ولم تكن الديمقراطية هي الدافع، بل إعادة رسم الخارطة بما يضمن استمرار الهيمنة الأمريكية بأسلوب أكثر مرونة، عبر وكلاء جدد أو أنظمة معاد تدويرها.

• 

 

*الخليج.. المنطقة المحصّنة أمريكيًا
رغم اشتعال الاحتجاجات الشعبية في البحرين والسعودية، والتصاعد الهائل لنبرات المطالبة بالإصلاح، كان الموقف الأمريكي هو: دعم التدخل العسكري الخليجي في البحرين لقمع الاحتجاجات والتعتيم الكامل على أي حراك سياسي داخلي في السعودية أو الإمارات فضلا عن استمرار صفقات السلاح بلا توقف إضافة الى فتح الأسواق والاستثمار مقابل الصمت على كل شيء وهنا يطرح تساؤل لماذا لم يكن هناك “ناتو خليجي للديمقراطية”؟ الجواب بسيط: من يدفع، لا يُسقط.
*المشهد الأمريكي الداخلي.. سقوط ورقة التوت
مع تفجر التظاهرات الأخيرة في لوس أنجلوس، كاليفورنيا، وولايات أخرى، خرج الشعب الأمريكي – لا للمرة الأولى – ليعبّر عن سخطه من الفقر وتضخم الأسعار وعنصرية الشرطة ودعم الحكومة لإسرائيل رغم المجازر في غزة إضافة الى قمع الحريات الإعلامية. لكن الرد كان واضحًا وصادمًا: تمثل بانتشار أمني عنيف وغير مسبوق في شوارع المدن واعتقالات جماعية لناشطين سلميين وحظر تجول وتعتيم إعلامي مقصود فضلا عن استهداف مباشر للصحفيين والمصورين. فأين ذهبت “قيم الديمقراطية” التي صدّرتها واشنطن للعالم؟!
*من ثورات مخترقة الى ساحات أمريكية تشتعل
ليست أمريكا “الضحية” الآن، بل “المُجرّبة” لسياساتها. فها هي تجد نفسها أمام تظاهرات محلية تعكس نفس ما شجّعت عليه خارجيًا: رفض الظلم، الاحتجاج، تحدي السلطة، ولكن… مع اختلاف جذري في الخارج كانت تُحرك وفي الداخل ترتجف وتبطش.
سقطت الأقنعة، وظهر الوجه الحقيقي لأمريكا:
قوة لا تدعم الشعوب بل تستثمر فيها، وقوة لا تحارب الطغاة بل تصنعهم وتحميهم إن خدموا مصالحها ، قوة تدّعي الديمقراطية لكنها في لحظة التهديد الداخلي، تعود إلى الغريزة الأمنية والقمع الممنهج. وها هي شوارع كاليفورنيا تقول: “من أشعل الحرائق في عواصم العرب..تحترق أصابعه اليوم في مدنه".انتهى / 25