أزمة الكهرباء في العراق: بين فساد الداخل وضغوط الخارج
المعلومة / خاص …
تعد أزمة الكهرباء في العراق واحدة من أبرز التحديات التي تواجه البلاد منذ عام 2003 وحتى الآن ، ورغم المبالغ الطائلة التي أنفقت لتطوير المنظومة الكهربائية، ما زال الشعب العراقي يعاني من نقص مستمر في التيار الكهربائي، صيفا وشتاء ، تتشابك في هذه الأزمة عوامل سياسية داخلية وأخرى خارجية، مما يجعل حلها يبدو بعيد المنال دون معالجة جذرية للفساد وسوء الإدارة.
أولاً: هل تقف جهات سياسية داخلية خلف الأزمة؟
تشير الأدلة إلى أن الفساد المستشري داخل المؤسسات الحكومية هو أحد الأسباب الرئيسية وراء استمرار أزمة الكهرباء. فقد وُقِّعت عقود ضخمة مع شركات محلية وأجنبية دون متابعة تنفيذها بشكل جدي، الأمر الذي أدى إلى هدر الأموال على مشاريع متعثرة أو وهميةً ، كما أن وجود مصالح سياسية لبعض الجهات المستفيدة من استيراد الكهرباء أو الوقود المخصص للمولدات الخاصة يعمق الأزمة، حيث تُفضّل هذه الجهات بقاء الوضع على ما هو عليه للاستمرار في تحقيق أرباح غير مشروعة.
ثانياً: هل الأزمة قرار سياسي داخلي؟
الأزمة الكهربائية ليست مجرد نتيجة لسوء الإدارة، بل تحمل أبعاداً سياسية داخلية. تسعى بعض الأطراف السياسية إلى استخدام ملف الكهرباء كورقة ضغط لتحقيق مكاسب انتخابية أو لإضعاف الحكومات المتعاقبة وفي كثير من الأحيان، يتم تعطيل القرارات أو عرقلة المشاريع الكبرى لأسباب تتعلق بالمنافسة السياسية بين الأحزاب المختلفة.
ثالثاً: دور الولايات المتحدة في أزمة الكهرباء
للولايات المتحدة دور معقد في هذا الجانب. فمنذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، فُرضت على البلاد عقود استثمارية غير عادلة في قطاع الكهرباءً ، بعضها مع شركات أمريكية علاوة على ذلك، فإن العقوبات المفروضة على إيران – المورّد الأساسي للغاز المستخدم في محطات الكهرباء العراقية – تعقد الوضع أكثر، حيث يعتمد العراق بشكل كبير على الغاز الإيراني لتشغيل محطاته. الضغط الأمريكي لتقليل الاعتماد على إيران يضع الحكومة العراقية أمام تحديات هائلة لتأمين بدائل.
رابعاً: كم أنفق العراق على الكهرباء خلال العقدين الماضيين؟
تشير التقديرات إلى أن العراق أنفق ما يزيد عن 80 مليار دولار على قطاع الكهرباء منذ عام 2003 وحتى الآن.
شملت هذه الأموال بناء محطات جديدة، إصلاح المحطات القديمة، استيراد الكهرباء والغاز، وصيانة الشبكات. ورغم هذا الإنفاق الكبير، فإن النتائج لم تكن بمستوى التطلعات بسبب الفساد، سوء التخطيط، والاعتماد الكبير على الاستيراد بدلاً من تطوير الإنتاج المحلي.
خامساً: مصير العقود الحكومية بعد تحسن المنظومة ومن يتضرر؟
إذا تحسنت منظومة الكهرباء، فإن ذلك سيؤثر بشكل مباشر على المولدات الخاصة والشركات المرتبطة بها، وهي قطاع غير رسمي ولكنه يحقق أرباحاً ضخمة سنوياً. ستتضرر كذلك الجهات السياسية التي تستفيد من استيراد الوقود والكهرباء.
أما العقود الحكومية، فإن تحسن المنظومة سيضعها أمام تحدٍ جديد يتمثل في الوفاء بالتزاماتها، وقد يؤدي ذلك إلى مراجعات قانونية للعقود الفاسدة التي أُبرمت في الفترات السابقة.
سادساً: كيفية التخلص من أزمة الكهرباء
1. مكافحة الفساد: وضع آليات صارمة لمراقبة العقود والمشاريع المتعلقة بالكهرباء.
2. تنويع مصادر الطاقة: الاستثمار في الطاقات المتجددة مثل الشمسية والرياح لتقليل الاعتماد على الغاز المستورد.
3. الاعتماد على الكفاءات المحلية: تقليل الاعتماد على الشركات الأجنبية وزيادة تدريب وتوظيف الكوادر العراقية.
4. التعاون الإقليمي: تعزيز التعاون مع دول الجوار لتبادل الطاقة وتطوير البنية التحتية.
5. إصلاح البنية التحتية: تحديث شبكات التوزيع لضمان كفاءة نقل الكهرباء وتقليل الهدر.
ورغم كل ذلك تبقى أزمة الكهرباء في العراق ليست مجرد مشكلة تقنية، بل هي نتاج تداخل المصالح السياسية، الاقتصادية، والخارجية وان حل هذه الأزمة يتطلب إرادة سياسية حقيقية، خطة استراتيجية طويلة الأمد، ومشاركة شعبية في محاربة الفساد. مع تحقيق هذه الخطوات، يمكن للعراق أن يطوي صفحة طويلة من المعاناة ويبدأ في بناء منظومة كهربائية تلبي طموحات شعبه.انتهى/25