دين داخلي بلا سقف.. غياب التخطيط يدفع العراق نحو الهاوية

المعلومة/ تقرير…
تتسارع المؤشرات المالية في العراق نحو مستويات غير مسبوقة من التعقيد، وسط حالة من الارتباك الاقتصادي وارتفاع متواصل في حجم الديون الداخلية التي باتت، وفق مختصين، الخطر الأكبر الذي يهدد استقرار البلاد المالي. وفي وقت يعيش فيه العراقيون على وقع تحولات اقتصادية متسارعة وارتفاعات حادة في نسب العجز، يتصاعد الجدل حول أسباب هذا التدهور ومن يتحمل مسؤولية ترك الباب مفتوحاً أمام انهيار تدريجي في منظومة الإدارة المالية. وبينما تتزايد الضغوط على الحكومة لاتخاذ قرارات حاسمة، تؤكد التقارير الاقتصادية أن الأزمة لم تعد مرتبطة بظروف آنية، بل بتراكمات امتدت لسنوات نتيجة غياب التخطيط الاستراتيجي وتعمق الاعتماد على الاقتراض الداخلي لتغطية النفقات المتصاعدة.

بهذا الصدد اتهم النائب السابق محمد الشبكي، الحكومة بالوقوف وراء ما وصفه بـ”الانهيار المتسارع” في الملف المالي للبلاد، مشيراً إلى أن اتساع العجز في الموازنة جاء نتيجة غياب أي رؤية اقتصادية حقيقية قادرة على ضبط الإنفاق أو إدارة الديون المتراكمة.

وقال الشبكي لوكالة /المعلومة/ إن العراق، اليوم، يواجه “أعلى مستويات للدين الداخلي منذ سنوات طويلة”، في وقت كان يفترض بالحكومة إطلاق برنامج إصلاحي واضح يعيد تنظيم السياسة المالية، إلا أن “التردد في اتخاذ القرارات المصيرية” أسهم في تفاقم الوضع.

وأضاف أن الخلل المالي الحالي “ليس وليد الظروف الخارجية فقط”، بل جزء كبير منه يعود إلى “إدارة مالية مرتبكة” سمحت بارتفاع الديون الداخلية والخارجية بوتيرة خطيرة، نتيجة غياب المعايير المهنية في ضبط الصرف وضعف آليات ترشيد الموارد.

• 

وفي الاتجاه ذاته، حذر أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة نبيل المرسومي من تضخم الديون الداخلية، مؤكداً أن “الخطر المالي الحقيقي لا يكمن في الدين الخارجي كما يُشاع، بل في توسع الاقتراض الداخلي وما يحمله من تهديدات مباشرة للاستقرار الاقتصادي”.

وأوضح المرسومي في حديثه لـ/المعلومة/ أن اعتماد الحكومة على الاقتراض من المصارف المحلية “خلق تشوهاً في السياسة المالية”، مبيناً أن البنك المركزي سبق أن أصدر تحذيرات واضحة بشأن تضخم الدين الداخلي وضرورة السيطرة عليه قبل تحوله إلى أزمة حادة.

وأشار إلى أن استمرار المصارف الأهلية والحكومية في إقراض الحكومة “دون وجود سقوف محددة أو ضوابط صارمة” قد يؤدي إلى إرباك السياسة النقدية وإضعاف قدرة الدولة على الإيفاء بالتزاماتها المستقبلية.

كما دعا المرسومي إلى تعزيز الإيرادات غير النفطية عبر فرض ضرائب عادلة على العمالة الأجنبية وتنظيم دخولها إلى سوق العمل، إضافة إلى مراقبة أرباح المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي الذين يحققون عوائد مالية ضخمة بلا رقابة تُذكر، مؤكداً أن “العدالة الضريبية” جزء أساسي من أي إصلاح اقتصادي حقيقي.

وحذر من أن استمرار الإنفاق المرتفع دون إصلاحات جادة سيضع العراق أمام تحديات مالية متسارعة، داعياً الحكومة إلى اتخاذ قرارات عاجلة لخفض النفقات وتعزيز الإيرادات قبل أن تتفاقم الأزمة إلى مستويات غير قابلة للسيطرة.

وبينما تتزايد التحذيرات من وصول الدين العام إلى مرحلة حرجة، يترقب الشارع العراقي ما ستتخذه الحكومة من خطوات لاحتواء الأزمة. فالمؤشرات الحالية، بحسب الخبراء، تنذر بمرحلة مالية أكثر تعقيداً ما لم تُعتمد إجراءات إصلاحية جدية تعيد بناء الثقة بالسياسة الاقتصادية وتضع أسساً واضحة لإدارة الموارد بعيداً عن الفوضى والإنفاق غير المنضبط. وفي ظل هذه المعطيات، يبقى السؤال الأبرز: هل تمتلك الحكومة المقبلة الإرادة الحقيقية للمضي في إصلاحات جريئة قبل أن تتجاوز الأزمة حدود السيطرة؟.انتهى25د