خصخصة استيراد الأدوية في العراق.. دواء المواطن في قبضة السوق

المعلومة/تقرير ...

رغم أن الدواء يعد من أولى مقومات الرعاية الصحية وحقا أساسيًا تكفله الحكومات، يواجه المواطن العراقي صعوبات متزايدة في الحصول على الأدوية الأساسية، في ظل غياب التسعيرة الحكومية واحتكار السوق من قبل مستوردين ومذاخر خاصة، يصفها مختصون بأنها "غير خاضعة للرقابة" و"تجارية بحتة".

الدواء لمن يدفع أكثر!

يعاني المواطنون من ارتفاع كبير في أسعار الأدوية، في وقت تشير فيه الإحصاءات إلى أن أكثر من 40% من السكان يعيشون تحت خط الفقر. 

ويؤكد مواطنون أن أسعار بعض العلاجات الأساسية تضاعفت خلال الأشهر الماضية، وسط ضعف رقابي من قبل الجهات المختصة.

يقول الدكتور صباح ناصر العزاوي، اختصاصي طب الأطفال، لـ/المعلومة/، إن "خصخصة استيراد الأدوية فتحت الباب أمام الفوضى، وسمحت بدخول أدوية رديئة أو منتهية الصلاحية، فيما يواجه المواطن تسعيرات غير منطقية في الصيدليات والمذاخر الأهلية".

• 

ويضيف العزاوي أن "الدواء بات عبئا اقتصاديًا، بل ومصدر خطر صحي، في ظل غياب الدور الفعّال لوزارة الصحة"، داعيًا إلى حصر استيراد الأدوية بوزارة الصحة، وتحديدًا عبر شركة كيماديا الحكومية، ومنع استيراد الأدوية من جهات خاصة "لا تخضع لمعايير الجودة ولا المحاسبة".

"الدواء والفساد"

الشكوك لا تتوقف عند الأسعار. إذ يتهم ناشطون ومسؤولون محليون بعض التجار وأصحاب المذاخر بالتلاعب بمنشأ الأدوية، وتهريبها عبر الحدود بطرق غير شرعية، ما يعرض حياة المواطنين لمخاطر صحية جسيمة.

في هذا السياق، يقول رئيس غرفة تجارة ديالى محمد التميمي إن "أسعار الأدوية ارتفعت بنسبة تتراوح بين 10 و15%، مما يستنزف دخول ملايين العراقيين، خصوصًا أن 40% من الشعب يعاني من الفقر بشكل مباشر".

ويشير التميمي إلى أن حل المشكلة يبدأ من "تبني الدولة سياسة ما يُعرف بـ(الدولار الدوائي)، أي دخول الحكومة كمستورد مباشر للأدوية وبيعها بسعر مدعوم من البنك المركزي"، معتبرًا أن ذلك "سيساهم في تقليل المضاربات وخفض الأسعار".

غياب الردع

من جانبها، تؤكد عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية سهام الموسوي أن "الوزارة لم تنجح حتى الآن في ضبط أسعار الأدوية، رغم حملات التفتيش والمراقبة"، مضيفة لـ/المعلومة/، أن "هناك تجاوزات واضحة من قبل بعض الأطباء الذين يفرضون على المرضى شراء الأدوية من صيدليات معينة، بأسعار باهظة".

• 

وتشير الموسوي إلى أن "اللجنة النيابية تواصل الضغط على وزارة الصحة لتفعيل الرقابة وتشديد العقوبات على المخالفين، سواء من الأطباء أو أصحاب الصيدليات والمذاخر".

هل من بديل؟

يرى خبراء في القطاع الصحي أن العودة إلى مركزية الدولة في استيراد وتوزيع الأدوية لا تمثل فقط وسيلة للسيطرة على الأسعار، بل ضرورة لضمان جودة الدواء وسلامته. 

مع ذلك، يحذر مختصون من أن مثل هذا التوجه قد يصطدم بنفوذ كبار المستوردين والمذاخر التي تشكل جزءًا من شبكة مصالح اقتصادية وسياسية واسعة في العراق، مما يتطلب إرادة سياسية وتشريعية واضحة لتفعيل هذا التحول.

في ظل هذه المعطيات، يبقى المواطن بين سندان الأسعار المرتفعة ومطرقة الأدوية المغشوشة أو غير الفعالة، وبينما تتحدث الجهات المعنية عن إجراءات ومتابعات، يرى كثيرون أن الأمر يحتاج إلى أكثر من الوعود، بل إلى إعادة هيكلة كاملة لقطاع الدواء، تبدأ من استعادة الدولة سيطرتها على ملف الاستيراد والتسعير والجودة.انتهى/25م