تأخر الموازنة الاتحادية.. بين التعطيل السياسي وصراع الإيرادات
26 تموز 14:03
المعلومة / بغداد ..
تواجه الموازنة العامة الاتحادية لعام 2025 تأخيراً غير مسبوق في إرسال جداولها من الحكومة إلى مجلس النواب، ما أثار موجة انتقادات واتهامات متبادلة بين قوى سياسية ولجان برلمانية، وسط تحذيرات من تداعيات اقتصادية ومالية تهدد الالتزامات الدستورية وخطط الإنفاق العام للبلاد.
من جانبه، اتهم عضو اللجنة المالية النيابية، النائب حسين مؤنس، بعض الكتل السياسية بالسعي المتعمد إلى عرقلة إرسال جداول الموازنة، مؤكداً أن هذا التأخير يخدم مصالح خاصة ويعد خرقاً واضحاً لقانون الإدارة المالية.
وقال مؤنس في تصريح لـ/المعلومة/، إن "مدة التأخير تجاوزت نصف السنة المالية، وهو أمر غير مبرر"، لافتاً إلى أن اللجنة المالية "تمارس منذ أشهر ضغوطاً مستمرة على وزارة المالية لإنجاز الجداول، واستضافت الوزيرة والكادر المتخصص لأكثر من مرة دون نتائج ملموسة".
ورأى أن بعض الجهات السياسية تفضل إبقاء الوضع الحالي، لتتحكم بالصرف وفق آليات غير خاضعة للرقابة، محذراً من أن ذلك يمسّ جوهر العدالة في توزيع الإنفاق، ويُبقي الدولة في حالة من الشلل المؤقت.
الجزء الآخر من الأزمة يتعلق بالعلاقة المالية المتعثرة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، التي تتهمها اللجنة المالية أيضاً بالمماطلة في تسليم الإيرادات النفطية المتفق عليها ضمن بنود قانون الموازنة.
وقال عضو اللجنة، معين الكاظمي، إن "الإقليم لم يلتزم بما نصت عليه المادة 12/ج من قانون الموازنة، التي تلزمه بتسليم 400 ألف برميل يوميًا إلى شركة سومو"، مضيفاً أن "الإقليم لا يكتفي بعدم التسليم بل يستمر بتهريب ما لا يقل عن 250 ألف برميل يومياً بعيداً عن رقابة الحكومة المركزية".
وشدد الكاظمي على أن "هذا السلوك يعطل قدرة الحكومة على إدارة الموارد بشكل عادل، ويخلّ بمبدأ الشفافية المالية"، مؤكداً أن "تلك المخالفات تمثل عائقاً أساسياً أمام إعداد الجداول المالية والتوزيع العادل للإيرادات".
وفي ظل هذا التعطيل، يعود إلى الأذهان الجدل الذي رافق إقرار موازنة 2023 الثلاثية، والتي تطلب تمريرها أشهر طويلة ومفاوضات شاقة، وانتهت إلى اتفاقات هشة ما لبثت أن تصدعت سريعاً بفعل غياب الالتزام السياسي والإداري من بعض الأطراف.
ويرى مراقبون أن الوضع الحالي لا ينبئ بانفراجة قريبة، خاصة في ظل استمرار حالة انعدام الثقة بين المركز والإقليم، والانقسامات داخل البرلمان نفسه، فضلاً عن الضغوط الإقليمية والداخلية على القرار المالي العراقي.
تأخر إرسال جداول الموازنة لا يمثل فقط مخالفة إجرائية، بل ينعكس بشكل مباشر على الواقع الاقتصادي للبلاد، إذ يحول دون إطلاق المشاريع الاستثمارية الجديدة، ويؤخر تنفيذ التخصيصات المالية للوزارات والمحافظات، ويؤثر سلباً على حركة السوق والتوظيف والخدمات.
ويحذر اقتصاديون من أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى إعادة تفعيل سياسة الصرف المؤقت بنظام 1/12، وهو ما يعيق التخطيط المالي على المدى المتوسط والطويل، ويضر بفئات واسعة من المجتمع، خصوصاً أصحاب العقود والبرامج التنموية.
أزمة تأخر الموازنة تكشف مجدداً حجم التحديات البنيوية التي تواجه الإدارة المالية في العراق، سواء على صعيد العلاقات الاتحادية-الإقليمية، أو التداخلات السياسية التي تعرقل الأداء التنفيذي.
وفي ظل تراجع الثقة بين الأطراف، يبقى المواطن هو المتضرر الأول من هذا التعطيل، بانتظار أن تنتصر المصلحة العامة على الحسابات الضيقة.انتهى 25/س