المطايا السبع: مقال هزلي فيه سبع أنواع من الواهمين بالديمقراطية الأمريكية..!
كتب / بهاء الخزعلي ||
المقدّمة
في زمنٍ صار فيه قصفُ غزّة يبثّ على الهواء مباشرةً، كأنه مسلسل نتفليكس مملّ، لا يزال فينا من يصدّق أن «الديمقراطية» الأميركية وردة بيضاء، وأن «حقوق الإنسان» عندها كرت أطفال يُداعب به الآباء. فلنمشِ معاً، إذن، في جولة ساخرة على ظهر «المطيّة السبع»؛ سبع شخصيّات عربيّة تُحسِن التظاهر بالثقة بواشنطن، بينما هي ترى الدبابات الأميركية تمدّ سلاحها لقتل جيرانها.
—
المطيّة الأولى: «الليبراليّ المُدلّل»
أوصافه: يتحدث بالإنجليزيّة في المقاهي، ويبرّر كلّ جريمة بـ«السياق التاريخي»، ويؤمن أن بيان الخارجيّة الأميركيّة أشدّ قدسيّة من آخر سورة في المصحف.
لحظة الارتباك: حين يُسأل: «لماذا تُقصَف المدارس؟» فيجيب مُتلعثماً: «لأن فيها أنفاقاً… عفواً، أقصد أطفالاً يُخزّنون فيها!».
شعاره المفضَّل: «الديمقراطية أولاً، حتى لو تبقّى منّا ثلاثة ناجين».
—
المطيّة الثانية: «العسكري المتقاعد الذي صار محللاً»
أوصافه: يرتدي بدلةً بربطة عنق علم أميركا، ويُذكّرك دائماً بأنه «خبر غرف العمليات».
لحظة الارتباك: يشرح بالخرائط كيف يمكن للكيان أن «يقلّل الخسائر»، ثم ينفجر البثّ المباشر بصورة جثّة طفلة. فيُخرج منديلاً ويتنهّد: «إنها حرب قذرة، لكنها حربهم، أعني… حربنا؟».
شعاره: «الضمير لا يُحمّل على الطائرة المسيّرة».
—
المطيّة الثالثة: «الإعلاميّ صاحب الشاشة الملوّنة»
أوصافه: يستضيف ضيفاً من تل أبيب فيقول له: «أشعر بأنك أخٌ أكبر لنا».
لحظة الارتباك: تصيبه حرارة مفاجئة حين ينقطع البثّ ويظهر خبر إعدام عائلة كاملة في رفح، فيمسك بالمايك ويقول: «لنعد بعد الفاصل للحديث عن أهمية السلام… والفاصل طويل جداً».
شعاره: «الصورة لا تكذب، لكننا نحسن تفسيرها».
—
المطيّة الرابعة: «الأكاديميّ صاحب المنح البحثيّة»
أوصافه: يكتب أوراقاً عن «التحولّات الديمغرافية للشرق الأوسط» بتمويل «مؤسسة هرتزيلية».
لحظة الارتباك: تلامس طالبةٌ سؤالاً محرجاً: «هل يمكن وصف التهجير بأنه تطهير عرقي؟»، فيُخرج من جيبه تعريفاً من الأمم المتحدة عام 1948 ويقول: «انظري، التعريف القديم لا يصلح لعام 2024!».
شعاره: «العلم لا عاطفة فيه، والتمويل لا يوجّهه أبداً».
—
المطيّة الخامسة: «الناشطة الحقوقية ذات المنح الأممية»
أوصافه: تُغنّي «We Shall Overcome» وتستلم منحة «الدفاع عن الحريات» من السفارة.
لحظة الارتباك: حين تُفتح قائمة المتبرّعين فتجد اسم «شركة Raytheon»، تبتسم وتقول: «الدفاع عن الحقوق لا ينفي الدفاع عن الاقتصاد».
شعارها: «أحتجّ على القصف، لكنني أحترم الصاروخ لأنه صنع بتقنيات توظّف النساء».
—
المطيّة السادسة: «الإسلاميّ المعتدل الذي صار معتدلاً جداً»
أوصافه: يُفتي بحرمة مقاطعة «كوكاكولا» لأن «الاقتصاد العالمي مترابط».
لحظة الارتباك: يُسأل عن حكم إفطار الصائم في غزّة الذي لم يجد تمرّاً، فيُصدر بياناً: «إذا وجدتم بقايا رمانة فذلك يكفي، والله غفور رحيم».
شعاره: «العدل كلمة لا تُقال بوجود لوبي قوي».
—
المطيّة السابعة (الجديدة): «الرفيق الشيوعيّ العراقي» أوصافه:يرتدي قميصاً أحمر كلاسيكياً عليه صورة ماركس، لكن تحت الياقة بادية شارة «USAID» مزركشة.يبدأ كل خطابٍ بـ«يا عمال العالم اتحدوا»، ثم ينتهي بـ«شكراً للسفارة على المنحة المقدّمة لتطوير الديمقراطية المحليّة».يُبرّر التحالف مع «الإمبريالية» بأنها «مرحلة تاريخية مؤقتة»، ويُطلق على الشيك الأميركيّ اسم «الأممية البروليتارية بالدولار».لحظة الارتباك:
حين يُسأل في ندوة: «كيف تستقبل تمويلاً من الدولة ذاتها التي دمّرت بلدك عام 2003؟»، يمسح عرقاً اشتراكياً ويجيب:
«يا رفيق، في ظلّ الرأسمالية المتأخرة، نحن نستعمل أدوات العدو لصالح الطبقة العاملة. الشيك أولاً، الثورة لاحقاً… ولا مانع من تقسيطها».شعاره:
«الإمبريالية عدوتنا الأبدية، لكن حسابنا الجاري في سيتي بنك».
الخاتمة: النعيق الأخير
وهكذا تسير «المطايّا السبع» في قافلة واحدة، تجرّها مقطورات من الشعارات الجوفاء، بينما تقف فلسطين على قارعة الطريق، تلوّح بكفّ مبتورة: «أنا هنا!».
وإذا صادفتَ أحد هذه الانواع لاحقاً في مقهى بغدادي، يحتسي «لاتيه دولتشي» ويُسوّق لورشة تدريب «كيف تبني حزباً ثورياً بمنحة USAID»، فاسأله ببساطة:
«يا رفيق، ألم تكن تقول ذات يوم إنّ البروليتاريا لا تُؤجر، بل تبيع قوّة عملها؟ فكيف صرتَ الآن تبيع الوطنية بالدولار؟»
وسيُجيبك بابتسامةٍ حمراء:
«هذا تطوّر جدليّ يا عزيزي؛ الثورة طريقها طويل، والبنزين الأميركي أوفر».
وإذا مررت يوماً بأحدهم، فاسأله ببساطة: «هل رأيتَ الطفلة التي كانت تُمسك بدميتها قبل أن تصيبها طلقة أميركية الصنع؟»
فإن أجابك بالحروف الإنجليزية الثلاثة: «R.I.P»، فاعلم أنك أمام المطيّة الثامنة، التي لم تُدرج في قائمتنا لأنها ما عادت تُحتمل.